حصلت "العربي الجديد" على تقرير فني مصري عُرض على مجلس الوزراء والمخابرات العامة، خلال الساعات الماضية، أوضح أن جميع المؤشرات المناخية مؤاتية لبدء عملية الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، بعد فترة تتراوح بين عشرة أيام وأسبوعين فقط، ما يعني وقف عملية تصريف المياه من بحيرة السد لمجرى النيل الأزرق، والبدء في التخزين، استعداداً لتنفيذ التعلية المطلوبة في جسم السد من جهة، وحجز كمية قد تصل إلى 13 مليار متر مكعب من المياه.
وجاء في التقرير الفني أن التوقعات المناخية المستجدة عن فيضان الصيف المقبل، الذي يعتبر أنه بدأ فعلياً بصورة مبكرة في شرق القارة الأفريقية هذا العام، تشير إلى زيادة كمية المياه التي ستهطل على هضبة الحبشة، بنسبة تتراوح بين 400 و600 في المائة عن المتوسط المعتاد في نفس الفترة من العام، ما يعني أن الفيضان سيكون أكبر من فيضان العام الماضي.
وعلى الرغم مما في هذه المعلومات من عناصر طمأنة للجانب المصري، خصوصاً وزارة الموارد المائية والري، إلى عدم وقوع ضرر كبير في كميات المياه التي ستتدفق إلى مصر، وعدم قدرة إثيوبيا على المناورة بصورة مضرة لدولتي المصب، وكذلك عدم قدرتها على التلاعب بكميات المياه المحتجزة، خاصة إذا اكتملت قدرتها على حجز المياه مبكراً عن الموعد الذي حددته سلفاً بنهاية يوليو/تموز المقبل، إلا أن هذه المؤشرات ربما تمكن إثيوبيا للمرة الثانية على التوالي من الملء دون الاضطرار لتوقيع اتفاق على قواعد الملء والتشغيل، سواء كان مؤقتاً أو دائماً وشاملاً، الأمر الذي قد يؤدي لتأجيل عملية التفاوض لفترة أطول.
هناك عدة عناصر فنية ستحكم مدى قدرة إثيوبيا على الملء المبكر
وجاء في التقرير أن هناك عدة عناصر فنية ستحكم مدى قدرة إثيوبيا على الملء المبكر، في ضوء حقيقة أنه قد يستغرق أقل من ربع الوقت المحدد سلفاً بحسب المستجدات المناخية. ومن هذه العناصر: مدى كفاءة عملية تصريف المياه الجارية حالياً إلى بحيرة سد الروصيرص جنوب السودان، والكفاءة الفنية لسد السرج الاحتياطي، والبرنامج الزمني المحدد لإنجاز التعلية الوسطى للسد بناء على الكمية الجديدة المخزنة، بحيث يمكن إطالة فترة التخزين أو اختصارها، بناء على توافر متطلبات التعلية مبكراً. وفي حال تمكن إثيوبيا من الملء الثاني المبكر، قياساً حتى بموعد الملء الأول العام الماضي، فلن تكون الأطراف الثلاثة في حاجة إلى توقيع اتفاق مؤقت بشأن العملية الحالية، ما سيمنح أديس أبابا وقتاً أطول للمناورة، قبل الموافقة على استئناف التفاوض من جديد. وتحاول وزارة الري الإثيوبية جاهدة حالياً، بمساعدة الشركة الإيطالية المختصة في أعمال التخطيط والإنشاءات، إتمام عملية صب المنطقة المطلوب تأمينها في القطاع الأوسط من السد، لاحتواء كامل كمية المياه المستهدف حجزها في الفيضان المقبل، حيث كان من المتوقع أن يتم إنهاء هذه العملية خلال الشهر الحالي، لكن أصبح من الضروري الآن إتمامها سريعاً.
وبالتزامن مع هذه العملية سوف يتوجب على الإثيوبيين ترك الفتحات السفلية والوسطى في السد مفتوحة يومياً لتصريف المياه، ما سيترتب عليه زيادة الضخ في وادي النيل، وتحسن المعدلات من سد الروصيرص إلى السد العالي، الأمر الذي قد يكون بمثابة "طوق نجاة" لمنع أي توترات في إدارة المياه بمصر، أو أضرار أو انخفاض في منسوب النيل خلال فترة الملء الثاني. وفي السياق، قالت مصادر فنية مصرية بوزارة الري إن الاتصالات حالياً بشأن عودة المفاوضات رهن تجاوب إثيوبيا مع الشروط المصرية السودانية حول قصر مدة التفاوض، وتحديد أهدافها بالاتفاق حول السد فقط دون التطرق للمحاصصة، فضلاً عن دراسة الدول الثلاث لعدد من المقترحات الفنية التي قدمتها مفوضية الاتحاد الأفريقي، الشهر الماضي، ومن بينها تأجيل إتمام بعض العمليات الإنشائية بالسد، والمتوقفة على إتمام الملء الثاني ليتم إنجازها خلال ربيع العام المقبل، لتلافي إيقاع الأضرار بدولتي المصب، حتى يتم تخزين ما يكفي من مياه في بحيرة ناصر وخزانات سدود السودان. وهو مقترح رفضته إثيوبيا سلفاً، لكن الخبراء طرحوه من جديد مصحوباً بتوصية بتشكيل لجنة مشتركة لإجرائه بصورة غير تعسفية ومرنة، بما يتماشى مع جدول أعمال الحكومة الإثيوبية.
وأضافت المصادر أنه بعدما كانت مصر ترفض بصورة مطلقة الحلول الوسط الالتفافية على التوصل إلى اتفاق دائم، عادت في الأيام الأخيرة لتترك الباب مفتوحاً أمام المزيد من الاجتهادات الأفريقية، بحثاً عن ضمانات لإتمام الملء الثاني دون أضرار. ومن المقترحات المطروحة حالياً في هذا الصدد، والمدعومة من رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي، الذي يترأس الاتحاد الأفريقي، تشكيل لجنة من خبراء الدول الثلاث والاتحاد لمراقبة عملية التصريف الحالية، بما يضمن زيادة حصتي مصر والسودان من المياه قبل فترة الفيضان، واستمرار اللجنة في عملها للتأكد من عدم وقوع أضرار على الدولتين خلال عملية الملء.
تركت مصر الباب مفتوحاً أمام اجتهادات أفريقية بحثاً عن ضمانات لإتمام الملء الثاني دون أضرار
وسبق أن طلبت مصر إدراج خطابها الأخير الذي وجهته إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو غوتيريس، في جدول أعمال الجمعية العامة بدورتها الحالية الخامسة والسبعين، تحت الفقرة "ب" من البند 34 الخاص بتعزيز دور الجمعية العامة في منع نشوب النزاعات المسلحة، والتي تنص على "تعزيز دور الوساطة في تسوية المنازعات بالوسائل السلمية ومنع نشوب النزاعات وحلها". ويشير هذا الأمر، للمرة الأولى، رسمياً إلى رغبة الدولة المصرية في أن يكون للأمم المتحدة دور في الوساطة الدولية بشأن سد النهضة، الأمر الذي يمثل مساراً جديداً لمساعي حل الأزمة سريعاً قبل الملء الثاني أو بالتزامن معه. وجاء هذا الأمر بالتوازي مع طلب القاهرة من مجلس الأمن التدخل بقرار لمنع الملء الثاني، قبل التوصل إلى اتفاق لعدم الإضرار بمصر والسودان، عبر المفاوضات المتوقفة برعاية الاتحاد الأفريقي، والاتصالات الجارية بشأن وساطات أخرى، دولية وإقليمية، أبرزها المبادرة المطروحة من الولايات المتحدة والمدعومة من الاتحاد الأفريقي والإمارات.
والتقى أمس الأول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برئيسة إثيوبيا سهلي وورق زيودي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، على هامش مشاركتهم في مؤتمر دعم السودان المنعقد في باريس، في أرفع لقاء ثلاثي من نوعه منذ الخريف الماضي. علماً بأن الرئيسة الإثيوبية ليست هي المسؤولة التنفيذية الأولى في البلاد، بل رئيس الوزراء. وأكد السيسي والبرهان التوافق حول الأهمية القصوى لقضية المياه بالنسبة للشعبين المصري والسوداني، باعتبارها مسألة أمن قومي، ومن ثم تمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانوني عادل وملزم لعملية ملء وتشغيل سد النهضة، بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف. وبعد ساعات استبعد البرهان، في تصريحات إعلامية من باريس، حل القضية عبر استخدام القوة العسكرية.