منذ بدء الحركة الاحتجاجية الداعمة للمعارض الروسي أليكسي نافالني، استلهمت السلطات الروسية، كما الناشطين المعارضين للكرملين، من بيلاروسيا التي تعرض فيها تحرك احتجاجي تاريخي للقمع بقسوة.
يتساءل متظاهر شاب من أنصار نافالني لجأ إلى مركز تجاري وهو يشاهد قوات مكافحة الشغب تشرع بتوقيفات بالجملة "والآن، إلى أين؟"، ليردّ رفيق له: "لا أعرف، أنظر ماذا تقول القيادة".
و"القيادة" تعني هنا قناة أليكسي نافالني على تطبيق تلغرام التي تضم 160 ألف مشارك، ونشرت عليها كافة التعليمات والتوجيهات وأماكن اللقاء الأحد 31 يناير/كانون الثاني، حينما كانت مناورات الأخذ والردّ بين الشرطة والمتظاهرين على أشدّها.
يستلهم المعارضون الروس في هذه "القيادة" من بيلاروسيا. وللمعارضين في بيلاروسيا قناة باسم "نيكستا لايف" على تلغرام، يتابعها أكثر من 1,5 مليون شخص، وأسسها مدون لاجئ في بولندا، ينسق من خلالها منذ أغسطس/آب 2020 الحراك، الاحتجاجي المناهض للرئيس ألكسندر لوكاشينكو، أنشطته، والذي ضمّت أكبر تظاهراته مئة ألف شخص.
وأوضح ليونيد فولكوف المتعاون مع نافالني أواخر يناير/كانون الثاني، "بعد تظاهرة 23 يناير/كانون الثاني، كتب الجميع: "ينبغي إنشاء قناة مشابهة لنيكستا في روسيا".
هذا مثال واحد من بين عدة أمثلة على أوجه الشبه بين البلدين. وتابع المعارضون الروس الحركة الاحتجاجية ضد لوكاشنكو، غير المسبوقة منذ استقلال بيلاروسيا في 1991، عن كثب.
ويرى المعارضون في روسيا في الحركة البيلاروسية نموذجاً ومصدر إلهام، في حين قدّم فلاديمير بوتين دعماً لا جدال فيه لألكسندر لوكاشنكو، لدرجة اقتراحه التدخل عسكرياً باسم الاستقرار وخشية أن تصبح الثورة حقيقة في الجارة القريبة.
استفزازيون
دعا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الأربعاء، إلى "عدم المقارنة" بين روسيا وبيلاروسيا. وهو يرى وجه شبه واحد، "الاستفزازيون" في تجمعات المعارضين في مينسك كما في موسكو.
ويبدو أن الكرملين استخلص العبر أيضاً من تظاهرات بيلاروسيا، لا سيما بعد الرد المنضبط الأولي للشرطة.
وبعد الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا، كان قمع التظاهرات العفوية المناهضة للوكاشنكو عنيفاً جداً لدرجة توجيه اتهامات بالتعذيب لقوات الأمن.
استلهمت السلطات الروسية كما الناشطين المعارضين للكرملين، من بيلاروسيا التي تعرض فيها تحرك احتجاجي تاريخي للقمع بقسوة
الاستجابة تغيرت لاحقاً في روسيا. فقد تعرضت تظاهرة 31 يناير/كانون الثاني، وتظاهرتا مساء الثلاثاء في موسكو وسانت بطرسبورغ ضدّ الحكم على نافالني بالسجن، لقمع شديد.
ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع وصور تظهر قوات الأمن وهي تنهال بالضرب على المتظاهرين، وأحياناً على مجرّد أشخاص يعبرون المكان، وصولاً إلى ملاحقة ركاب لا علاقة لهم بالأمر في سيارات الأجرة. وعادت المقارنات مع بيلاروسيا لتظهر من جديد.
وعنون موقع "أم بي خي" المعارض "عودة بالذاكرة إلى بيلاروسيا"، مشيراً إلى أنه في موسكو كما في مينسك، أغلقت السلطات محطات المترو وقامت بمطاردات حتى أبواب المباني السكنية، فيما وضع آلاف الموقوفين في سجون مكتظة.
ويرى المحلل السياسي كونستانتين كالاتشيف أن "هياكل القوة" (جيش وشرطة ومخابرات) استنتجت أنه باتباع مثال بيلاروسيا "مع الحزم والتماسك المناسبين، يمكن سحق أية تظاهرة".
مضايقات قضائية
تفادت الشرطة الروسية في المقابل اللجوء إلى أسلحة مضادة للشغب، من قنابل صوتية وخراطيم مياه وغاز مسيل للدموع، التي استخدمت بدون قيود في بيلاروسيا، ما زاد من حشد المعارضين.
واستوحت السلطات الروسية من بيلاروسيا أيضاً استراتيجية المضايقات القضائية، إذ كما في بيلاروسيا، التي لم يبق فيها ممثل واحد للحراك الاحتجاجي إلا وسجن أو فرّ من البلاد، لم توفر السلطات أي متعاون مع نافالني تقريباً من الملاحقات القضائية.
واستهدف ذلك المتحدثة باسمه وشقيقه ومسؤولين تابعين له في موسكو ومناطق أخرى، لتنظيمهم التظاهرات في 23 و31 يناير/كانون الثاني في أكثر من مئة مدينة. وسجن العديد منهم أو وضعوا قيد الإقامة الجبرية.
ويقيم ليونيد فولكوف، أحد الناشطين في المعارضة الروسية، في ليتوانيا، كما سفتلانا تيخانوفسكايا زعيمة المعارضة البيلاروسية التي أرغمت على اللجوء إلى هناك في أغسطس/آب.
في مقابلة مع فرانس برس، دعت تيخانوفسكايا فلاديمير بوتين، الخميس، إلى "الإصغاء للشعب" وإلى "حلّ هذه المشكلة بطريقة حضارية، بدون عصا ولا مسدس صاعق".
(فرانس برس)