الملء الثالث يثير أزمة سد النهضة من جديد

25 يونيو 2022
شغّلت إثيوبيا توربين السد في فبراير الماضي (ميناسي وونديمو هايلي/الأناضول)
+ الخط -

مع اقتراب إثيوبيا من بدء عملية الملء الثالث لسد النهضة، في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول المقبلين، الذي يشكل مصدر قلق كبير لكل من مصر والسودان، عادت الأزمة بين الدول الثلاث إلى الظهور من جديد.

فبينما نجحت مصر في حث الاتحاد الأوروبي على إعلان دعمه لها في قضية السد، اتهمت إثيوبيا الاتحاد بـ"الانحياز إلى مصر" وأنه "لا يراعي المصالح المشتركة بين الدول، ويحافظ على المصالح المصرية فقط".

إثيوبيا تبدأ الملء الثالث

من جهته، قال مصدر دبلوماسي مصري لـ"العربي الجديد"، إن "شروع الحكومة الإثيوبية في عملية الملء الثالث لسد النهضة، من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم وشامل بشأن قواعد ملء وتشغيل السد، مع كل من مصر والسودان، يمثل خرقاً جديداً لاتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين الدول الثلاث عام 2015 في العاصمة السودانية الخرطوم". 

وشدّد على أن "المادة الخامسة من الاتفاقية تنصّ على ضرورة الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول للسد وقواعد تشغيله السنوي". وأكد المصدر أن "مصر تحتفظ بحقها في رفض التصرفات الأحادية الإثيوبية، في قضية سد النهضة التي تمس الملايين من المواطنين المصريين والسودانيين". 

بدوره، كشف أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة عباس شراقي، أن إثيوبيا بدأت أول من أمس الخميس، استعادة 2 مليار متر مكعب من المياه كانت قد أفرغت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، لاستكمال تشييد الممر الأوسط من السد. 

وذكر في حسابه على "فيسبوك"، أن ذلك سيستمر حتى نهاية الأسبوع الأول من يوليو/ تموز المقبل، ويبدأ بعدها التخزين الثالث بكمية تتوقف على حجم الإنشاءات الهندسية لتعلية الجانبين والممر الأوسط من السد، والتي من المتوقع أن تكون نحو 5 مليارات متر مكعب، بعدها يبدأ مرور المياه من أعلى الممر الأوسط في الأسبوع الأول من أغسطس المقبل.


إثيوبيا خزنت نحو 8 مليارات متر مكعب خلال العامين الماضيين

وأضاف شراقي أن التخزين الثالث "يمثل الخرق الرابع لإثيوبيا لإعلان المبادئ الخاص بسد النهضة 2015، والاتفاقيات التاريخية، والأعراف الدولية، والإعلان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي في سبتمبر الماضي، بعد التخزين الأول في عام 2020، والثاني في عام 2021، وتشغيل التوربين في فبراير/ شباط الماضي". 

وكشف شراقي عن "بدء ارتفاع منسوب بحيرة سد النهضة". وقال إن إثيوبيا "خزنت نحو 8 مليارات متر مكعب خلال العامين الماضيين، وتهدف هذا العام للوصول إلى ما كانت تصبو إليه وهو 18.5 مليار متر مكعب". 

وأضاف أن "الخطوة الأولى نحو التخزين الثالث، كانت عند تشغيل التوربين في 20 فبراير الماضي لتصريف المياه التي تمر أعلى الممر الأوسط، ولم يحقق الهدف لعدم كفاءة التشغيل، مما اضطر إثيوبيا إلى فتح إحدى بوابتي التصريف في 12 مارس/ آذار الماضي. وبالفعل جف الممر الأوسط خلال عدة أيام، ثم زادت بفتح البوابة الثانية لتفريغ إجمالي 50 مليون متر مكعب في اليوم، ما أدى إلى انخفاض مخزون البحيرة من 8 إلى 6 مليارات متر مكعب".

وفي السياق، طالب قانونيون مصريون، حكومة بلادهم بالضغط على إثيوبيا دولياً، وعرض الأزمة في المحافل الدولية كافة، لحمل أديس أبابا على الالتزام وتطبيق مبادئ القانون الدولي للمياه والحفاظ على حقوق دولتي المصب، والالتزام باتفاقية المبادئ، وكذلك بقواعد القانون الدولي وما جاء باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997.

في المقابل قال دبلوماسي مصري سابق، وهو خبير في القانون الدولي، إنه "من الصعب على الحكومة المصرية أن تطرق أبواب أي محافل دولية، بعد ذهابها إلى مجلس الأمن الدولي أكثر من مرة، من دون أي نتيجة تذكر".

وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاعتماد على اتفاقية الأمم المتحدة (الإطارية) للانتفاع بالمياه العابرة للحدود، في التعامل مع أزمة سد النهضة الإثيوبي، لن تؤدي أيضاً إلى نتيجة، إذ أنها اتفاقية غير ملزمة للدول في القانون الدولي".

من جهته، لفت أستاذ القانون الدولي العام، أيمن سلامة، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن إثيوبيا "تستغل الظروف ‏الإقليمية والدولية لفرض سياسة الأمر الواقع، وتضرب بعرض الحائط كل الأعراف ‏والمبادئ والقواعد القانونية الدولية التي تنظم الانتفاع المنصف المشترك بالمياه العابرة ‏للحدود الدولية".

وأضاف أنه "على الرغم من أن إثيوبيا تعلم جيداً أنه بالرغم من أن اتفاقية إعلان المبادئ، معاهدة دولية ملزمة، لكنها اتفاقية ابتدائية أولية يتبعها مثل كل الاتفاقيات ‏الإطارية العامة، اتفاق فني لاحق، يمكن أن تسميه الدول بروتوكولاً فنياً، يترجم ‏ما ورد في الاتفاقية الإطارية العامة الموقعة عام 2015". ورأى أنه "لن يكون هناك إطلاقاً اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة مع إثيوبيا".‏

وأوضح سلامة أن "البروتوكول الفني" المفترض توقيعه بين الدول الثلاث "يكون هدفه تحويل المبادئ العامة إلى قواعد فنية ‏تطبيقية تنصب وتتعلق على المسائل الفنية الحاسمة اللصيقة بإدارة وتشغيل السد وتحديد ‏المعايير والمحددات الأخرى، التي ترتبط بكمية ونوعية ملء السد سواء كان ذلك في ‏الفترات العادية أو فترات الجفاف".


إعلان الاتحاد الأوروبي دعمه القاهرة يعود للحاجة الأوروبية إلى الغاز الآتي من مصر

وخلال البيان الصحافي المشترك للاجتماع التاسع لمجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ في 19 يونيو/ حزيران الحالي، رحب الاتحاد الأوروبي بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن حول سد النهضة الإثيوبي الصادر في 15 سبتمبر 2021، حول التوصل لاتفاق مقبول لدى كافة الأطراف وملزم حول ملء وعملية تشغيل السد.

وجاء في البيان المشترك، أن التوصل لهذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن "يعد بمثابة أولوية قصوى للاتحاد الأوروبي ومصر من أجل حماية أمن مصر المائي ودعم السلام والاستقرار في المنطقة ككل".

وأضاف البيان: "يظل الاتحاد الأوروبي مستعداً لدعم المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي وممارسة دور أكثر نشاطاً، في حال كون هذا الدور مفيداً ومرغوباً فيه من جانب كافة الأطراف، عبر إتاحة خبرة الاتحاد الأوروبي الثرية في إدارة الموارد المائية المشتركة بما يتوافق مع القانون الدولي".

إثيوبيا تتحدث عن أزمة

من جهتها، رفضت وزارة الخارجية الإثيوبية بيان الاتحاد الأوروبي بشأن أزمة المياه وسد النهضة، وقالت الوزارة إنه "لا يراعي المصالح المشتركة بين الدول، ويحافظ على المصالح المصرية فقط".

وفي السياق، اعتبر دبلوماسي مصري سابق، أن "إعلان الاتحاد الأوروبي دعمه موقف مصر في قضية سد النهضة الآن، يعود إلى حاجة الأوروبيين إلى مصر في الوقت الحالي، كمصدر لتوريد الغاز الطبيعي القادم من إسرائيل إلى أوروبا، في ظل ما تعانيه من نقص حاد في الطاقة بسبب قرارات روسيا بتقليل ضخ الغاز إلى أوروبا".

وأضاف الدبلوماسي: "على الرغم من أن بيان الاتحاد الأوروبي يبدو وكأنه داعم لمصر في الأزمة، إلا أنه لا يعدو كونه تأكيداً على موقف الأمن الدولي من القضية والذي لم يعد بأي فائدة على مصر، فاكتفى بالحث على التوصل لاتفاق مقبول لدى كافة الأطراف وملزم حول ملء وعملية تشغيل السد. وهو ما يعني وجوب موافقة إثيوبيا عليه، والتأكيد أن الاتحاد الأفريقي هو المسؤول عن إدارة المفاوضات بين الدول الثلاث".

المساهمون