الهوسا السودانية تستعرض زخمها في الشارع بعد العنف القبلي: ما الرسائل؟

20 يوليو 2022
من احتجاجات أبناء الهوسا في ولاية شمال الخرطوم (Getty)
+ الخط -

أبرزت قبيلة الهوسا في السودان، خلال الأيام الماضية، قدرتها على التأثير على المشهد السياسي والاجتماعي عبر احتجاجات قادتها في نحو 10 مدن سودانية، عطفاً على العنف القبلي الذي طاولها في إقليم النيل الأزرق، جنوب شرقي البلاد.

آخر تجليات تلك القدرة ظهرت اليوم، الأربعاء، بمدينة الفاشر، غربي السودان، بخروج المئات من المنتسبين إلى القبيلة في تظاهرة حاشدة استخدمت فيها مختلف أنواع المركبات للتضامن مع ضحايا العنف القبلي بإقليم النيل الأزرق، والاحتجاج على التقصير الحكومي في التعامل معه وحسمه في ساعاته الأولى، والمناداة بمحاكمة المتسببين في أحداث القتل والتنكيل بأبناء القبيلة.

وكانت اشتباكات النيل الأزرق قد أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 105 أشخاص، وإصابة أكثر من 200، ونزوح ما يصل إلى 15 ألف شخص داخل الإقليم وخارجه.

وسبق احتجاجات مدينة الفاشر حراك مماثل، خلال الأيام الماضية، في كل من كوستي وربك، جنوبي البلاد، والقضارف وكسلا وبورتسودان والشوك، شرقها، وود الحداد وود مدني، في الوسط. ووصلت الاحتجاجات، أمس الثلاثاء، للعاصمة الخرطوم، وفيها خرج أكبر مواكب للقبيلة ووصل إلى منطقة ساحة الحرية بالخرطوم للتعبير عن الغضب إزاء الأحداث الأخيرة.

كما أعلنت القبيلة، وفي أكثر من بيان، عن نيتها مواصلة التصعيد بكافة الوسائل والأدوات إلى حين رد الاعتبار لها ووقف اعتداءات النيل الأزرق.

والهوسا، التي هاجرت إلى السودان من مناطق غرب أفريقيا منذ مئات السنين، واحدة من أكثر القبائل إنتاجاً، إذ يعمل أفرادها بمهن أخرى غير الزراعة، مثل التجارة والصيد والحرف اليدوية والرعي، لم تنشغل وأفرادها كثيراً بالعمل السياسي سوى في الفترات الأخيرة بوجود قيادات منها في الأحزاب السياسية وفي البرلمانات الولائية والقومية.

وفي إقليم النيل الأزرق، موطن النزاع الأخير للقبيلة، ترتيب إداري قبلي وصل لحدود "الإمارة". وبحسابات كثيرين، فإن رغبة القبيلة في التوسع في الترتيب الإداري القبلي قوبل بالرفض من مجموعة الفونج التي تعتقد أنها تمثل السكان الأصليين في الإقليم، على اعتبار أن أصول الهوسا تعود إلى غرب أفريقيا، وهذا واحد من الأسباب التي فجرت النزاع الدموي الحالي.

وعلى العموم، يعد تصنيف السكان في السودان ما بين أصليين وأصحاب حق وآخرين وافدين، واحداً من التحديات التي ظلت تواجه الوجود القبلي ليس في النيل الأزرق وحده، بل في كثير من المناطق، وتلك نظرات قديمة استعصى معها على بعض القبائل في فترة من الفترات الحصول على الجنسية السودانية.

يقول شعيب يونس، الباحث في تاريخ الهوسا، لـ"العربي الجديد"، إنّ نهضة القبيلة وحراكها الاحتجاجي في الأيام الماضية "ليسا نتاج قوة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو رغبات اجتماعية لإظهار العضلات، ولا نتيجة تحريض من جهات أخرى، إنما نتاج طبيعي للشعور بالظلم والجرح نتيجة لما تعرضوا له من تطهير عرقي في إقليم النيل الأزرق، وهو أمر تجاوز ذلك إلى تهديد وجودي لهم في السودان، رغم أنه وجود ثابت وموثق تاريخياً وممتد عبر مئات السنين".

سيناريو النيل الأزرق هو واحد من فصول مسرحية معدة سلفاً لتغيير الخريطة السياسية، يقف خلفها العسكر لتمرير أجندتهم والوصول إلى مرحلة الحكم العسكري العلني بحجة الاضطرابات الأمنية والقبلية

واتهم يونس شخصيات سياسية على المستوى الولائي والمركزي بالتخطيط لما حدث وتنفيذه، معتبراً أنّ خطتهم احتوت على مطالبة بسحب الأرقام الوطنية من أفراد قبيلة الهوسا، ومصادرة مزارعهم وممتلكاتهم العامة بالنيل الأزرق، لافتاً إلى أنه شخصياً ومعه آخرون من أفراد القبيلة يمتلكون أدلة هي عبارة عن تسجيلات صوتية لتلك الشخصيات السياسية التي تحرض على تشريد الهوسا والتنكيل بهم وسيتقدمون بها لأي جهات تحقيق. 

وأضاف يونس أنّ "الاحتجاجات بدأت وستتواصل في كل مكان بسلمية وغرضها توصيل رسالة واضحة للدولة لتقوم بدورها كاملاً في إيقاف تلك المخططات حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه".

وأشار إلى أنّ "قبيلة الهوسا ظلت طوال تاريخها قبيلة مسالمة ولم تدخل في أي مشكلات مع قبائل أخرى، وانكبت على نشاطها الاقتصادي الذي يغذي الاقتصاد الوطني بموارد هائلة، سواء في الزراعة أو التجارة أو المهن الحرفية".

مجلس الأمن والدفاع وعبر اللجنة الفنية برئاسة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان عقدت جلستين لمناقشة أحداث العنف القبلي، أولاها الأحد الماضي، وفيها وجه بتعزيز القوات النظامية في إقليم النيل الأزرق، وتوجيه النائب العام بتشكيل لجنة تحقيق وتقديم المتورطين للمحاسبة، والثانية اليوم، الأربعاء، وفيها وجهت شركات الاتصالات بوقف التعامل فوراً مع بطاقات الاتصال غير المسجلة طبقاً للرقم الوطني وبطاقة الهوية بجميع الشبكات، على أن تتحمل هذه الشركات التبعات القانونية لأي مخالفة تتعلق بذلك.

وجاءت توجيهات اللجنة الفنية بعد مناقشتها للموقف الأمني بالتركيز على تداعيات ما جرى أخيراً من أحداث بإقليم النيل الأزرق، و"ما صاحبها من تأثير سلبي لبعض مما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من تحريض على الاصطفاف القبلي وترويج لخطاب الكراهية والتشجيع على العنف مما يؤثر على الأمن الوطني"، طبقاً لبيان صادر عن الناطق الرسمي باسم الجيش العميد نبيل عبد الله.

وذكر عبد الله، في بيانه، أنه "على الجهات العدلية والأمنية اتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية عاجلة ضد مثيري النعرات العنصرية ودعاة الفتنة، سواء كان ذلك باستخدام الوسائط أو وسائل التواصل الاجتماعي أو أي أسلوب آخر يؤثر على السلم الاجتماعي والطمأنينة العامة".

سودانيون فارون من العنف القبلي بالنيل الأزرق يروون حكايتهم

وبعيداً عن رؤية الهوسا للسيناريوهات التي حدثت وستحدث، فإنّ أوساطاً سياسية ترى أنّ سيناريو النيل الأزرق هو واحد من فصول مسرحية معدة سلفاً لتغيير الخريطة السياسية، يقف خلفها العسكر لتمرير أجندتهم والوصول إلى مرحلة الحكم العسكري العلني بحجة الاضطرابات الأمنية والقبلية.

يقول المحلل السياسي محمد عبد العزيز إنّ التحريض على العنف القبلي، أو حتى السماح له بالتمدد، يفهم منه هدف واحد "هو تخويف الناس وتركيعهم للقبول بالانقلاب والحكم العسكري والاستسلام التام ووقف الحراك الثوري، باعتقاد أنّ الخيار العكسي هو الفوضى الكاملة والحرب الأهلية طبقاً لما يصوره البعض".

ويضيف عبد العزيز، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "ذلك النهج قديم وجربه العسكر أثناء الثورة وبعد فض الاعتصام وفي شرق السودان، وهي كلها شرارات يمكن أن تفلت من أيدي صانعها فتحرق الجميع"، منبهاً إلى أنه "حال وجود خطأ في تلك الفرضيات تبرز نتيجة أخرى تكشف عجز الانقلاب عن التعامل مع حساسية النزاعات القبلية، بدليل أن ما وقع في النيل الأزرق حذر منه كثيرون قبل أسابيع ووصلت التحذيرات لجميع المسؤولين، لكن لا حياة لمن تنادي".

المساهمون