اليمن: اقتحام قصر معاشيق الرئاسي يعيد إحياء اتفاق الرياض

17 مارس 2021
سارعت السعودية لاحتواء الموقف بدعوة من طرفي الاتفاق (تويتر)
+ الخط -

أعادت حادثة اقتحام قصر معاشيق الرئاسي في اليمن، اتفاق الرياض الذي رعته السعودية بين الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً إلى الواجهة، بعد تحركات سعودية جديدة لنزع فتيل التوتر السياسي الذي تعيشه مدينة عدن قبل أن يتطور إلى صدامات مسلّحة.

وسارعت السعودية لاحتواء الموقف بدعوة من طرفي الاتفاق للاستجابة العاجلة والاجتماع في الرياض لاستكمال تنفيذ نقاط الاتفاق الهش، والذي انكشف أكثر بعد الخرق الأمني الفاضح، أمس الثلاثاء، ووصول المتظاهرين إلى أمام سكن رئيس الحكومة في القصر الرئاسي.

وعلى الرغم من التنديد بأشد العبارات، إلا أن الخارجية السعودية بدت أكثر دبلوماسية في عدم توبيخ أي طرف أو توجيه إشارات حول المستفيد من حادثة الاقتحام، واكتفت بالتأكيد أن اتفاق الرياض "ضمانة لتوحيد الصفوف لمختلف الشعب اليمني وحقن الدماء ورأب الصدع بين مكوناته"، من دون الإشارة إلى جماعة الحوثيين وضرورة توحيد الصفوف لمواجهتها.

ورحبت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي بالبيان السعودي لعقد اجتماع في الرياض، على الرغم من أن الترحيب الصادر من الانفصاليين بدا مشروطاً بضرورة إشراكه في الوفد التفاوضي المشترك لمناقشة الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار، من دون الإشارة للشق العسكري والأمني والذي يشكل أساس الأزمة الحالية.

ولم يكشف بيان الخارجية السعودية عن موعد لعقد مشاورات جديدة لطرفي الاتفاق، وتوقع مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، أن يتم الترتيب لجلسة مشاورات في الرياض ابتداء من مطلع الأسبوع المقبل.

ويبدو أن السعودية قد مارست ضغوطاً شديدة على المجلس الانتقالي الجنوبي من تحت الطاولة، حيث عاد الانفصاليون خطوة إلى الخلف، وظهر ذلك جلياً في التوجيهات الصادرة إلى كلّ الأجهزة الأمنية بمدينة عدن، بمنع أي تظاهرات ما لم يكن مصرح لها مسبقاً.

واعتبرت قوات الدعم والإسناد المدعومة إماراتياً، أن الهتافات التي تم ترديدها في تظاهرات أمس الثلاثاء ضد التحالف السعودي، والتي طالبت برحيله ووصفته بـ"العدوان"، صادرة عن أشخاص يتبعون "جهات سياسية ويستغلون الوضع المتردي في عدن لإثارة حماس المواطنين واستخدامهم مآرب حزبية مشبوهة لزعزعة الأمن والاستقرار، من خلال الدعوات للاحتشاد اليوم الأربعاء في ساحة العروض بخور مكسر".

وحاول نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، تلطيف الأجواء مع السعودية، عندما أكد أن من يستغل الاعتصامات ليصف السعودية والإمارات بالعدوان والاحتلال والناهبين، يحققون للحوثيين ما يريدون وأنهم بذلك يستهدفون الجنوب والقوات الجنوبية.

كما تبرأ الزعيم السلفي هاني بن بريك، من تصريحات القيادي بالمجلس أحمد بن بريك التي توعد فيها بـ"قلب الطاولة وإصدار البيان رقم 1"، لافتاً إلى أن المواقف الرسمية للمجلس هي التي تصدر عبر المتحدث الرسمي باسمه أو عن الاجتماعات الرسمية.

وأثار البيان الصادر عن الحكومة اليمنية التي أعلن فيها أن التظاهرة شكلت "اعتداءً على الدولة والقانون" ولا تخدم سوى المليشيات الحوثية، حفيظة المجلس الانتقالي الذي استنفر قياداته في مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن تلك التهمة التي أيدتها أيضاً شخصيات سعودية مختلفة.

وقال القيادي في المجلس الانتقالي سالم ثابت العولقي، في تغريدات على "تويتر"، "إن من يخدم الحوثي هو من حوّل الشرعية إلى مظلة للفساد الإداري والمالي، ونهب الموارد والودائع البنكية وتوظيف الزوجات والأقارب وأخونة المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية وتسليم الجبهات، وليس المواطن والمقاوم والجندي الجنوبي الذي كسر شوكة الحوثي والإرهاب وحورب بسياسات التجويع والإفقار".

ما الذي تبقى من اتفاق الرياض؟

منذ تشكيل حكومة المحاصصة في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجمّد اتفاق الرياض بشكل شبه كلي، حيث شعر المجلس الانتقالي الجنوبي بأنه نال ما كان يطمح إليه من شرعية وحكم محافظة عدن بشكل رسمي عبر محافظ موالٍ له هو القيادي بالمجلس أحمد لملس.

وفي الشق العسكري والأمني، لم تتحقق أي خطوة جوهرية، ففي محافظة أبين، اكتفى الوسطاء السعوديون بفصل القوات التابعة للحكومة والانفصاليين عبر نشر كتائب من ألوية العمالقة السلفية في نقاط التماس كقوة لحفظ السلام، أما في عدن، فكان التنفيذ الوحيد من قبل المجلس الانتقالي هو تسليم موقع قلعة صيرة المطل على قصر معاشيق لألوية الحماية الرئاسية، وبعض الحواجز الأمنية في القصر الرئاسي.

وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إنه كان من المفترض أن يتم خلال الثلاثة الأشهر الماضية انسحاب قوات الانتقالي من عدن ودمج الأجهزة الأمنية تحت مظلة إدارة شرطة عدن، لكن ما تسمّى بقوات الدعم والإسناد ظلت هي المتحكمة بالموقف الأمني بشكل كامل داخل العاصمة الموقتة.

وكان من المفترض أن يتم إفراغ مناطق تمركز القوات في أبين وتوجيهها صوب جبهات القتال ضد الحوثيين في مأرب والضالع، ففي حين اضطرت الحكومة الشرعية بالفعل إلى سحب عدد من كتائب ألوية الحماية الرئاسية من شقرة وشبوة إلى مأرب، لم يقم المجلس الانتقالي بخطوة مماثلة بسحب القوات إلى مناطق التماس في الضالع وإعادة تفعيل الجبهات ضد الحوثيين بشكل رسمي.

ويسعى المجلس الانتقالي إلى جني مكاسب سياسية إضافية فقط، من دون الالتفات للشق العسكري والأمني، وذلك بالمطالبة بتعيين محافظي المحافظات الجنوبية وتقاسم الوظائف مع الشرعية في السلك الدبلوماسي والجهات السيادية مثل البنك المركزي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وتمثيله كطرف رئيسي في مشاورات السلام الشامل برعاية الأمم المتحدة.

ووفقاً لمراقبين، لا تزال هناك عقدة في تفسير اتفاق الرياض، وخصوصاً عقب الأزمة التي نشبت بعد تعيين أحمد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى، حيث يطالب المجلس الانتقالي بالتشاور معه في كلّ القرارات التي يصدرها الرئيس عبدربه منصور هادي، وهو ما تعتبره الشرعية تجريداً لصلاحيات الرئيس.

ونشبت الأزمة السياسية الجديدة في وقت بدأت السعودية بتوسيع رقعة المعركة ضد الحوثيين في جبهات يمنية مختلفة، بهدف تخفيف الضغط عن محافظة مأرب النفطية، والحدّ من الهجمات الحوثية على أراضيها.

وتمكنت القوات الحكومية، اليوم الأربعاء، من تحقيق مكاسب ميدانية جديدة في جبهتي الشقب والأحكوم جنوبي شرق تعز، إثر مواجهات عنيفة مع مليشيات الحوثي، أسفرت عن تحرير تلال الصالحين والمشهود وقرية حبور، وتلال الخزان والقواعدة والدبعي والخضر وجاشع القببه والمشجح.

المساهمون