تواصل قوات النظام السوري ومليشيات إيرانية محاولاتها اقتحام أحياء درعا البلد في مدينة درعا جنوبي سورية، بعد حصارها سبعين يوماً، ما يؤكد أن النظام لم يكن جاداً منذ البداية في التوصل إلى حل سياسي، وأنه كان يشتري الوقت لاستكمال حشده حول هذه الأحياء التي يعيش فيها 11 ألف مدني باتوا اليوم عرضة للإبادة. ومنذ ما قبل إعلان انهيار المفاوضات، مساء الأحد، بين اللجنة المفاوضة عن أهالي درعا البلد والنظام، لفك الحصار عن هذه الأحياء، كان النظام يراوغ لدفع الأهالي للاستسلام، لكن رفض هؤلاء شروطه، التي كانت تتعاظم يوماً بعد آخر، دفعه سريعاً للمضي بمخططه الأساسي وهو محاولة السيطرة على جل محافظة درعا من باب درعا البلد.
وفي السياق، قال الناطق باسم "تجمع أحرار حوران" المعارض أبو محمود الحوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الفرقة الرابعة كانت أمس تواصل قصفها على أحياء مدينة درعا المحاصرة بمختلف أنواع الأسلحة وبشكل عنيف، بالتزامن مع استمرار الاشتباكات الناجمة عن محاولات التقدم من قبل المليشيات على محاور عدة". وأشار إلى أن قوات النظام "تمهد نارياً بشكل هو الأعنف منذ بدء الحملة العسكرية على الأحياء المحاصرة في مدينة درعا"، موضحاً أنّ "20 صاروخ أرض-أرض من نوع فيل سقطت خلال أقل من ساعة على هذه الأحياء" أمس.
قتل مدني وجرح آخرون جراء قصف النظام على درعا البلد
من جهتها، قالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن مدنياً على الأقل قتل وجرح آخرون، أمس الاثنين، جراء تواصل القصف من قوات النظام على منازل المدنيين والمساجد في درعا البلد، تزامناً مع محاولات التقدم من محاور عدة، بينما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مقتل أحد المقاتلين المحليين خلال الاشتباكات. وذكرت المصادر المحلية أن "النظام صعّد وتيرة القصف في المحورين الجنوبي والجنوبي الغربي من أحياء درعا البلد وحي طريق السد، مستخدماً كافة قواته في عملية التقدم البري"، مضيفةً أن النظام "لم يسجل تقدماً ملحوظاً نتيجة المقاومة الشديدة التي يواجهها من مسلحي المعارضة في المنطقة". وذكرت المصادر أيضاً أن اشتباكات وقعت فجر أمس على محاور في مدينة الصنمين شمالي درعا، إثر هجوم من مجهولين على حواجز في المدينة، ما تسبب بخسائر بشرية في صفوف قوات النظام. وقابل النظام الهجوم بقصف على الحي الغربي من مدينة الصنمين متسبباً بأضرار مادية في ممتلكات المدنيين. كما قصفت قوات النظام بالمدفعية والصواريخ، ظهر أمس، منازل المدنيين في بلدة تل شهاب وقرية المزيرعة غرب درعا متسببة بأضرار مادية في ممتلكات المدنيين. وطاول القصف كذلك معظم المحيط الغربي لمدينة درعا، وبخاصة مدينة طفس، حيث تسبب بحركة نزوح من المنطقة. وفي السياق، تحدث "المرصد السوري" عن نزوح مستمر لمئات العائلات من مناطق بريف درعا الغربي نحو مناطق حوض اليرموك على الحدود السورية الأردنية، وذلك بعد توسع رقعة القصف.
وكانت اللجنة المركزية الممثلة لأهالي الأحياء المحاصرة في درعا البلد أعلنت، مساء أول من أمس الأحد، انهيار المفاوضات مع النظام السوري بسبب التصعيد العسكري والقصف الذي يطاول مناطق عدة في المحافظة. وقال المتحدث باسم اللجنة عدنان المسالمة، في بيان، إن "لجنة درعا تعلن انهيار المفاوضات، وذلك بسبب تعنت النظام وعدم تجاوبه مع الطروحات الروسية واستمراره في محاولة فرض شروطه القاسية، وعدم احترامه لوقف إطلاق النار، وتقدم مليشيات الفرقة الرابعة ومحاولتها اقتحام مدينة درعا من أكثر من محور".
وجاء هجوم قوات النظام والمليشيات إعلاناً واضحاً لفشل جولات التفاوض المتعددة التي جرت بين وفد الأهالي والنظام برعاية روسية، إذ قدم النظام يوم الجمعة الماضي شروطاً جديدة هي بمثابة "استسلام" من قبل سكان أحياء درعا البلد. وتضمنت الشروط الجديدة "الاعتراف بعلم النظام علماً معترفاً به لكل سورية وهو خط أحمر"، و"الاعتراف بجيش النظام بأنه المسؤول عن أمن سورية"، و"الاعتراف ببشار الأسد رئيساً شرعياً منتخباً لسورية". كما تضمنت تفتيش أحياء درعا البلد بإشراف الشرطة العسكرية الروسية بحثاً عن الأسلحة الخفيفة.
وبدأت قوات النظام هجومها على أحياء درعا البلد مساء السبت الماضي، بعد استقدام تعزيزات كبيرة انتشرت في عموم المحافظة. ومنذ بدء المفاوضات بينه وبين وفد اللجنة المركزية في درعا، يردد النظام مزاعمه حول وجود عناصر من تنظيم "داعش" في أحياء درعا البلد، وهو ما نفته مراراً اللجنة. وزعمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الاثنين، أن "إرادة قادة داعش في درعا البلد كانت أقوى من إرادة اللجنة المركزية ووجهائها". ونقلت عن مصادر في النظام مزاعم عن "وجود إرهابيين غير سوريين في درعا البلد"، وذلك على الرغم من أن وفد النظام لم يتطرق طيلة جولات التفاوض إلى وجود مسلحين من جنسيات غير سورية فيها. وهو ما يشير إلى أن النظام لم يجد أمامه إلا الادعاء بوجود عناصر من هذا التنظيم لتبرير هجومه.
تفصل قوات النظام الأحياء عن بعضها لتسهيل السيطرة عليها
في السياق، ذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن "قوات النظام تعتمد أسلوباً قتالياً لطالما استخدمته في معاركها مع فصائل المعارضة السورية، وخصوصاً في حلب وريف دمشق، وهو فصل الأحياء عن بعضها لتسهل السيطرة عليها تباعاً". وأشارت إلى أن هذه القوات "تضع ثقلها للسيطرة على حي البحار في القطاع الجنوبي من درعا البلد"، موضحةً أنها تستخدم صواريخ ذات قدرة تدميرية عالية.
من جانبه، قال الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قوات النظام تشن هجومها من محاور عدة، بينما يتصدى لها الثوار ويكبدونها خسائر". وحول مقومات الصمود لدى المقاتلين المدافعين عن درعا البلد، أوضح المسالمة أن هؤلاء "ليس لديهم سوى البنادق، في مقابل آلة حرب ضخمة لدى مليشيات النظام". وأشار إلى أن "الثوار أعدوا خططاً دفاعية فعالة للتصدي لأي محاولة تقدم بأقل التكاليف، لأنهم يعرفون أن أي طلقة يتم استنزافها لا يوجد لها بديل". وأوضح أن روسيا "لم تتدخل عسكرياً إلى جانب النظام حتى صباح (أمس) الاثنين، ولكنها ساعدته بالمعلومات وممارسة الضغوط على وفد الأهالي وتمييع مسار المفاوضات، حتى يتسنى للنظام حشد قواته في محيط درعا البلد". وكانت مصادر عسكرية في المعارضة قالت لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق أمس، إن "اللواء 16 مشاة"، المدعوم من روسيا، أرسل خلال الأيام الماضية تعزيزات عسكرية ضخمة إلى أطراف أحياء درعا البلد للمشاركة في المعارك.
وحول موقف "اللواء الثامن" المنضوي ضمن الفيلق الخامس التابع للروس، والذي يضم مئات المقاتلين من أهل درعا يتمركزون في بلدة بصرى الشام، أشار المسالمة إلى أن "تحركات هذا اللواء مرهونة بالروس"، معرباً عن اعتقاده بأنه "من لم يتحرك منذ شهرين وأكثر، لن يتحرك الآن، وربما يتحرك بعد فوات الأوان". وقال "تجمع أحرار حوران"، أمس، إن "الأنظار تتجه الآن إلى قائد اللواء الثامن أحمد العودة للتدخل في ملف درعا البلد، وقطع الطريق على مليشيات إيران والفرقة الرابعة". وكان العودة أحد أبرز قادة فصائل المعارضة السورية في جنوب البلاد قبل توقيعه اتفاق تسوية مع النظام في منتصف عام 2018، ليتحول بعدها إلى رجل روسيا في جنوب سورية.
من جانبه، أوضح العميد إبراهيم جباوي، عضو هيئة المفاوضات التابعة للمعارضة السورية (وهو من أبناء محافظة درعا)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أهالي أحياء درعا البلد "يرفضون التوقيع على اتفاق إذعان"، مضيفاً أن "هذه معركة وجود وكرامة بالنسبة للمدافعين عن أحياء درعا البلد".