لم تتوقف قوات النظام السوري عن استهداف المدنيين في ريف إدلب خلال أيام عيد الأضحى، التي بدأت أول من أمس الثلاثاء، حيث شهدت بلدات هذا الريف الملتهب العديد من الخروقات لاتفاق وقف إطلاق النار، في الوقت الذي يقترب فيه الحصار من قبل هذه القوات والأجهزة الأمنية التابعة للنظام على حي درعا البلد، جنوب سورية، من إتمام شهر كامل، بعدما بدأ في 25 يونيو/حزيران الماضي.
وبحسب مصادر محلية، فقد استهدفت قوات النظام، أمس الأربعاء، بقصف مدفعي وصاروخي، منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، ملحقة أضراراً في ممتلكات المدنيين، مع استمرار طائرات الاستطلاع في التحليق بشكل مكثف فوق المنطقة. وشهد مساء أول من أمس مقتل مدني، وإصابة نحو 20 آخرين، بينهم خمسة أطفال، إثر استهداف سيارتهم من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها، بصاروخ موجه بين بلدتي بداما والزعينية قرب مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي.
تستهدف قوات النظام منطقة جبل الزاوية المشرفة على الطريق الدولي "أم 4"
ويتركز القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات النظام، على منطقة جبل الزاوية، التي لا يزال معظمها تحت سيطرة فصائل المعارضة السورية، ما يشير إلى احتمال قيام هذه القوات بعمل عسكري ضد المنطقة، المشرفة على الطريق الدولي "أم 4"، والذي تعد السيطرة عليه من أولويات النظام خلال الفترة المقبلة.
من جهته، استبعد القيادي في فصائل المعارضة، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، حصول عمل عسكري برّي من قبل قوات النظام على ريف إدلب الجنوبي. وأشار البكور، إلى أن تقدم قوات النظام خلال السنوات الماضية "جاء في سياق تفاهمات أستانة لتوزيع مناطق السيطرة"، مضيفاً أن "ما تسرّب من معلومات عن الجولة الأخيرة من محادثات هذا المسار، يؤكد وجود خلاف روسي - تركي حول المنطقة جنوب الطريق أم 4، علماً بأن الاجتماع انتهى بتثبيت الوضع الراهن حتى الجولة المقبلة من هذا المسار".
وتشير المعطيات إلى أن الشمال الغربي من سورية، لن ينعم باستقرار نسبي من دون اتفاق تركي - روسي حول ملفات عدة، أبرزها الطريق الدولي واستعادة الحركة التجارية عليه، وفتح المعابر الداخلية بين مناطق المعارضة والنظام، الذي يأمل بإنعاش اقتصاده في حال عودة التبادل التجاري بين مناطقه والشمال السوري عموماً.
في غضون ذلك، لا تزال البادية السورية مترامية الأطراف مسرحاً لعمليات عسكرية من قبل فلول تنظيم "داعش" ضد قوات النظام ومليشيات محلية وإيرانية تساندها، وهو ما يستدعي قصفاً جوياً روسياً يبدو أنه غير قادر على الحدّ من نشاط التنظيم الذي يتحرك على طول البادية المعادلة لنصف مساحة سورية وعرضها. ونفّذ الطيران الروسي، أول من أمس، أكثر من 50 غارة جوية على مناطق انتشار التنظيم في البادية، بحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن ست مقاتلات روسية تناوبت على قصف كهوف ومغاور واقعة ضمن ريف حماة الشرقي وبادية معدان في الرقة، وبادية حمص الشرقية، بالإضافة إلى محيط جبل البشري عند الحدود الإدارية بين الرقة ودير الزور. وجاء القصف عقب مقتل أربعة من عناصر قوات النظام برصاص خلايا "داعش" المنتشرة في بادية تدمر بريف حمص الشرقي، خلال قيام مجموعات عسكرية من قوات النظام بعمليات تمشيط في البادية، حيث وقعت هذه المجموعات بكمين لعناصر التنظيم، وفق "المرصد". وجرى تشييع جثامين القتلى أول من أمس، من المستشفى العسكري في مدينة حمص.
وفشلت كل حملات التمشيط التي تقوم بها قوات النظام والمليشيات المساندة لها في القضاء على فلول "داعش" في البادية السورية بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث تكثر المغاور والهضاب التي تُمكّن عناصر التنظيم من التحصّن داخلها. ويشن "داعش" بين وقت وآخر هجمات سريعة على هذه القوات، وفي أماكن متفرقة، حيث تصل مجموعات تنتقل على دراجات نارية وفق مصادر محلية، إلى ريف الرقة شمالاً وريف حماة غرباً وريف دير الزور شرقاً. وكثرت في الآونة الأخيرة عمليات التنظيم، خصوصاً في ريف الرقة الجنوبي الغربي، ليس بعيدا عن الحدود التي تفصل بين قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). كما ينشط التنظيم في محيط مدينة تدمر، وسط البادية السورية، وفي بادية دير الزور، حيث تنتشر مليشيات إيرانية. وكان التنظيم نقل نشاطه إلى البادية السورية بعد خسارته لمعاقله في شرقي سورية مطلع عام 2019، حيث كبّد قوات النظام والمليشيات خسائر توصف بـ"الفادحة"، واستطاع أكثر من مرة قطع طرق رئيسية تعبر البادية السورية، أبرزها طريق دمشق - دير الزور، وطريق حمص – الرقة، الذي تعبر عليه قوافل الشاحنات التي تنقل المحروقات والحبوب من الشمال الشرقي لسورية إلى مناطق سيطرة النظام.
11 ألف عائلة تعاني من وطأة حصار شديد من قبل قوات النظام في درعا البلد
في موازاة ذلك، يبلغ الحصار الذي فرضته قوات النظام على درعا البلد في محافظة درعا، جنوبي سورية، اليوم الخميس، يومه الـ28، في محاولة من النظام وداعميه الروس لإجبار سكّان الحي على تسليم السلاح والرضوخ لسلطة هذا النظام، الذي لم يستطع السيطرة على كامل المحافظة. وأوضح أبو محمود الحوراني، وهو متحدث باسم "تجمع أحرار حوران" الذي ينشط في متابعة أخبار محافظة درعا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا تطور جديداً على الوضع"، مضيفاً أنه "لا يزال في حي درعا البلد كما هو، بعد نحو شهر من الحصار". من جهته، أشار الناشط الإعلامي أبو الطيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "11 ألف عائلة تعاني من وطأة حصار شديد من قبل قوات النظام منذ نحو شهر"، موضحاً أن هذه القوات "أغلقت المعابر التي تصل أحياء درعا البلد ببقية المناطق داخل المحافظة". ويطالب النظام والجانب الروسي بتسليم أهالي درعا البلد سلاحهم الفردي ومطلوبين للأجهزة الأمنية التابعة للنظام، إلا أن اللجنة المركزية وممثلي عشائر درعا البلد، رفضوا هذه المطالب، وهو ما دفع رئيس الفرع الأمني العسكري (أحد أهم الأجهزة ضمن المنظومة الأمنية للنظام) في درعا، العميد لؤي العلي، إلى التهديد بهدم الجامع العمري في درعا البلد، والذي يعد أعرق المساجد في سورية.