الهدنة الدبلوماسية بين إيران وأوروبا بدعم أميركي: إلى متى؟

06 مارس 2021
ما يحدث بين إيران والأطراف الأميركية والأوروبية يأتي في سياق الفعل والفعل المضاد(Gettty)
+ الخط -

هدنة دبلوماسية، توصلت إليها إيران والأطراف الأوروبية للاتفاق النووي، الخميس الماضي، في أروقة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدعم أميركي، وتعاون روسي وصيني. جاءت الهدنة بعدما تصاعدت في الأيام الماضية التوترات بين طهران من جهة، والأطراف الثلاثة، الولايات المتحدة وأوروبا والوكالة الدولية للطاقة الذرية، من جهة أخرى. ففي مقابل استمرار السجال بين طهران وواشنطن بشأن أزمة تنفيذ الاتفاق النووي والعودة إليه ومطالبة كل طرف الآخر بالتنازل أولاً، اتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقاریرها خلال الشهر الماضي، إيران بعدم التعاون وعدم الرد على أسئلتها في ما يتعلق بالعثور على آثار اليورانيوم في مواقع قديمة، كررها المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، الاثنين الماضي، خلال اجتماع مجلس المحافظين، قائلاً إن ذلك "يدعو إلى قلق عميق".

على خلفية ذلك، وعلى خلفية تصعيد طهران أخيراً خطواتها النووية لخفض التزاماتها المنصوص عليها بالاتفاق النووي في مواجهة استمرار العقوبات الأميركية، عرضت الدول الأوروبية الثلاثة، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشروع قرار على اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يلقي اللوم على إيران لخفض تعاونها مع الوكالة ومطالبتها بالرد على أسئلتها، وكان من المقرر التصويت على المشروع، يوم الخميس الماضي، قبل أن تسحبه هذه الدول بنحو مفاجئ، في خطوة لم تكن أحادية، بل على ما يبدو كانت ثمار مشاورات مكثفة متعددة الأطراف، توجت بانسحاب المشروع، وفي المقابل جرى التوصل إلى اتفاق جديد بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطهران، حيث قبلت الأخيرة حسب تصريحات المدير العام للوكالة رافائيل غروسي بمبادرته لتقديم توضيحات بشأن القضايا العالقة بين الطرفين وعقد اجتماع فني في إيران خلال إبريل/ نيسان المقبل بهذا الخصوص.

في الحقيقة، ما يحدث راهناً بين إيران والأطراف الأميركية والأوروبية، يأتي في سياق عملية الفعل والفعل المضاد المستمرة واللعب على وتر الأعصاب، ليسعى كل طرف إلى إشهار أوراقه في مواجهة الآخر لإجباره على التنازل والنزول من الشجرة، حيث من شأن استمرار هذا المسار أن يقود الوضع إلى نقطة تصعب العودة عنها. فإيران أمام استمرار العقوبات وسياسة الضغوط القصوى الأميركية، وإن تغيرت المفردات بعض الشيء واستبدلت لغة التهديد بالدبلوماسية في الإدارة الأميركية الجديدة، فإنها تمارس تصعيداً ملحوظاً في خطواتها، كان آخرها حتى اللحظة تعليق البروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة على برنامجها النووي وقبلت به "طوعاً" بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015، فضلاً عن بدء إنتاج معدن اليورانيوم ذي الاستخدام المزدوج عسكرياً ومدنياً، عسى أن تحصل من خلال هذه الإجراءات التصعيدية في وجه الإدارة الأميركية الجديدة على تنازلات في مسألة العقوبات القاسية التي تتعرض لها منذ عام 2018 بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

ما يحدث راهنا بين إيران والأطراف الأميركية والأوروبية، يأتي في سياق عملية الفعل والفعل المضاد المستمرة

 وعلى الضفة الأخرى أيضاً، لجأت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون الشركاء في الاتفاق في ظل عدم رغبتها في رفع العقوبات أو تخفيفها  إلى أدوات ضغط أخرى لصرف إيران عن مواصلة مسار خفض تعهداتها النووية ودفعها إلى التزامها.

وفي السياق، جاء مشروع القرار الأوروبي المدعوم أميركياً في مجلس المحافظين، الذي لو أقر بالفعل لكان تحضيراً لتدويل الملف النووي الإيراني مرة أخرى وإعادته إلى مجلس الأمن، فالمشروع ينص على أنه من دون التفتيشات الأممية "لن نتمكن من الاطمئنان إلى سلمية الأنشطة النووية الإيرانية"، وهذا إلى جانب حديث الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن العثور على مواد نووية غير معلنة في مواقع قديمة، يعكس السعي إلى إحياء ملف PMD حول الأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني، الذي أُغلِق بعد التوصل إلى الاتفاق النووي. ولذلك، لم يكن مشروع القرار الأوروبي مجرد نص لتوجيه لوم فحسب، بل كانت مفرداته مقصودة وهادفة. وعليه، أدركت إيران خطورة الأمر، فقررت سحب أداة ضغط من الأطراف الأوروبية عبر الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على آلية لحل الخلافات بينهما خلال الشهور القليلة المقبلة، قبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة خلال يونيو/ حزيران المقبل.

إلى ذلك، ثمة أمور أخرى أيضاً تجري وراء كواليس السياسة لحلحلة الأزمة الراهنة، بعيداً عن الإعلام، من مؤشراتها ما كشفت عنه "رويترز"، الجمعة، نقلاً عن مصدر دبلوماسي فرنسي حول إشارات مشجعة بعثتها طهران للبدء في محادثات غير رسمية لأطراف الاتفاق النووي بمشاركة الولايات المتحدة بعد أن رفضتها خلال الشهر الماضي، فضلاً عن حديث وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف في تغريدته الأخيرة عن اعتزامه إرسال "مبادرة بناءة ودقيقة قريباً" إلى أطراف الاتفاق النووي "عبر القنوات الدبلوماسية".

جملة هذه التطورات "الإيجابية" تشي بأن جميع أطراف الأزمة الراهنة، بما فيها طرفاها الرئيسان، الولايات المتحدة وإيران، باتت على دراية بالوضع المعقد للغاية واحتمال خروجه عن السيطرة إن استمرت الأطراف في ممارسة سياسة الأفعال المضادة، فتوصلت اضطراراً إلى تفاهم مؤقت لإدارة التوتر والحؤول دون المزيد من التدهور، على أمل أن تستأنف الدبلوماسية خلال الأسابيع المقبلة لتشق مساراً آخر قبل الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال يونيو/ حزيران، الذي يفترض أن يقدم مديرها العام تقريراً عن آخر الأوضاع والمستجدات في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني والإجابات الإيرانية لأسئلة الوكالة بشأن "أنشطة نووية غير معلنة"، سواء كانت مقنعة أو لا.

وعليه، يبقى التراجع الأوروبي في مجلس المحافظين "مؤقتاً" وليس نهائياً، بانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع خلال الشهور المقبلة قبل اجتماع المجلس. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم بقوة أنه هل ستفتح أبواب الدبلوماسية والمفاوضات مرة أخرى بين المجموعة الدولية بمشاركة واشنطن مع إيران قريباً؟ وإذا فتحت هذه الأبواب، فهل ستفضي إلى تقدم سياسي ملحوظ؟ أم أن هذه الشهور أيضاً ستمر من دون انفراجة تذكر، لتتابع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الثلاث، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مسار الوكالة الدولية للطاقة الذرية للضغط على إيران، والأخيرة أيضاً ستواصل نهجها في خفض المزيد من تعهداتها النووية؟

وفي هذه الحالة، ليس مستبعداً أن يعود الملف النووي الإيراني مرة أخرى إلى مجلس الأمن، وتفعّل الأطراف الأوروبية آلية "فضّ النزاع" بالاتفاق النووي لإعادة فرض العقوبات الأممية على طهران، بما فيها وضعها تحت الفصل السابع، لتصل التوترات إلى مستويات غير مسبوقة لم تصل إليها في عهد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب.

وبناءً على ما سبق، فالشهور القليلة المقبلة حساسة للغاية، سواء لجهة حلحلة الأزمة بين إيران والغرب، أو لجهة تعقيدها أكثر فأكثر.

المساهمون