لا تحتاج الأوبئة في اليمن إلى عناء حتى تحقق أكبر عملية انتشار في أوساط المجتمع، فلا شيء يمنعها من تحقيق أهدافها، سواء من القطاع الصحي الذي يقف متفرجاً يحصي أرقام المصابين، أو من المرضى الذين يفتحون صدورهم لاستقبال الأمراض بكل حفاوة.
في اليمن، تبدو مسألة بقاء المواطنين على قيد الحياة، وسط كمّ كبير من الأوبئة والفيروسات والأمراض الفتاكة، أكبر من معجزة، وخصوصاً في ظل الإهمال المريع والجهل الصحي الفاضح من السلطات الصحية والطواقم.
أمراض تتغلغل في أوساط المجتمع لا تعريف لها، وفيروسات ترعب كافة دول العالم، لا أثر لها، وإن وُجدت تخترع مسميات جديدة تخفف من وطأة الكارثة.
مثلاً، أودى فيروس كورونا بحياة نحو 6 ملايين شخص في كافة دول العالم، وفي اليمن لا يزال الوباء يحتفظ بلقب المرض المثالي، الذي لم يودِ سوى بحياة ألفي شخص خلال عامين، كما تدّعي بيانات وزارة الصحة في الحكومة.
بدأت متحورات الفيروس، من أوميكرون ودلتا وغيرها، تفترس اليمنيين، ومع ذلك، فإن السلطات الصحية التي تتقاضى ميزانيات بملايين الدولارات من منظمة الصحة العالمية ووكالات الإغاثة الأممية، لا علم لها بما يجري داخل البلاد أو ما هو المرض المنتشر.
فحوصات فيروس كورونا المقدمة مجاناً، يتم بيعها بالسوق السوداء بمبلغ 10 آلاف ريال يمني للفحص، أي بنحو 10 دولارات، ومختبرات وزارة الصحة ليس بمقدورها طمأنة المرضى والمصابين بأعراض الوباء أو أي أنواع من الحُمّيات المنتشرة. تكتفي بالدعاء للمرضى.
صحيح أن الوضع الوبائي داخل اليمن يفوق قدرة المرافق الصحية المتهالكة وخصوصاً عقب الحرب، لكن لا يُعقل أن الأوبئة والحُمّيات لا تعريف لها في مختبرات وزارة الصحة، وأن القائمين عليها يطرحون على المرضى احتمالات، من دون تقديم نتيجة دقيقة لهوية الأوبئة التي تنخر أجسادهم.
لا توجد فحوصات دم في أي دولة بالعالم تكون نتيجتها "ربما يكون مرضك هو"، سوى في اليمن، ولا يوجد مريض يصاب بوعكة صحية ويتعافى من دون معرفة ماهية المرض الذي تسلل إلى جسده، سوى المريض اليمني.
في مدينة تعز مثلاً، هناك تفشٍ مريع للحُمّيات الوافدة من البحر المتوسط ودول غرب النيل. بعض الحُمّيات استوطنت أجساد آلاف المواطنين وتم التعايش معها، ومع ذلك لم تفكر السلطات بتنفيذ برنامج حقيقي للتصدي لجائحة كهذه.
وهناك رصد لانتشار فيروس الكبد الوبائي في أوساط طلاب المدارس. عشرات الأطفال فارقوا الحياة بعد تضخّم مفاجئ للكبد وهناك عشرات الحالات الشاحبة مهددة بالموت، ومع ذلك لم يتم الكشف عن الأسباب الحقيقية، وما إذا كان تلوث المياه هو السبب أم أن هناك أسباباً أخرى.
الأطفال يصارعون للبقاء بصمت. تحالف مرعب من أمراض الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والتيتانوس، وحتى شلل الأطفال أطل برأسه مجدداً. أوبئة وأمراض عادت من الزمن الغابر إلى الواجهة، بعضها تخلصت منها دول العالم في تسعينيات القرن الماضي، لكنها لا تزال حاضرة في اليمن المنكوب على كافة المستويات.