يسعى النظام السوري إلى توسيع ما يسميها "التسويات" لتشمل مناطق إضافية في مجمل محافظات البلاد، في ما يعتقد أنه جهد دعائي وأمني في الوقت نفسه، من أجل تسويق نجاحات مزعومة للنظام في إدارة الملفات العالقة بالمناطق التي استعاد السيطرة عليها، ومن أجل إعادة ترميم قاعدة بياناته عن المطلوبين لديه في تلك المناطق.
وفي هذا الإطار، ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أنه بدأت، يوم السبت، عملية تسوية في بلدة الكسوة ومحيطها بريف دمشق الجنوبي و"تشمل المطلوبين المدنيين والعسكريين الفارّين من الخدمة والمتخلّفين عنها، وذلك في إطار استكمال اتفاقات التسوية التي طرحتها الدولة في عدة محافظات".
وأشارت الوكالة إلى "إقبال لافت" شهدته بلدة الكسوة مع انطلاق عملية التسوية "التي تسهم بترسيخ الاستقرار الذي تشهده قرى بلدات الغوطة الغربية وبإفساح المجال لجميع الراغبين بتسوية أوضاعهم، بما يتيح لهم ممارسة دورهم في مجتمعهم وبين رفاقهم العسكريين للدفاع عن الوطن"، على حد قولها.
وبحسب الوكالة، فقد رفع المشاركون من وجهاء المنطقة والمواطنين والراغبين بالتسوية علم النظام، ورددوا هتافات داعمة لجيشه و"تدعوا الجميع إلى طيّ صفحة الماضي والبدء بحياة جديدة"، مشيرة إلى أنّ "العشرات من أبناء بلدة زاكية بدأوا بتسوية أوضاعهم".
وكانت الكسوة من بين بلدات ريف دمشق التي شهدت مظاهرات ومعارضة مسلّحة للنظام. ووفق مصادر محلية تحدّثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ النظام يطرح تسوية أوضاع المتخلفين والفارين من الخدمتين الإلزامية والاحتياطية في بلدتي الكسوة وزاكية والقرى المحيطة بهما بريف دمشق الجنوبي الغربي، حيث سيمنح المطلوبين مهلة 3 أشهر لتسليم أنفسهم إلى سلطات النظام.
وتعتقد الأجهزة الأمنية للنظام أنّ مئات المطلوبين للخدمة العسكرية أو الفارين منها ما زالوا يتوارون عن الأنظار في مناطق ريف دمشق. وأصدر رئيس النظام بشار الأسد، قبل أيام، مرسوم عفو بشأن المطلوبين للخدمة العسكرية.
وفي الإطار نفسه، ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام أنّ عملية التسوية تواصلت في مركز "قصر الحوريات" وسط مدينة درعا جنوبي البلاد، لليوم الثالث على التوالي.
وقال محافظ درعا لؤي خريطة، للوكالة، إنه تقرر تمديد التسوية في مركز "قصر الحوريات"، ليوم الأحد، "نظراً للإقبال الشديد عليها"، وفق تعبيره.
أهداف دعائية
وكان النظام السوري قد مدّد، الخميس، فترة إجراء التسوية لمدة يومين إضافيين نظراً لما سماه "الإقبال الكبير" من جانب السكان على التسوية، فيما ذكر الناشط محمد المسالمة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الإقبال كان محدوداً، وشمل أساساً أشخاصاً ليسوا مطلوبين ولا تنطبق عليهم شروط التسوية".
واعتبر المسالمة أنّ للنظام "أهدافاً دعائية في الدرجة الأولى من إعادة فتح باب التسوية"، معتبراً أنّ هذه التسويات "لا قيمة لها على أرض الواقع، حيث تنعدم الثقة بالنظام ووعوده وتسوياته من قبل معظم السكان".
ورأى أنّ تسليط الضوء على التسويات "هدفه إبراز أنّ النظام السوري يحقق إنجازات في محافظة درعا، بغية التغطية على تقصيره تجاه المحافظة من ناحية تأمين الخدمات الأساسية، فضلاً عن تواصل الفوضى الأمنية في المحافظة".
كما أعلنت "سانا" تواصل عمليات التسوية لليوم السابع عشر على التوالي في محافظة الرقة شرقي البلاد، والتي تشمل "تسوية أوضاع المدنيين المطلوبين والعسكريين الفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية" في مركز التسوية ببلدة السبخة بريف الرقة الشرقي.
وأضافت الوكالة أنّ التسويات تتواصل برغم العراقيل التي تضعها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) أمام الراغبين بالانضمام إليها، وفق الوكالة.
وكانت محافظة الرّقة قد شهدت، في الأيام الأخيرة، تظاهرات واعتصامات رافضة للتسوية مع النظام، ومطالبة بخروج قواته من المحافظة.
ورأى الصحافي محمود أباظة، بحديثه لـ"العربي الجديد"، أنه إضافة إلى الأهداف الدعائية للنظام من وراء مواصلة عمليات التسوية وتعميمها على مجمل المحافظات السورية، يهدف إلى "إعادة ترميم قاعدة البيانات لدى أجهزة النظام، من خلال الإفادات الجديدة التي يتم تلقيها من المنخرطين بهذه التسويات".
وأضاف أباظة أنّ "أجهزة النظام المشرفة على التسويات لا تستقي معلومات عن الشخص نفسه فقط الذي يوافق على التسوية، بل يتم سؤاله عن أشخاص آخرين، وتجري في النهاية مقاطعة المعلومات، من أجل إعادة ترميم قاعدة البيانات عن الناشطين والمطلوبين".