النظام السوري يعرقل إطلاق "جود": المعارضة ممنوعة في الداخل

28 مارس 2021
دعت الهيئة لمقاطعة انتخابات الرئاسة (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

لم يسمح النظام السوري لمجموعة من الأحزاب والتيارات السياسية المعارضة، في مقدمتها "هيئة التنسيق الوطنية" (التي ظهرت في المشهد السوري المعارض عام 2011)، بتنظيم مؤتمر في العاصمة دمشق كان مقرراً عقده أمس السبت، وغايته الإعلان عن "جبهة وطنية ديمقراطية"، تدعو إلى إنهاء الاستبداد الذي جفّف الحياة السياسية في سورية منذ نحو 60 عاماً، وحصَرها بحزب "البعث" الحاكم، ومجموعة أحزاب تدور في فلكه.

وذكر مصدر من داخل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، الذي كان مفترضاً عقده في مقرّ الهيئة في حيّ ركن الدين الدمشقي، أن السلطات السورية منعت (أمس) السبت عقد المؤتمر التأسيسي لـ"الجبهة الوطنية الديمقراطية" (جود)، بذريعة "عدم وجود ترخيص"، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية "هدّدت باعتقال المؤتمرين"، ومؤكداً أن "اللجنة التحضيرية للمؤتمر تدرس الخطط البديلة لمتابعة هذا المشروع". من جهته، أوضح القيادي في "هيئة التنسيق الوطنية"، أحمد العسراوي، لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة التحضيرية هي المخوّلة تحديد الخطوة المقبلة بعد منع عقد المؤتمر"، مضيفاً "أننا سنعلن الموقف البديل خلال الأيام المقبلة".

دعت مسودة الرؤية السياسية للمؤتمر إلى إنهاء نظام الاستبداد، وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات

وكان متوقعاً أن يُجهض النظام هذه الخطوة، خصوصاً أن "هيئة التنسيق" كانت قد دعت على لسان رئيسها حسن عبد العظيم منذ أيام، إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام إجراؤها منتصف العام الحالي لإبقاء بشار الأسد في السلطة لدورة رئاسية جديدة مدّتها 7 سنوات. كما أن مسودة الرؤية السياسية للمؤتمر الذي أُجهض، تدعو إلى "إنهاء نظام الاستبداد القائم، وتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بموجب بيان جنيف والقرارات الدولية"، وهو ما يرفضه النظام جملةً وتفصيلاً. وتؤكد الخطوة التي أقدم عليها النظام أنه ليس في وارد السماح بعمل سياسي معارض في الداخل السوري لا يتماهى تماماً مع رؤيته للحلّ في البلاد، والتي تقوم على بقاء الأسد في السلطة.

عقود من "الإلغاء"
وألغى النظام السوري الحياة السياسية في البلاد منذ استيلاء مجموعة من الضبّاط على السلطة في انقلاب عسكري نفّذ في مارس/آذار 1963 تحت غطاء حزب "البعث العربي الاشتراكي"، الذي تحوّل إلى "قائد للدولة والمجتمع" بموجب مادة شهيرة في دستور فرضه حافظ الأسد في عقد السبعينيات من القرن الماضي، حملت الرقم 8. وأنشأ الأسد الأب خلال العقد ذاته ما سمّي بـ"الجبهة الوطنية التقدمية" التي ضمّت مجموعة من الأحزاب الناصرية، منها: حزب الوحدويين الاشتراكيين، الاتحاد الاشتراكي العربي، الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي، إضافة إلى الحزب الشيوعي، وكلّها كان يتحكم بها حزب "البعث".

واتّبع النظام طيلة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، سياسة القمع تجاه كلّ الأحزاب والتيارات المعارضة له، وزجّ في السجون عدداً كبيراً من الشخصيات اليسارية التي كانت منضوية في "رابطة العمل الشيوعي". كما تعامل بشدّة مع أعضاء في حزب "البعث" الحاكم اتهمهم بالتعامل مع الجناح العراقي في الحزب، أو ما كان يسمّيه نظام الأسد بـ"تيار اليمين" في "البعث". وفي العام 1980، أصدر حافظ الأسد القانون الشهير الذي حمل الرقم 49 الذي حظر حركة "الإخوان المسلمين"، وعاقب كلّ من يثبت انتماؤه إليها بالإعدام.

وعقب وفاة الأسد الأب واستلام ابنه بشار الأسد السلطة في العام 2000، شهدت العاصمة السورية ما سمي في حينه بـ"ربيع دمشق"، مع ظهور المنتديات السياسية ولجان المجتمع المدني التي دعت إلى إجراء إصلاحات جوهرية في النظام والإفراج عن السجناء السياسيين، وإنهاء الوضع الخاص لـ"البعث" بوصفه "الحزب القائد في المجتمع والدولة"، ورفع حال الطوارئ والأحكام العرفية. ولكن سرعان ما اعتقل النظام أغلب الشخصيات البارزة في "ربيع دمشق" الذي انتهى من دون تحقيق أيّ من أهدافه. وفي العام 2005، لم يتقبّل النظام وثيقة ترسم خطوطاً عريضة لعملية التغيير الديمقراطي، عُرفت لاحقاً بـ"إعلان دمشق"، واعتقل عدداً كبيراً من الموقّعين عليها.

ولم يكن النظام السوري مهتماً بإجراء أي إصلاح سياسي حتى دهمته الثورات العربية التي اندلعت في منتصف مارس/آذار 2011 في العاصمة دمشق، والتي أربكته ودفعته إلى التعامل معها بوحشية. وفتحت الثورة الباب أمام ظهور تيّارات وهيئات سياسية معارضة في الداخل، بعضها كان تحت إشراف مباشر من الأجهزة الأمنية، لإضفاء انطباع أن النظام ماضٍ في طريق الإصلاح السياسي لوأد الثورة، منها ما سمّي بـ"تيار بناء الدولة"، الذي سرعان ما اختفى من المشهد السوري المعارض. كما دفع النظام بشخصيات عدّة مرتبطة به إلى تشكيل أحزاب (معارضة) وفق قانون أحزاب وضعه في العام 2011 في سياق إصلاحات شكلية أجراها على عجل.

جدل "الوزن السياسي"
وفي يونيو/حزيران 2011، ظهرت في المشهد السوري المعارض في الداخل السوري، "هيئة التنسيق الوطنية"، والتي ضمّت عدداً من أحزاب اليسار السوري وحزب العمل الشيوعي وحزب الاتحاد الاشتراكي، وأربعة أحزاب كردية. وضمّ المكتب التنفيذي للهيئة شخصيات عدّة، لها باع طويل في العمل السياسي المعارض وقضت سنوات في المعتقلات. وقدمت الهيئة نفسها كجهة تمثيلية للحراك الثوري الذي كان تصاعد وعمّ المحافظات السورية كافة، داعية في حينه النظام إلى وقف الخيار الأمني العسكري والإفراج عن جميع الموقوفين والمعتقلين السياسيين، ورفع حال الطوارئ والأحكام العرفية، والاعتراف بحقّ التظاهر السلمي. لكن النظام لم يكترث لهذه الدعوات، بل اعتقل قياديين في الهيئة لم يُعرف مصيرهم حتى اللحظة، منهم عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر.

منح الجانب الروسي غطاء للهيئة، وهو ما يمنع النظام من اعتقال عدد من القياديين فيها

ويُنظر إلى "هيئة التنسيق الوطنية" من قبل شريحة واسعة من الشارع المعارض باعتبارها من "المعارضة الناعمة"، كونها رفضت منذ البداية "عسكرة الثورة"، وظلّت على موقفها الذي يدعو إلى حلّ سياسي للصراع. ومنح الجانب الروسي غطاء للهيئة، وهو ما يمنع النظام من اعتقال عدد من القياديين فيها، والذين لا يزالون يغادرون الأراضي السورية لحضور فعاليات سياسية معارضة في الخارج، ثم يعودون إليها.

وفقدت الهيئة خلال سنوات الثورة الكثير من زخمها السياسي، بسبب انسحاب شخصيات وتيّارات مؤسسة لها لاختلاف في الرؤى حيال الأوضاع في البلاد. ولكن الهيئة دُعيت في العام 2015 للانضمام إلى "هيئة التفاوض" التابعة للمعارضة السورية باعتبارها تمثّل معارضة الداخل. وحول وضعها الحالي، اعتبر أحمد العسراوي أن الهيئة لا تزال محافظة على وزنها السياسي في المشهد السوري المعارض بعد مرور نحو 10 سنوات على تأسيسها، مضيفاً في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، بقواها وشخصياتها الوطنية الديمقراطية، هي في مقدمة القوى التي كانت تقاوم تفرّد واستبداد النظام قبل انطلاق الثورة السورية".

وتعليقاً على ذلك، رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس هناك أوزان تفاوضية لكلّ المجموعات في سورية، لأنه ليس هناك انتخابات برلمانية تستطيع أن تُظهر هذا الوزن التفاوضي". وأشار زيادة إلى أن المعارضة "تعاني من فوضى التمثيل منذ البداية، وهو ما جعل بابها مفتوحاً على مصراعيه"، موضحاً أن "الكلّ يدعي وزناً وتمثيلاً، لكن من الصعب اختيار حجم هذا التمثيل بسبب غياب الانتخابات البرلمانية التمثيلية الحقيقية". وبرأي زيادة، فإن "هيئة التنسيق لا تملك حضوراً في المشهد السوري المعارض والثوري، ويمكن قياس ذلك من خلال التعليقات السلبية (حولها) في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها"، معتبراً أن هذه الهيئة "تقوم بالتنسيق مع النظام في كلّ الخطوات التي تقوم بها، كما أن السماح لأفرادها بالدخول والخروج من سورية يدعو للريبة دوماً".

 

المساهمون