الموقف الأوروبي تجاه فلسطين على ضوء الانتخابات الفرنسية والبريطانية الأخيرة

28 يوليو 2024
من مشاركة جان لوك ميلونشون في التظاهرات المتضامنة مع فلسطين (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تأثير الانتخابات على القضية الفلسطينية:** أظهرت الانتخابات البرلمانية في بريطانيا وفرنسا اهتمامًا متزايدًا بالقضية الفلسطينية، مع توجه أوروبي لدعم حقوق الفلسطينيين ضمن حدود 1967، واستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية بشروط.

- **مواقف متباينة تجاه غزة وتصدير السلاح:** بريطانيا وفرنسا تختلفان في مواقفهما بشأن حرب غزة وتصدير السلاح لإسرائيل؛ بريطانيا تدعو لوقف إطلاق النار، بينما فرنسا قد تتبنى سياسة أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة.

- **تأثير الانتخابات على السياسات المستقبلية:** نتائج الانتخابات قد تؤدي لتغييرات تدريجية في مواقف الغرب تجاه القضية الفلسطينية، مع احتمال دعم أكبر للحقوق الفلسطينية وإعادة إعمار غزة، بشرط توحيد الصف الفلسطيني.

يحاول المراقبون رسم ملامح عامّةٍ قادمةٍ متفائلةٍ بعض الشيء في ما يتعلق بالسياسات البريطانية والفرنسية المستقبلية خلال الخمس سنواتٍ القادمة، وكذلك الآنية في ما يتعلق بحرب الإبادة والعدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزّة، ومستقبل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، على ضوء التصريحات التي صدرت عن الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية في كلٍّ من بريطانيا وفرنسا قبل الانتخابات وإثنائها وبعدها. بريطانيا وفرنسا الدولتان اللتان تتحملان المسؤولية التاريخية الأولى عن تقسيم المشرق العربي، وزرع  الكيان الصهيوني في قلبه(سايكس بيكو)، ‏وقد شاهدنا أنّ الحرب على قطاع غزة بشقيها الإنساني والعسكري من ضحايا ودمار وبطولاتٍ فلسطينيةٍ ساهمت في إيقاظ بعضٍ من الضمير العالمي، على الصعيد الفردي تجاوز كلّ التوقعات، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات، إذ يرى المراقبون أنّ غزّة كان لها حضور لافت في دوائر الانتخابات، وبين المتنافسين، أحزابًا ومستقلين، بل فرضت فلسطين نفسها قضيةً أساسيةً من طرف أنصار فلسطين، إن كانوا من أصولٍ مهاجرةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ، أم من المواطنين الأصليين بريطانيين وفرنسيين.

لكن ما هي حدود هذه التوقعات المتفائلة إن حدثت؟ في أغلب الظن لن تتجاوز حدود الاعتراف بدولة فلسطين، كما فعلت سابقًا السويد، وأيرلندا، والنرويج وإسبانيا، وسلوفينيا، وهو على أهمّيته اعترافٌ بدولةٌ على الورق بلا سيادةٍ، ويرقى هذا الفعل الرمزي إلى مستوى تثبيت الحدود والحقوق الفلسطينية بحدها الأدنى على أو ضمن حدود عام 1967، من دون أن يعني تغييرًا في وضع الاحتلال على الأرض، أو استجابةً من قبل العدو للتغيير القانوني الثنائي، أو المتعددة في وضع دولة فلسطين المعلنة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وموقف فرنسا وبريطانيا المُعلن، وكذلك باقي أعضاء المجموعة الأوروبية، بنيتهم الاعتراف بفلسطين دولةٍ عندما يحين الوقت المناسب. وعليه فإنّ هذه القضية هي قضيةٌ متفقٌ عليها أوروبيًا، لكن الاختلاف حول وقت التنفيذ، إذ صرح وزير الخارجية البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، في شهر يناير/كانون الثاني 2024 أنّ "تدرس لندن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأكد ضرورة إظهار تقدمٍ لا رجعة فيه نحو حلّ الدولتين، للشعب الفلسطيني". وأوضح كاميرون في مقابلةٍ مع هيئة الإذاعة البريطانية "أنّ بريطانيا تنظر مع حلفائها في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك في الأمم المتحدة". كما قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون "هذا ليس من التابوهات لفرنسا، وأنا على أتمّ الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لكني (...) أعتقد بأنّ هذا الاعتراف يجب أنّ يأتي في وقته". في اليوم الموالي، استبعد ماكرون هذا الاحتمال على المدى القصير، بعد أن ربط؛ خلال مقابلةٍ هاتفيةٍ مع الرئيس محمود عباس، هذا الاعتراف بشرط تنفيذ "إصلاحاتٍ أساسيةٍ" من طرف السلطة الفلسطينية، التي لا تسيطر إلّا على الضفّة الغربية المحتلة.

سنشهد عودةً لسياسةٍ فرنسيةٍ شبه مستقلةٍ عن الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، تكون أقرب إلى حقبة جاك شيراك

الموضوع الأخر والمُلح هو وقف حرب الإبادة على قطاع غزّة، ووقف تصدير السلاح إلى دولة الاحتلال، هنا نرى اختلافًا بيّنًا بين موقفي كلّ من كير ستارمر، وريشي سوناك وحكومتيهما، إذ دعا وزير الخارجية البريطاني الجديد، ديفيد لامي، إلى "وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار" في غزّة، في أوّل موقفٍ له بعد تعيينه. وقال لامي الذي تولى حقيبة الخارجية في حكومة العمال، إنّه "سيعمل على دعم وقفٍ فوريٍ لإطلاق النار في غزّة والإفراج عن الرهائن"، مضيفًا "سأبذل كلّ ما في وسعي لمساعدة الرئيس الأميركي جو بايدن على التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار".

أما في ما يتعلق بتصدير السلاح فقد كانت هذه القضية حاضرةً لدى الحكومة السابقة، نتيجة الاحتجاجات المناهضة للحرب، والعرائض الموقعة من أوساطٍ حقوقيةٍ وقانونيةٍ بريطانيةٍ، واستشارةٍ قانونية لحكومة سوناك، التي طالبت بوقف المشاركة في الإبادة الجماعية من خلال تصدير السلاح إلى إسرائيل، إذ أشار سوناك خلال اتصالٍ هاتفيٍ مع بنيامين نتنياهو، أنه في ضوء تسريب الاستشارة القانونية آنفًا، إلى أنّ الحكومة قد تكون مضطرةً إلى تصنيف إسرائيل منتهكةً للقانون الدولي، وهو ما يمهّد الطريق لاتخاذ قرارٍ بوقف صادرات السلاح. لذلك يرى الكاتب أنّ إمكانية اتّخاذ الحكومة العمالية قرارًا في هذا الصدد واردٌ باعتباره نوعًا من الضغط على حكومة الاحتلال لوقف الحرب. ولا يعتقدُ أن الموقف البريطاني سيتطور أكثر من ذلك، بل سيبقى رهين الرؤى الاستعمارية التقليدية، وملحقًا بالسياسة الأميركية، كما فعلت بريطانيا سابقًا.

أما في ما يتعلق بحصول أحزاب اليسار الفرنسية على أعلى نسبة من الأصوات، من خلال تصويت الجاليات العربية والمهاجرين عامّةً لصالحها، بنسبة 70%‏، بسبب تصدر خصمهم اللدود، اليمين المتطرف، في الجولة الأولى من الانتخابات، وكذلك بسبب دعم اليسار المتطرف لقضية فلسطين، ونضال شعبها، وتغير المزاج العام لهذه الجاليات المهاجرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإمكانية تشكيل حكومة أقلية ما زالت غير واضحةٍ، من دون تحالفٍ يساريٍ مع كتلٍ برلمانيةٍ أخرى، أبرزها حزب الرئيس ماكرون، إذ رغم المواقف الواضحة والصلبة لزعيم اليسار "جون لوك ميلونشون؛ الذي تصدر الانتخابات، قد لا تتحقق جميع شعاراته المساندة لفلسطين، في ظلّ أيّ تحالفٍ قادمٍ مع يمين الوسط، بل سيتحقق بعضها بكل تأكيد، وأوّلها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وسنشهد عودةً لسياسةٍ فرنسيةٍ شبه مستقلةٍ عن الولايات المتّحدة في الشرق الأوسط، تكون أقرب إلى حقبة جاك شيراك.

في المحصلة، مثّلت نتائج الانتخابات البريطانية والفرنسية حدثين مهمّين، إلّا أنّ توقعاتٍ كبرى، مثل معاقبة إسرائيل أو مقاطعتها اقتصاديًا وتجاريًا وغيرها من الإجراءات، قد تحدث في مرحلةٍ ما، لكن يجب أن يسبق ذلك تحرك فلسطيني وعربي دافع لهذه الإجراءات، إذ لن يكون الأخرون ملكيين أكثر من الملك، سيكون لزاماً على الفلسطينيين توحيد الصفوف لإنجاز أهدافهم الوطنية وفق الحد الأدنى، وتحويل نتيجة صمودهم وبسالتهم وتضحياتهم وآلامهم إلى سياسةٍ ذات نتائج تخلخل جبهة أعدائهم، من خلال تخلي حلفاء إسرائيل عنها، ولو تدريجيًا، ودعم آليات إنجاز الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، وإعادة الإعمار في قطاع غزّة، وغوث النازحين ومساعدتهم في تجاوز ما حصل من كوارث وجرائم إبادةٍ وتطهيرٍ عرقيٍ.

يرى الكاتب أنّ إمكانية اتّخاذ الحكومة العمالية قرارًا في هذا الصدد واردٌ باعتباره نوعًا من الضغط على حكومة الاحتلال لوقف الحرب

لم تعد فرنسا وبريطانيا دولتين لهما الوزن ذاته الذي كان عندما قسمتا مشرق العرب وزرعتا الكيان الصهيوني الغاصب فيه، لكن إذا ما غيرتا مواقفيهما فإنّ مواقف الغرب عامةً ستصبح أكثر إنسانيةً وعدالةً تجاه الحقوق الفلسطينية، وستكبحان جماح التطرف اليهومسيحي في العالم الانجلوسكسوني الصهيوني، الداعم لجرائم التطهير العرقي، والإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني.

ما يعني، إننا نقترب خطواتٍ نحو التغيير الكبير المأمول والمنتظر منذ عقودٍ، لكن في الوقت الحاضر، ووفقًا للنتائج والتوقعات الآنية، سنكون على موعدٍ مع فرنسا مختلفةٍ إذا تسلّم اليسار الحكم، لكننا لن نرى الكثير من التغيير المأمول من بريطانيا العمالية، بل سنشهد خطواتٍ لن تغني ولن تسمن، لكنها متباينةٌ عن سياسة حزب المحافظين.  لن تخرج بريطانيا من جلدها هذا مؤكد، لكنها قد تمنحه لونًا جديدًا مختلفًا عما سبق، وهذا ليس مؤكدًا بعد. أما فرنسا إن تغيرت قد تغير سياسة دولٍ كاثوليكيةٍ غربيةٍ عديدةٍ، خاصّةً مع وجود حلفاء لها في إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا وغيرها. إلى أن يتم ذلك سنبقى ننتظر وعيوننا على قطاع غزّة، فهو العنوان الذي غير مسار القضية الفلسطينية وأعادها إلى صدارة الاهتمام الدولي شعوبًا وأنظمةً وأحزابًا.

المساهمون