تترقّب الأوساط السياسية والشعبية في العراق صدور النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية، التي جرت أمس الأحد، بمشاركة متباينة من قبل المواطنين بين محافظة وأخرى. وأشارت تسريبات أولية إلى أن بعض القرى والنواحي القريبة من المدن شهدت إقبالاً أكبر من سكان بعض مراكز المدن، في إشارة إلى وجود استقطاب عشائري وقبلي واضح في هذه الانتخابات في مدن ومحافظات كثيرة. وتنتظر معظم القوى والأحزاب الدينية الرئيسية النتائج، وسط خشية من تراجع مواقعها برلمانياً في هذه الانتخابات، عقب الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد في الربع الأخير من عام 2019، واستمرت لأكثر من 14 شهراً، إضافة إلى اعتماد قانون انتخابي جديد قائم على معايير جديدة مغايرة للقوانين السابقة التي جرت على أساسها الانتخابات السابقة. وبموجب هذه الانتخابات سيفوز الأكثر حصولاً على الأصوات فيها، بغضّ النظر عن إجمالي الأصوات التي يجمعها الحزب أو الكتلة، كما كان سابقاً ضمن معادلة رياضية معقدة تعرف بـ"سانت ليغو"، التي خدمت الأحزاب والكتل الكبيرة على خلاف غيرها من كتل ومرشحين مستقلين.
وبعد انتصاف نهار أمس الأحد، سارعت عدة قوى سياسية بإعلان حصولها على نتائج متفوقة على منافسيها الآخرين في نفس الدوائر الانتخابية، بينما دخلت بعض مراكز البحوث واستطلاع الرأي والمنظمات غير الحكومية، المشاركة في المراقبة، على خط الماكينة الدعائية لقوى وكيانات سياسية متنفذة، مستبقة إعلان النتائج الأولية، المتوقع صدورها مساء اليوم الإثنين، بحسب تصريحات سابقة لمفوضية الانتخابات، والتي قالت إن النتائج الأولية ستعلن بعد 24 ساعة على إغلاق صناديق الاقتراع.
سجلت مفوضية الانتخابات مخالفات انتخابية كبيرة
وباستثناء القوى العلمانية والمدنية الصغيرة التي قررت المشاركة في الانتخابات مثل حركة "نازل آخذ حقي"، و"امتداد"، و"مد"، و"وعي"، مخالفة توجهات حلفائها المقاطعين، مثل الحزب الشيوعي العراقي، و"البيت الوطني" وحركة "عمل" و"حقوق"، وحركة "تشرين"، سجلت مفوضية الانتخابات مخالفات انتخابية كبيرة. وهي مخالفات تورطت بها كتل وأحزاب مختلفة نافذة، تضمنت عمليات ترويج داخل المراكز الانتخابية وتوزيع بطاقات شحن هواتف وتزوير بطاقات مراقبين محليين وافتعال مشاكل مع أفراد الأمن، واقتحام مرشحين عدداً من مراكز الاقتراع مع مسلحين يتبعون لهم.
وكانت أبرز التجاوزات من الأجنحة السياسية التابعة لفصائل مسلحة تشارك في هذه الانتخابات، وشهدت ديالى وبغداد ونينوى وبابل وصلاح الدين أعلى معدل في تلك المخالفات، حسبما كشف مسؤولون في المفوضية ومراقبون محليون لـ"العربي الجديد".
كما شهدت عملية الاقتراع العديد من المشاكل الفنية والإدارية، مرتبطة بصعوبة تعرّف أجهزة التصويت على بصمات المقترعين أو عدم ظهور بياناتهم، خصوصاً كبار السن والنساء، فضلاً عن تأخر افتتاح عدد من المراكز وانقطاع التيار الكهربائي والإنترنت. وهو ما تسبب في توقف التصويت فترات عدة خلال النهار، إضافة إلى صعوبة وصول المواطنين في عدد من المدن في شمال العراق وغربه إلى مراكز الاقتراع، بسبب التشديدات الأمنية المتخذة حولها من قبل قوات الجيش العراقي، تحسباً لوقوع اعتداءات مسلّحة، عقب نشر بقايا تنظيم "داعش" تهديدات مختلفة عبر منصات تابعة له في تطبيق "تلغرام"، بشأن الانتخابات وتكفير من يشارك بها.
واعتقلت قوات الأمن العراقية عدداً من ممثلي الكيانات السياسية والمرشحين المتنافسين خلال عمليات الاقتراع، قالت إنهم حاولوا التأثير على الناخبين خلال عملية التصويت.
وخلافاً للتوقعات لم تفرض القوات العراقية، ضمن خطتها لتأمين العملية الانتخابية، حظراً على التجول، إلا أنها اتخذت إجراءات أمنية مشددة، شملت إغلاق المطارات والمنافذ البرية، ومنع التنقل بين المحافظات.
واعتبرت المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات جمانة غلاي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "من الممكن القول إن انتخابات 2021 كانت ناجحة، على الرغم من حصول بعض المشاكل الفنية في عمل أجهزة التصويت في بعض المحافظات، لكن المفوضية تمكنت من حلّ هذا الإشكال بوجود نحو 100 فني متعاقد مع المفوضية". وأوضحت أن "القوات الأمنية واصلت عملها من أجل منع أي تجاوزات أو تأثيرات على إرادة الناخبين تقوم بها بعض الجهات السياسية والحزبية".
وتواصلت "العربي الجديد"، مع مراقبين دوليين اثنين، تجوّلا في ثانوية بغداد للبنات في الكرادة الشرقية بجانب الرصافة، وثانوية زينب الواعدة في حي المنصور وسط بغداد، وأكدا أن "الساعات الخمس الأولى لم تشهد أي خروقات في مراكز الاقتراع وسط مدينة بغداد، لكن على أطراف العاصمة وقعت أكثر من مشكلة بين قوات الأمن وممثلي كيانات سياسية، سعوا إلى الترويج عند مداخل المراكز الانتخابية، على الرغم من أن ذلك ممنوع، وتحديداً في مدينة الصدر والغزالية والعامرية والشعلة والكاظمية". وقال أحدهما إن "مراكز الاقتراع داخل مدينة بغداد لم تشهد إقبالاً واسعاً، على عكس المناطق الأبعد عن المركز". أما الثاني فقد أشار إلى أن "العملية الانتخابية تسير بانسيابية، لولا تعطل بعض أجهزة التصويت، وهي أعطال فنية اعتيادية".
اعتقلت قوات الأمن عدداً من ممثلي الكيانات السياسية والمرشحين المتنافسين
من جهته، قال المسؤول في شبكة "عين" لمراقبة الانتخابات، حسين الموسوي، إن "خروقات عدة حصلت في يوم الاقتراع العام، منها التجاوزات الحزبية التي مارستها الكيانات السياسية على مستوى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للترويج والدعاية للمرشحين، على الرغم من الصمت الانتخابي الذي يُفرض على الأحزاب حتى آخر ساعة من الانتخابات، إضافة إلى استخدام بعض المرشحين فرقاً من الشبّان للترويج لهم عند مداخل بعض مراكز الاقتراع". ولفت في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "أحد المراكز سجل مشاجرة عشائرية في محافظة البصرة بالقرب من مركز اقتراع، بسبب التدخلات في الحديث مع المواطنين عن انتخاب أحد المرشحين دون آخر، فيما لم تتدخل قوات الأمن لحل الشجار".
وأشار الموسوي إلى أن "الإقبال على الانتخابات في المحافظات الجنوبية كان أكثر من محافظات الوسط والغرب، ومعظم الوافدين على مراكز الاقتراع حتى منتصف نهار الأحد، هم من جماهير الأحزاب، كما ظهر عليهم، إذ أتوا وانتخبوا ثم عادوا إلى منازلهم. لكن في النصف الثاني من عمر النهار، ظهر المواطنون غير المتحزبين وتوجهوا إلى مراكز الاقتراع". وبشأن نسب التصويت في الانتخابات، بيَّن الموسوي أن "من الصعب التوصل إلى نسبة واضحة، لكن يبدو أن الانتخابات الحالية تشهد قبولاً أكثر من الانتخابات السابقة في عام 2018، ونتوقع أن المشاركين فيها سيصلون إلى 40 في المائة من عامة الذين يحق لهم التصويت".
أما المرشح المستقل عن بغداد وائل الحازم، فقد أكد أن "الانتخابات الحالية تعتبر أهم حدث عقب انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019، والمشاركة فيها هي فعل احتجاجي لاستمرار المطالبة بالإصلاح وتحقيقه عبر سلسلة من الحوارات والإجراءات السياسية، لذلك فهي تعتبر أيضاً أهم انتخابات بعد الاحتلال الأميركي". وأشار في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "مراكز الاقتراع في عموم مراكز المدن شهدت إقبالاً خفيفاً على التصويت، عكس أطراف المدن ومناطق الأرياف، لأن سكان مراكز المدن عادة ما يقصدون مراكز الاقتراع بعد الظهر. لكن بطبيعة الحال تبدو المشاركة الحالية أوسع من الانتخابات السابقة، على الرغم من تسجيل خروقات، ومنها عدم التزام المراقبين المحليين الذين وظفتهم الكيانات السياسية مقاعدهم داخل غرف التصويت، بل تجولوا فيها من أجل التأثير على إرادة الناخبين ومحاولة إقناعهم باختيار مرشحين على حساب مرشحين آخرين". وأكد أنه "قدّم شكوى لمفوضية الانتخابات عن هذا الأمر".