تتصاعد الأحداث في ولاية مانيبور الهندية، والتي بدأت بأعمال عنف عرقية في مايو/أيار الماضي، ولم تنته بمطالبة موجّهة لحكومة ناريندرا مودي بوضع نظام حكم جديد في الولاية. وتضع الأوضاع في المنطقة النائية الواقعة في شمال شرقي الهند، رئيس الحكومة الهندية والجيش، مجدداً، أمام تحديات تتعلّق بالعنف الإثني والعرقي والديني، الذي ازدهر في عهد حزب مودي، "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي، حيث تفشل القوات الفيدرالية في وقف العنف بالولاية بين الأغلبية من عرقية الميتي (هندوس) والأقلية من الكوكي (مسيحيين)، بل إنها تتهم من بعض أهالي القتلى والضحايا بالتواطؤ مع الميتي.
يأتي ذلك في ظل إجراءات السلطة والجيش أخيراً، لمنع نشر المعلومات حول الأحداث الجارية في الولاية والمساهمة بتغذية الانقسام فيها، وسط مواقف شبه معدومة لمودي الذي احتُفي به في شهر يوليو/تموز الماضي في باريس كضيف شرف، وقبلها حظي بزيارة دولة إلى واشنطن.
مودي صامت حيال عنف مانيبور
ولم يخرج مودي عن صمته حيال أعمال العنف في مانيبور إلا بعد انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في يوليو الماضي، يُظهر مجموعة من الأشخاص حول امرأتين عاريتين من أقلية الكوكي قبل إلقائهما في حقل. وفي تصريح حول الفيديو، عمد مودي، الذي دان الحادثة، إلى التطرّق لحوادث العنف الجنسي في ولايات تحكمها المعارضة، مُقللاً من خطر الجريمة، بحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية نشر في الأول من أغسطس/آب الحالي، ومن دون أي إشارة منه لأعمال العنف الأخرى.
تصاعدت التوترات منذ مايو الماضي حول الوظائف العامة وحقوق الأراضي والزراعة بين عرقيتَي الكوكي والميتي في مانيبور
مع العلم أنه خلال مؤتمر صحافي عقب اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن في يونيو/حزيران الماضي، ردّ رئيس الحكومة الهندية على سؤال حول وضع الأقليات الدينية في بلاده، بكلمات حول الديمقراطية الهندية. واعتُبرت هذه الكلمات من دون معنى في ظلّ الأوضاع في مانيبور التي تشهد إحراقاً للكنائس، وأعمال قتل ونزوح.
وأدى الفيديو المذكور إلى موجة استنكار تعدّت حدود الولاية المضطربة، وسط اتهامات وجّهتها عائلتا الناجيَتين بتواطؤ الشرطة المحلية الموجودة على بعد مسافة قليلة من موقع الحادثة.
ويعود تاريخ الحادثة إلى 4 مايو الماضي، بالتزامن مع اندلاع شرارة أعمال العنف حين منحت محكمة هندية مناصب حكومية محلية لعرقية الميتي. وعلى أثر القرار، تصاعدت التوترات حول حقوق الأراضي والزراعة بين عرقيتَي الكوكي والميتي، إلى جانب موضوع الحريات الدينية، وتحوّلت إلى اشتباكات دامية. وبحسب تقرير لوكالة "فرانس برس"، نشر في 27 يوليو الماضي، فقد لقي ما لا يقل عن 120 شخصاً حتفهم منذ مايو الماضي في مانيبور، وذلك في الاشتباكات بين الميتي وغالبية أفرادها من الهندوس، وأقلية الكوكي وغالبيتها من المسيحيين. وتحدثت "فورين بوليسي" عن مقتل 160 شخصاً، ونزوح أكثر من 60 ألف شخص.
ويشكل شعب الكوكي نحو 16 في المائة من سكان مانيبور البالغ عددهم 2,8 مليون نسمة، فيما تشكل أكثرية الميتي أكثر من نصف سكان الولاية، وفقاً لآخر تعداد سكاني أجري في الهند في عام 2011. ورفضت أكثرية الميتي مطالب الكوكي بالحصول على حكم إداري. وبحسب "فرانس برس"، فقد اتهم نشطاء حقوقيون القادة المحليين بالعمل على مفاقمة الانقسامات العرقية لتحقيق مكاسب سياسية.
وعلى الرغم من نفيهم ذلك، تعمقت الانقسامات منذ اندلاع الأزمة، ودخلت المنطقة في دورات مريرة من الهجمات الانتقامية التي شملت القتل وحرق المنازل والكنائس المسيحية والمعابد الهندوسية، كما شكّل الجانبان مليشيات تصّر على أنها لن تلقي السلاح في وقت قريب. وعندما بدأت الاشتباكات في مايو، تشكلت مجموعة من الغوغاء الذين نهبوا مراكز الشرطة، وحصلوا منها على آلاف قطع السلاح.
من جهتها، اعتمدت نيودلهي تجاه الأزمة استراتيجية أدت، بحسب مجلة "فورين بوليسي"، إلى زيادة الانقسام في الولاية حيث نشرت قوات عسكرية فيدرالية، مع استمرار وجود آلاف من قطع الأسلحة المسروقة من الشرطة بين يدي المجموعات المتصارعة، ما ينذر باستمرار أعمال العنف. وأرسلت نيودلهي 124 قوة فيدرالية تضم كلّ منها 80 إلى 100 جندي إلى مانيبور، وذلك إلى جانب شرطة الولاية وقوامها 29 ألف فرد.
وعكس الحظر على الإنترنت في مانيبور خلال الاشتباكات والذي رُفع جزئياً في وقت لاحق، قلق الحكومة من تفلت الرواية الرسمية من يديها. لكن التوترات سبق أن انتشرت في ولايات هندية أخرى إلى جانب انتقالها إلى ميانمار المجاورة، حيث ترتبط أقلية الكوكي مع أقلية شين هناك.
"بهاراتيا جاناتا" يغذي الانقسامات العرقية والدينية
هذه الأزمة تزيد من علامات الاستفهام التي تطرح حول إدارة مودي للبلاد وقدرته السياسية على التعامل مع التنوّع الديني والعرقي والإثني في الهند. فلم يؤد تعليق رئيس الحكومة على أحداث مانيبور إلى أي تغيير في السياسة الوطنية. مع العلم أن نواب المعارضة نفذوا خلال الأسابيع الماضية احتجاجات أمام مبنى البرلمان الذي عطّلوه مرات عدة، رفضاً للاشتباكات العرقية في مانيبور، مطالبين مودي ببيان بشأن العنف في الولاية قبل مناقشتها في مجلس النواب.
لم يشارك مودي بأي اجتماع علني حول مانيبور ولم يزر الولاية
وحتى اليوم لم يشارك مودي بأي اجتماع علني حول مانيبور ولم يزر الولاية ولم يلق بياناً حول عدد الضحايا والخسائر. كما قام وفد من 20 نائباً من 15 حزباً معارضاً السبت الماضي بزيارة ليوميَن إلى مانيبور في محاولة للضغط على رئيس الحكومة. وقامت هذه الأحزاب التي شكّلت تحالفاً جديداً باسم "إندا"، بتقييم الأحداث الدامية والنزوح في الولاية.
وفشلت خطوات حكومة مودي بإعادة النظام إلى الولاية، وأدى جلب قائد عسكري ورئيس شرطة من ولاية أخرى في مايو الماضي، بحسب المجلة، إلى تقسيم شرطة الولاية المحلية. فرئيس الشرطة الجديد يطلب منهم الخدمة في المناطق التي تشكل فيها مجموعتهم العرقية الأغلبية. وبدل السيطرة على الاشتباكات، وضعت حكومة نيودلهي توجيهات مرور تقسم الولاية فيدرالياً بين الوادي الذي تهمين عليه الميتي والتلال التي تسيطر عليها الكوكي. ويطالب مجتمع الأخيرة بإدارة جديدة للانفصال عن الميتي الرافضة لهذا التقسيم.
وتُسهم أيديولوجية حزب مودي الحاكم "بهاراتيا جاناتا"، التي تعتبر الهندوس السكان الشرعيين للهند، بتصاعد هذا العنف. فأعضاء مجتمع الميتي يرون أنفسهم السكان الأصليين للولاية ويعتبرون الكوكي وآخرين غرباء.
وباعتباره زعيم مجتمع الميتي وعضواً في حزب "بهاراتا جاناتا"، نفى رئيس وزراء مانيبور، بيرين سينغ، تعرّض السيدتين للاغتصاب فيما قطعت حكومته الإنترنت لأسابيع منعاً لنشر المعلومات. يُذكر أن المحكمة العليا في الهند تنظر في التماسات قدمتها الضحيتَان، ضمن التماسات أخرى، وقد دعت الاثنين الماضي إلى تطوير آلية للتعامل مع العنف ضد المرأة في مانيبور.
النزعة القومية التي ينتهجها الحزب الحاكم، والإدارة المحلية في مانيبور بقيادة سينغ، تذكران بما أنتجته هذه النزعة في ولايات أخرى يسيطر عليها الحزب. فقد أدت حوادث في ولايات أخرى لإعدام شبان مسلمين لأسباب واهية من دون محاكمة، وسنّ قوانين تخالف عقائد المجموعات العرقية والدينية الأخرى. وهو ما يحصل في مانيبور باستهداف مجمع الكوكي المسيحي. فعلى الرغم من التركيز على أن الصراع في مانيبور عرقي، إلا أنه يحمل في تفاصيله صراعاً دينياً، بحسب "فورين بوليسي".
على المستوى الدولي لم يتأثر رئيس الحكومة الهندي بعد، والذي توجّه في يونيو الماضي، أي في خضم الاشتباكات في مانيبور، إلى واشنطن بزيارة رسيمة. كما استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتصف يوليو الماضي، كضيف شرف في احتفالات العيد الوطني الفرنسي.
لكن في 13 يوليو الماضي، تبنى البرلمان الأوروبي قراراً يدعو السلطات الهندية إلى إجراء تحقيقات مستقلة في أعمال العنف الدامية، على وجه السرعة، وحماية الأقليات الدينية والعرقية في مانيبور. وأشار في بيانه إلى أن الأحداث خلّفت ما لا يقل عن 120 قتيلاً و50 ألف نازح إلى جانب تدمير 1700 منزل و250 كنيسة.
يضع استمرار تصاعد العنف في مانيبور، والذي لا يبدو أنه سيهدأ من تلقاء نفسه، الهند التي تسعى لتكون قوة عالمية، أمام اختبار صعب. فاستهداف الأقليات وغلق الإنترنت لا يُعتبران من العناصر الإيجابية في هذا الإطار. أما اقتصادياً فلم تعد الهند الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم حيث تسبقها السعودية، تليها فيتنام والفيليبين.
ويتجه مودي وحزبه الحاكم إلى الانتخابات العام المقبل، والتي يبدو أنه ستخيّم عليها ملفات أمنية وسياسية على رأسها أزمة مانيبور، والمشكلة الحدودية مع الصين، حيث تتكرّر الاشتباكات والمناوشات موقعة قتلى من الطرفين. ومن المرجّح أن يتعاطى الحزب الحاكم مع أزمة الولاية عبر الاستقطاب الديني قبل إجراء الانتخابات.
(العربي الجديد)