في أول زيارة خارجية له منذ تسلّمه منصب وزير خارجية النظام السوري، اختار فيصل المقداد العاصمة الإيرانية طهران، في رسالة توضح توجّه نظام بشار الأسد لتعزيز العلاقة مع الجانب الإيراني في الفترة المقبلة، ورفضه الضغوط الأميركية والإسرائيلية لإخراج الإيرانيين من البلاد. ويرى مراقبون أن الزيارة تستهدف أيضاً الرد على الضغوط الروسية لإبداء مرونة للتوصل إلى حلول سياسية للقضية السورية، وفي ظل عدم تقديم مساعدات اقتصادية روسية للنظام الذي يعاني وطأة العقوبات الأميركية.
وبدأ المقداد مساء الأحد زيارة إلى طهران "تلبية لدعوة من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف" وفق صحيفة "الوطن" الموالية للنظام، التي أشارت إلى أن المقداد "يجري خلال الزيارة عدة لقاءات مع كبار المسؤولين الإيرانيين تتركز حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين في مختلف المجالات، إضافة إلى تبادل الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
والتقى المقداد أمس وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وبحثا سبل تطوير العلاقات الثنائية وأهم القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، على أن يلتقي اليوم الثلاثاء أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني "لبحث مجالات التعاون الثنائي وآخر المستجدات الإقليمية خصوصاً مكافحة الإرهاب بأشكاله الجديدة"، وفق وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا".
وكان رئيس النظام بشار الأسد اختار في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي فيصل المقداد خلفاً لوليد المعلم الذي توفي الشهر الماضي بعد أن قضى نحو 14 عاماً في منصب وزير الخارجية. ويرى مراقبون أن اختيار المقداد طهران لأول زيارة له بعد توليه المنصب مؤشر على نيّته إيلاء العلاقة مع الجانب الإيراني اهتماماً على حساب الجانب الروسي وهما أبرز حليفين للنظام السوري. وانتهج النظام إبّان تولي المعلم دفة الوزارة نهجاً متوازناً في العلاقة مع موسكو وطهران، وكان على مسافة واحدة من العاصمتين.
رضوان زيادة: النظام السوري لم يبقَ له من الحلفاء سوى طهران وموسكو
وتعليقاً على زيارة المقداد إلى طهران، قال الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النظام السوري لم يبقَ له من الحلفاء سوى طهران وموسكو، وبعد عشر سنوات لم يستطع النظام استعادة مقعده في جامعة الدول العربية، وليس هناك اتفاق عربي بشأن ذلك، فمعظم الدول العربية تؤيد عزلته". وتابع بالقول: "الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية تفرض عقوبات على النظام، لذلك ليس هناك من خيارات أمام المقداد سوى طهران، والنظام منبوذ إقليمياً ودولياً وسيبقى كذلك لفترة طويلة". وعن عدم توجّه المقداد إلى العاصمة الروسية أولاً، قال زيادة: "ليس هو من يحدد الدعوة والأجندة، وإنما الطرف الروسي هو من يحدد ذلك، ولا تجد موسكو الآن جدوى من دعوة المقداد أو الاحتفاء به".
وتأتي زيارة المقداد في ظل مؤشرات على ضغوط روسية على النظام لإبداء مرونة أكبر في التعاطي مع جهود الأمم المتحدة لبلورة حلول سياسية للقضية السورية، لا سيما لجهة كتابة دستور جديد للبلاد، يرى المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن أنه ربما يكون ضوءاً في نهاية النفق. ولا يزال النظام يضع عراقيل أمام كتابة دستور تجري على أساسه انتخابات تطالب المعارضة السورية بألا يكون بشار الأسد جزءاً منها، بينما يطالب النظام بتعديل دستور 2012 وإجراء انتخابات رئاسية في منتصف العام المقبل على أساسها. ومن غير الواضح بعد، توجّه الإدارة الأميركية الجديدة مع الملف السوري، إلا أن من المتوقع أن تواصل واشنطن الضغط على موسكو من أجل دفع نظام الأسد إلى التعامل بإيجابية مع جهود التوصل لحلول سياسية، وهو ما يدفع هذا النظام للاحتماء أكثر بالجانب الإيراني الذي يأمل أن يبدّل الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن من سياسة بلاده إزاء الملف الإيراني برمته.
وفي السياق، لفت الكاتب السوري أيمن عبد النور، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المقداد "قريب من الجانب الإيراني"، مشيراً إلى أن تعيينه في هذا المنصب "رد من بشار الأسد على الضغوط الروسية، وعدم تقديم مساعدات اقتصادية لنظامه المتهالك"، مرجحاً ألا يستمر المقداد في منصبه لفترة طويلة.
من جهته، رأى الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة المقداد إلى إيران "ذات أبعاد دبلوماسية رمزية أكثر من كونها ذات دلالة حقيقية في تنسيق السياسات، لما هو معلوم من طبيعة النظام السوري وهامشية وزارة الخارجية فيه". واعتبر سالم أن من "ضمن أهداف الزيارة إرسال رسالة بعمق علاقة النظام السوري مع إيران في خضم عزلة كل منهما بسبب العقوبات".
جباوي: زيارة المقداد إلى طهران من دون سواها من العواصم التي يمكنه زيارتها تأكيد تبعية النظام لطهران
وبعد أشهر من انطلاق الثورة في عام 2011، بدأت عزلة النظام السوري، إذ قطعت أغلب دول العالم علاقاتها الدبلوماسية به رداً على اعتماد النظام على الخيارين الأمني والعسكري لمواجهة السوريين المطالبين بالتغيير. ولم تنجح محاولات النظام على مدى أكثر من 9 سنوات بكسر طوق العزلة المفروض عليه، على الرغم من قيام دول بإعادة افتتاح سفاراتها في العاصمة السورية دمشق، ومنها دولة الإمارات. واستند النظام إلى الجانبين الروسي والإيراني في محاولات لم تنجح لاستعادة السيطرة على كامل الجغرافيا السورية، وهو ما أجبره على منح موسكو وطهران امتيازات عسكرية واقتصادية تكاد تصل إلى حد الاحتلال المباشر. وفي هذا الصدد، رأى المدير التنفيذي في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية إبراهيم جباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن زيارة المقداد إلى طهران من دون سواها من العواصم التي يمكنه زيارتها "تأكيد لتبعية النظام الأسدي لطهران ومحاولة لإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل أن بشار الأسد لن يطلب من الإيرانيين الخروج من سورية، وأن تحالفه معهم مستمر".