حشدت قوات النظام السوري المزيد من التعزيزات العسكرية على أطراف مدينة جاسم في ريف محافظة درعا الشمالي جنوبي سورية، وسط مخاوف الأهالي من اقتحام المدينة، التي كانت من أولى المناطق التي ثارت ضد النظام في عام 2011.
ولم تقدم قوات النظام أية مطالب محددة حتى الآن، لكنها زعمت، في الآونة الأخيرة، وجود عناصر من تنظيم "داعش" داخل المدينة.
وقال المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام أرسلت تعزيزات، أمس الأول الخميس، إلى محيط جاسم، ضمت سيارات عسكرية، محملة بعشرات العناصر استقدمتها من تل الجابية غربي مدينة نوى، ووزعتها على عدد من النقاط على أطراف المدينة.
منع مزارعي جاسم من الوصول إلى أراضيهم
وكانت قوات النظام قد تمركزت، يوم الأربعاء الماضي، في منطقة الصيرة شمالي جاسم، وفي بعض المزارع غربي المدينة، وأجرت عمليات تفتيش، استخدمت خلالها طائرات مسيرة، بالقرب من النقاط العسكرية التي أقامتها هناك. وعمدت إلى حرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، كما منعت المزارعين الموجودين في الأراضي الزراعية من مغادرتها.
لم تقدم قوات النظام حتى الآن أية مطالب لوجهاء مدينة جاسم
وأضاف أبو محمود أن قوات النظام انتشرت أيضاً على طريق جاسم – سملين، ما دفع بعض المزارعين في محيط مدينة جاسم على مفرق قرية سملين إلى إخلاء مزارعهم، خشية احتجازهم داخلها. وأوضح أن النظام دفع بعدد من ضباطه إلى حاجز "السهم مائة" على طريق حي العالية، حيث تتمركز قوات تابعة لفرع الأمن العسكري مع عناصر للنظام من تل المحص التابع إلى "اللواء 61".
ضغط النظام السوري على وجهاء جاسم
وقال مصدر محلي، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام لم تقدم أية مطالب لوجهاء المدينة حتى الآن، ويبدو أنها تنتظر لحين استكمال التعزيزات، وبدء ظهور تبعات منع المزارعين من الوصول إلى حقولهم، ما يولّد ضغطاً على وجهاء المدينة.
وكان رئيس فرع "الأمن العسكري" في درعا العميد لؤي العلي قد طالب، في وقت سابق، سكان جاسم بمحاربة ما زعم أنها خلايا تتبع لتنظيم "داعش" موجودة في المدينة، حتى لا يضطر النظام لشن حملة عسكرية فيها.
وفي مارس/ آذار الماضي، وقعت اشتباكات بين مقاتلين محليين في جاسم وقوات تتبع إلى فرع "أمن الدولة"، حاولت التقدم في الحي الغربي للمدينة. وتمكن المسلحون حينها من قتل 6 عناصر من قوات النظام، وتدمير عدة آليات لهم، قبل أن يتدخل عناصر "اللواء الثامن"، المدعوم سابقاً من روسيا، للتهدئة، وسحب تعزيزات النظام العسكرية.
إحكام السيطرة على مدن درعا
وتسعى قوات النظام لإحكام سيطرتها على العديد من مدن محافظة درعا، مستغلّة الانشغال الروسي في الحرب على أوكرانيا، إذ كان الروس قدموا ضمانات بعدم اقتحام تلك المدن، بعد "التسويات" الواسعة التي جرت اعتباراً من نهاية العام الماضي.
وداهمت دورية أمنية مشتركة قبل نحو أسبوع منزل العقيد المنشق فواز الطياسنة في مدينة نوى في ريف محافظة درعا الغربي، بهدف اعتقال ابنه الذي لم يكن في المنزل. وتخلل ذلك تبادل إطلاق نار، ما أدى إلى إصابة الطياسنة بجروح، وسقوط قتلى وجرحى من قوات النظام.
كذلك حاصرت قوات النظام الشهر الماضي مدينة طفس غربي درعا، وأغلقت الطريق الواصل بينها وبين مدينة درعا، وهددت باقتحام طفس بحجة البحث عن مطلوبين لديها، ما تسبب بخسارة كبيرة للمزارعين، قدرت بمئات ملايين الليرات السورية، بسبب منعهم من الوصول إلى أراضيهم في موسم الحصاد.
وانسحبت تلك القوات في 18 الشهر الماضي من محيط طفس، تنفيذاً لبنود الاتفاق الذي توصلت إليه لجنة التفاوض في المدينة مع لجنة النظام الأمنية، والذي قضى بإنهاء الحملة العسكرية عليها مقابل دخول قوات النظام وتفتيش عدد محدود من المنازل للتأكد من عدم وجود أشخاص من خارج المدينة فيها.
وأعقب ذلك إقدام قوات النظام على تصفية أبرز قادة المقاومة في المدينة بقيادة خلدون الزعبي، وذلك خلال كمين نصبته لهم بعد عودتهم من جلسة تفاوض مع رئيس فرع الأمن العسكري في درعا العميد لؤي العلي.
جاسم وتكرار سيناريو طفس
ورأى الناشط أبو محمد الحوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سيناريو طفس ربما يتكرر في جاسم، حيث استقدمت قوات نظام الأسد تعزيزات عسكرية إلى منطقة المزيرعة شمال مدينة جاسم تقدر بنحو 150 عنصراً.
وأضاف الحوراني أن الهدف الحقيقي للنظام ليس ملاحقة عناصر مزعومين لتنظيم "داعش" بل إخضاع المدينة لسلطته، وابتزاز أهلها لاعتقاده أنهم ميسورو الحال، إذ يعمل جزء من أبنائهم في الخليج العربي.
أبو محمد الحوراني: الهدف الحقيقي للنظام ليس ملاحقة عناصر مزعومين لتنظيم "داعش"، بل إخضاع جاسم لسلطته
وأشار إلى أن سياسة ضباط النظام في درعا باتت تقوم على عدة ركائز، منها تحقيق ثروات عبر ابتزاز الأهالي، وتجارة المخدرات، إضافة إلى بث الفتن بين أبناء الجنوب السوري، بهدف عدم توحدهم ضد النظام.
جاسم... مدينة تاريخية
وتعد جاسم من أقدم مدن حوران، ويرجع سبب تسميتها وفق كتب التاريخ إلى جاسم ابن آرام ابن سام ابن نوح، وهي تضم آثاراً من العصور اليونانية والرومانية والإسلامية.
وأشهر من سكنها الغساسنة، إذ كانت في بعض المراحل من أهم الحواضر في جنوب سورية، ومنها تل الجابية الذي يقع في أراضيها. ومن أشهر القبائل التي سكنتها قبيلة طيء، التي ينتسب إليها الشاعر المعروف أبو تمام، الذي ولد في جاسم.
وقبل عام 2011، زاد عدد سكان المدينة عن 50 ألفاً، بعضهم مغترب في دول الخليج، ما انعكس على طبيعة المباني والمحلات التجارية الحديثة، وإن كان النشاط الأساسي للسكان يتركز على الزراعة والتجارة. وكانت جاسم من أولى المدن التي ثارت ضد النظام في 2011 بعد درعا البلد، وسقط من أبنائها أكثر من 500 قتيل، فضلاً عن آلاف الجرحى والمعتقلين.