مع إصرار تركيا على إقامة "منطقة آمنة" بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، بهدف إبعاد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) عن حدودها، مقابل رفض الأخيرة ترك مواقعها، وفي ظل غياب أي تسوية حتى اليوم لهذه الأزمة، تبرز تحركات للنظام السوري، الذي يبدو أنه يسعى لأن يكون جزءاً من أي ترتيبات أمنية قد يتوصل إليها الأتراك والروس في الشمال السوري لمنع أي عملية عسكرية تركية.
وعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس السبت، لتأكيد أن بلاده "ستكمل حتماً الشريط الأمني الذي تقوم بإنشائه على حدودها الجنوبية" (مع سورية). وفي كلمة له أمس من ولاية شانلي أورفة، جنوبي البلاد، قال أردوغان: "حتماً سنكمل الشريط الأمني البالغ عمقه 30 كيلومتراً، والذي نقوم بإنشائه على طول حدودنا الجنوبية".
وأشار إلى أن "الهجمات التي يشنّها حزب العمال الكردستاني والجهات المتحكمة به ضد القوات التركية والمدنيين الأبرياء، لن تتمكن من ثني تركيا عن تحقيق هذا الهدف". وذكر أن "حزب العمال، الذي ترعاه جهات خارج الحدود، يستهدف تركيا في كل فرصة ويقتل مواطنيها من دون تمييز بين الأطفال والنساء".
أردوغان: تركيا ستكمل الشريط الأمني على حدودها مع سورية
وأكد أن "عدم معاقبة التنظيمات الإرهابية على عشرات آلاف الأرواح التي أزهقتها، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها منذ 40 عاماً، شجعها للظهور من جديد اليوم".
وشدّد أردوغان على أن "تركيا لم تعد دولة تخضع للآخرين كما في السابق، بل أصبحت تحدد رؤيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية بنفسها، وتحقق الخطوات الديمقراطية والتنموية بإرادتها، وتقول كلمتها في منطقتها والعالم".
تعزيزات للنظام في الشمال السوري
ميدانياً، دفعت قوات النظام السوري بتعزيزات إضافية إلى الشمال والشمال الشرقي من البلاد. وأكدت مصادر عاملة في وحدات الرصد والمتابعة التابعة لفصائل المعارضة السورية في شمال البلاد، لـ"العربي الجديد"، أن "الفرقة 25 مهام خاصة" المدعومة من الجانب الروسي أرسلت، أول من أمس الجمعة، تعزيزات عسكرية ضمت دبابات ومدافع ورشاشات متوسطة إلى ناحية الخفسة القريبة من نهر الفرات بريف حلب الشرقي.
وأوضحت المصادر أن أغلب الفرق العسكرية في قوات النظام أرسلت، خلال الأيام القليلة الماضية، تعزيزات إلى مناطق قريبة من خطوط التماس مع "الجيش الوطني السوري" المعارض.
وأبرز الفرق: الفرقة الأولى، والفرقة الثالثة، والفرقة الخامسة، والفرقة التاسعة، والفرقة 11، والفرقة 14، والفرقة 15، والفرقة 18، والفرقة 25 مهام خاصة، والحرس الجمهوري، وجميعها أرسلت قوات إلى محاور عين عيسى بريف الرقة الشمالي، ومنبج وعين العرب والمناطق المحاذية لها بريف حلب الشمالي الشرقي، وناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي في اقصى الشمال الشرقي من سورية.
وبيّنت المصادر أن "التعزيزات تضمنت دبابات من طرازات متنوعة، وراجمات صواريخ، ومدافع ميدانية، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة". والإثنين الماضي، أرسلت قوات النظام 20 آلية عسكرية، تضمنت دبابات وناقلات جند ومدافع، من مطار كويرس العسكري الواقع في ريف حلب الشرقي، ونشرتها في نقطتين عسكريتين في قرية القاسمة وقرية عوين غرب مدينة عين العرب، شمال شرقي حلب.
وتحتفظ "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي، بوجود عسكري في مطار منغ العسكري، بريف حلب الشمالي، والقريب من خطوط التماس الفاصلة بين مناطق سيطرة "الجيش الوطني" ومناطق "قسد" من جهة أخرى.
وتأتي التعزيزات الكبيرة التي أرسلها النظام إلى الشمال السوري في خضم استعداد تركي لشن عملية واسعة النطاق ضد "قسد" المتهمة. ويبدو أن النظام يريد أن يكون جزءاً من أي ترتيبات أمنية ربما يتوصل إليها الجانبان التركي والروسي في الشمال السوري.
وكانت "قسد" قد أبرمت اتفاقاً عسكرياً مع الجانب الروسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019 لإيقاف عملية "نبع السلام" التركية في شرق الفرات، سمح للروس بالتمركز في محافظة الحسكة ومناطق أخرى، وللنظام بنشر قوات على الحدود السورية التركية وفي نقاط التماس مع فصائل المعارضة التابعة للجانب التركي.
كما منح الاتفاق النظام جانباً من مطار الطبقة العسكري (غرب الرقة بنحو 50 كيلومتراً) لتجميع القوات ومن ثم يجرى نقلها إلى قاعدة في بلدة عين عيسى بريف الرقة الشمالي في منطقة شرق نهر الفرات. وقُتل وأصيب العشرات من عناصر قوات النظام أواخر الشهر الماضي، على خطوط التماس شرقي نهر الفرات، بقصف من الطيران التركي، الذي شن حملة واسعة النطاق استهدفت مئات الأهداف لقوات "قسد".
ويبدو أن الجانب الروسي يضغط على "قسد" للانسحاب بعمق 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، وقد تحل مكانها قوات تابعة للنظام، وهو ما ترفضه القوات، التي تطالب النظام بالمشاركة في حماية المنطقة، على ألا تتخلى "قسد" عن مكاسب حققتها خلال سنوات.
وكانت أنقرة قد طالبت "قسد" بتسليم مناطق تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ومنبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، للنظام السوري، لتفادي عمل عسكري يُخرج هذه القوات بالقوة من المناطق الثلاث.
ويحقق النظام السوري مكاسب على الأرض من وراء أي وعيد تركي لقوات "قسد"، إذ عزز، في عام 2019، وجوده العسكري في شرق الفرات، وفي منتصف العام الحالي، عزز وجوده في ريف حلب الشمالي عقب تهديد تركي بشن عملية بعد مقتل جنود أتراك.
تعزيزات منسقة مع الروس
وقال النقيب المنشق عن قوات النظام الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام" رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التعزيزات التي يدفع بها النظام إلى الشمال "هي بالتنسيق مع الروس"، مضيفاً: "النظام لا قرار له". وتابع: "الروس يريدون إظهار الجدية في منع العملية التركية المحتملة ضد قسد في الشمال".
حوراني: الروس يريدون إظهار الجدية في منع العملية التركية
وأشار إلى أن الوقائع الميدانية أثبتت أن الجيش التركي "لا يمانع في استهداف قوات النظام، وهو ما جرى أخيراً"، لافتاً إلى أن "جيش النظام عاجز تماماً عن ردع الجيش التركي". وبيّن أن "طبيعة التعزيزات التي دفع بها النظام تدل على أنها عاجزة عن القيام بأعمال قتالية"، مضيفاً: "جيش النظام انهار تماماً، ولا يستطيع فعل شيء في حال بدء العملية التركية في الشمال السوري".
وفي السياق، أوضح المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قوات النظام والمليشيات الإيرانية لا يمكنها الوقوف أمام أي تدخّل من الجيش التركي وفصائل المعارضة". وأشار إلى أن "لدى فصائل المعارضة خبرة قتالية لا يستهان بها"، مشدّداً على أن "الجانب الروسي لن يواجه أي قوات تركية يمكن أن تتوغل في الشمال السوري".