النظام السوري يفرج عن دفعة جديدة من المعتقلين: بعضهم فاقد للذاكرة وأمهات ينتظرن أبناءهن في الطرق منذ أيام
يواصل النظام السوري الإفراج عن دفعات جديدة من المعتقلين وسط فوضى تبدو من قبل أجهزته الأمنية التي بدأت خلال اليومين الماضين التعاون مع السلطات التنفيذية في محافظة دمشق لمحاولة احتواء تلك الفوضى وتصدير صورة أفضل.
يأتي ذلك في وقت يتابع فيه أهالي هؤلاء المعتقلين الإعلانات المتناثرة على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن عمليات الإفراج والتصريحات المبهمة من جانب بعض مسؤولي النظام ممن ليس لهم صلة وثيقة بعمليات الاعتقال أو الإفراج، كما يتفحصون بعناية كل قائمة جديدة تنشر أو صور منشورة لمعتقلين، فيما يلازم بعضهم الأماكن المتوقع وصول المفرج عنهم إليها رغم تحذير سلطات النظام المتجمهرين عند "جسر الرئيس" وسط العاصمة دمشق، بضرورة إنهاء التجمعات والعودة إلى بيوتهم.
امرأة ستينية من بلدة النشابية في ريف دمشق تفترش الرصيف تحت "جسر الرئيس" على أمل عودة ابنها المعتقل منذ نحو تسع سنوات ضمن إحدى الدفعات المفرج عنها، قالت لـ"العربي الجديد": "لدي أمل بمشاهدة ابني بين الدفعات المفرج عنها، فهو لم يقم بأي عمل مخالف للقانون. لقد اعتقل على حاجز في دمشق فقط لأنه من الغوطة... ربما بسبب تشابه أسماء".
وتابعت قائلة: "منذ ثلاثة أيام أنتظر هنا، وكلما سمعت بخروج دفعة من مكان ما أذهب إليه. البارحة ذهبنا إلى ساحة المرجة حيث مبنى محافظة ريف دمشق، ولكن للأسف لم يكن ابني ضمن القوائم، لكن ما زال لدي أمل بخروجه ضمن القوائم اللاحقة".
ووفق تقارير حقوقية متقاطعة، فإن هناك ما يزيد عن 150 ألف معتقل في سجون النظام السوري، اعتقلوا جميعا بعد انطلاق الثورة السورية في ربيع 2011، إضافة إلى نحو مئة ألف آخرين مختفين قسريا لا يعرف مصيرهم حتى الآن، فيما يرجح أن الآلاف منهم قد توفوا في سجون النظام تحت التعذيب، أو جرت تصفيتهم على الحواجز الأمنية والعسكرية، أو من جانب المليشيات الطائفية، على نحو يشبه ما جرى في مجزرة التضامن الأخيرة.
محاولة النظام تحسين الصورة
وبعد حالة الفوضى والمشاهد الصادمة لآلاف الأهالي الذين كانوا يجوبون شوارع العاصمة بانتظار وصول أبنائهم المعتقلين، حاول النظام "تلطيف" الصورة من خلال إرسال المفرج عنهم إلى مبنى المحافظة في دمشق ودرعا مع التقاط صور "مناسبة" لهم هناك، لتحل مكان الصور البائسة التي التقطها ناشطون والأهالي وهم في حالة يرثى لها، إذ كان الكثير منهم يعاني من فقدان للذاكرة مع تقطع السبل بهم بعد أن جرى رميهم في بلدة صيدنايا التي تضم السجن سيئ الصيت، والذي يضم آلاف المعتقلين.
وفي إطار هذه المساعي من جانب النظام، وصل 99 معتقلا مشمولًا بقرار العفو إلى مبنى محافظة ريف دمشق في منطقة المرجة في دمشق، للإفراج عنهم من هناك، بحسب تصريح محافظ ريف دمشق معتز أبو النصر جمران لموقع "الوطن أون لاين" الموالي للنظام، فيما نشرت المحافظة تسجيلات مصورة للمفرج عنهم، وسط حضور لممثلين عن مدن ريف دمشق.
من جهته، قال محافظ مدينة درعا التابع للنظام لؤي خريطة، في تصريح أمس الخميس، إن المحافظة ستنشر أسماء الموقوفين المفرج عنهم من أبناء محافظة درعا، وأنه سيتم "تأمين المفرج عنهم ممن لم يحضر أحد من ذويهم وإيصالهم لأهاليهم".
ونشرت مواقع موالية للنظام، قوائم بأسماء المعتقلين المفرج عنهم، مشيرة إلى أن عدد المفرج عنهم في الدفعة الثانية من محافظة درعا بلغ 27 موقوفًا جرى تسليمهم إلى أهاليهم بحضور المحافظ خريطة وقائد شرطة المحافظة العميد زياد المحمد.
أما العدد الكلي للدفعة السابقة التي أفرج عنها النظام ظهر اليوم في درعا فبلغ 47 شخصًا، من دون معرفة السجن الذي كانوا موقوفين فيه.
كما أفرج أمس عن خمسة معتقلين فلسطينيين في سجون النظام، بينهم لاجئ فقد ذاكرته بسبب التعذيب الذي يمارس على المعتقلين في السجون، بينما لا يزال هناك أكثر من 1800 معتقل فلسطيني في سجون النظام، وفق "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية".
المفرج عنهم اعتقلوا حديثاً
ووفق "تجمع أحرار حوران"، فإن جميع المفرج عنهم يوم أمس في محافظة درعا هم ممن جرى اعتقالهم بعد تسوية يوليو/ تموز 2018، من بينهم 17 مجنداً في قوات النظام، ومن بين المجموع الكلي المفرج عنهم 13 على الأقل اعتقلوا لأسباب جنائية تنوعت بين سرقات ومخدرات وغير ذلك.
وذكر المحامي عاصم الزعبي مدير مكتب توثيق الانتهاكات في التجمع لـ"العربي الجديد"، بحسب معلومات من أقارب المعتقلين، فإن ذوي المفرج عنهم دفعوا مبالغ مالية طائلة لمحامين وضباط في النظام السوري لقاء الإفراج عنهم.
وأضاف أن النظام السوري لم يفرج أو يكشف مصير المعتقلين والمختفين قسريّاً القدامى، إذ اكتفى بالإفراج عن الأشخاص المعتقلين حديثاً، حيث لم تتجاوز مدة اعتقال 32 ممن أفرج عنهم أمس 6 أشهر، مشيرا إلى أن بينهم 17 مجنداً في قوات النظام، وأن 13 آخرين على الأقل من المجموع الكلي اعتقلوا لأسباب جنائية تنوعت بين سرقات ومخدرات وغير ذلك.
مفرج عنهم فاقدون للذاكرة
وما يلاحظ أن العديد من المفرج عنهم كانوا في حالة صدمة وعدم تركيز من خلال علامات الشرود وعدم إبداء أي انفعالات مع جحوظ العينين، ما يشير إلى أنهم كانوا فاقدي الذاكرة، نتيجة الخوف والضغط الهائل الجسدي والنفسي الذي تعرضوا له خلال فترات اعتقالهم.
وأفاد شقيق أحد المفرج عنهم من محافظة درعا (س. الرفاعي) خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن الكثير من المفرج عنهم وبينهم شقيقه يعانون من فقدان الذاكرة، والذي قد يكون مؤقتا أو يمتد لسنوات بحسب ما يقول مختصون.
ويُرجع فقدان الذاكرة إلى الصدمات التي يتعرض لها المعتقلون نتيجة مشاهدتهم المستمرة لمشاهد التعذيب والضرب والسحل، حيث "يقوم عقلهم الباطن بالانفصال عن الواقع في محاولة دفاعية للتكيف مع هذا الواقع او تجاهله لأنه أقوى من قدرة الشخص على التحمل".
اجتماع جديد لمجموعة أستانة حول سورية نهاية الشهر الجاري
في شأن آخر، أعلنت روسيا أن اجتماع محادثات أستانة الخاصة بسورية سيعقد في نهاية الشهر الحالي. ونقلت وكالة "تاس" عن الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، قوله: "جرى الاتفاق بشكل أولي على عقد الاجتماع المقبل حول سورية بصيغة أستانة أواخر الشهر الجاري أيار/مايو في كازاخستان".
وأضاف بوغدانوف: "لقد حدد موعد الاجتماع بشكل مبدئي (...) لقد ناقشنا ذلك مع إيران وتركيا، ووفدي الحكومة والمعارضة السوريين".
واختُتمت في العاصمة الكازاخية نور سلطان، في 22 من يناير/ كانون الأول 2021، الجولة الـ17 من مباحثات أستانة حول سورية التي ترعاها كل من روسيا وتركيا وإيران، من دون تحقيق أي تقديم بشأن الحل السياسي في سورية.