قبل كل اجتماع دوري للجمعية العامة للأمم المتحدة خصوصاً، تعود إلى الواجهة الدعوات إلى إصلاح مجلس الأمن الدولي، الذي لم تتغير تركيبته منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن هذا الأمر يواجه بمعوقات كبيرة، أبرزها رفض الدول دائمة العضوية فيه التخلي عن حق النقض (الفيتو).
ولذلك لم يكن مفاجئاً أن تتجدد الدعوات لإصلاح مجلس الأمن على بعد أيام من انطلاق الدورة الـ77، لكن هذه المرة عبر المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد التي تحدثت عن ضرورة الحد من استخدام الفيتو، مقدمة 6 مبادئ أساسية.
توماس غرينفيلد: الولايات المتحدة وضعت 6 مبادئ واضحة للسلوك المسؤول داخل مجلس الأمن
لكن دعوة غرينفيلد لا يتوقع أن يكون مصيرها مختلفاً عن جميع النقاشات والمداولات السابقة حول إصلاح مجلس الأمن وتوسيع عدد الدول فيه، دائمة العضوية وغير الدائمة، وطرق عملها، والتي لم تحقق أي تقدم ملموس.
ويتألف مجلس الأمن الدولي من 15 دولة؛ 5 دائمة و10 أعضاء تنتخبهم الجمعية العامة. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية في قائمة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن تملك حق النقض، من حيث عدد المرات التي استخدمت فيها الفيتو لمنع المجلس من إصدار قرارات، ومعظم هذه المرات كان لصالح إسرائيل.
ولذلك فإن السؤال الأول يتركز حول مدى قدرة الولايات المتحدة على الالتزام بالمبادئ التي تحدثت عنها غرينفيلد في طرحها لإصلاح مجلس الأمن، فضلاً عن مدى ارتباط الحراك الأميركي الحالي بمقارعة روسيا في ظل تداعيات غزو أوكرانيا واستغلال موسكو لعضويتها في مجلس الأمن لمنع صدور أي قرارات ضدها.
6 مبادئ للسلوك داخل مجلس الأمن
وقالت توماس غرينفيلد، خلال مؤتمر في سان فرانسيسكو حول "أولويات الإدارة الأميركية خلال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة"، التي تنطلق في 13 سبتمبر/ أيلول الحالي، إن "الولايات المتحدة وضعت 6 مبادئ واضحة للسلوك المسؤول داخل مجلس الأمن، بحيث يتعين على جميع أعضاء مجلس الأمن الالتزام بها، وخاصة الأعضاء الدائمين بالمجلس".
وأضافت: "أولاً وقبل كل شيء، نتعهد بالدفاع والتصرف بصرامة وفقاً لميثاق الأمم المتحدة. لا يمكن لأي دولة عضو في المجلس أن تدعي أن لديها سجلاً مثالياً في هذا الأمر. نحن الآن أمام لحظة استثنائية تتطلب قيادة متجددة في الدفاع عن الميثاق".
وتابعت: "ثانياً، سوف نتعامل بشكل عملي مع جميع أعضاء المجلس من أجل التصدي للتهديدات التي يتعرض لها السلم والأمن الدوليان. وثالثاً، سوف نمتنع عن استخدام حق النقض إلا في حالات نادرة وغير عادية"، مؤكدة أن "أي عضو دائم في مجلس الأمن يمارس حق النقض للدفاع عن أعماله العدوانية، سيفقد سلطته المعنوية ويجب أن يحاسب".
استخدام روسيا حق النقض
ولفتت إلى أنه "منذ عام 2009، استخدمت روسيا حق النقض 26 مرة، 12 منها انضمت إليها الصين، بينما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض أربع مرات فقط".
وفي إحصاء أجرته وكالة "فرانس" ويعود إلى إبريل/ نيسان الماضي، يتبين أنه منذ أول مرة استُخدم "الفيتو"، في عام 1946، لجأت إليه موسكو 143 مرة، فيما استخدمته واشنطن 86 مرة، بينها 53 مرة ضد قرارات تنتقد إسرائيل، فيما استخدمته لندن 30 مرة، وبكين وباريس 18 مرة لكل منهما، ما يجعل الولايات المتحدة تحتل المرة الثانية بعد روسيا. كما أن الجزء الأكبر من استخدام واشنطن لحق النقض يرتبط بمشاريع موجهة ضد إسرائيل.
وفي ما يتعلق بالمبدأ الرابع، قالت توماس غرينفيلد إن "أعضاء مجلس الأمن يجب أن يكونوا قادة عالميين في دعم حقوق الإنسان، في الداخل والخارج وأن يظهروا روح القيادة في هذا الشأن".
ويتعلق المبدأ الخامس الذي تعهدت به بـ"تعزيز التعاون والشمولية والشفافية داخل المجلس". وتابعت: "سادساً وأخيراً، سوف ندفع جهودنا لإصلاح مجلس الأمن، حيث ينبغي لهذا المجلس أن يعكس بشكل أفضل الحقائق العالمية الحالية، وأن يضم وجهات نظر أكثر تنوعاً جغرافياً".
وقالت: "لا ينبغي لنا أن ندافع عن الوضع الراهن غير المستدام والذي عفا عليه الزمن، بل يجب أن نظهر المرونة والاستعداد لتقديم تنازلات باسم المصداقية والشرعية، والتوصل إلى توافق في الآراء حول مقترحات معقولة وذات مصداقية لتوسيع عضوية مجلس الأمن".
وكان وزير خارجية المالديف عبد الله شاهد، الرئيس الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال، في مقابلة مع "العربي الجديد" نشرت في 19 مارس/ آذار الماضي، رداً على سؤال حول الدعوات والنقاشات الدائرة منذ نحو 30 سنة لإصلاح مجلس الأمن، إن "إصلاح مجلس الأمن مسألة بالغة الأهمية. لقد تغيرت الأمور كثيراً، منذ الإصلاحات الأخيرة التي أجريت على مجلس الأمن قبل عدة عقود".
وأضاف: "هناك انقسامات بين الدول الأعضاء حول العديد من الأمور. يحاول الميسرون الأساسيون تسهيل وخلق تقارب بين الأفكار. ولكن في نهاية المطاف فإن هذا مرتبط بالدول نفسها (الأعضاء في مجلس الأمن). وعملية الإصلاح برمتها تحركها الدول الأعضاء. لذا فإن الأمر متروك تماماً للدول الأعضاء لاتخاذ قرار بشأن وتيرة العملية".
وكان عدد من قادة دول العالم قد دعوا، خلال الجلسة العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2020، للقيام بإصلاحات على تركيبة مجلس الأمن، مشيرين إلى أنه لم يعد يلبي متطلبات الأمن العالمي في الوقت الراهن.
أندرو باشيفيتش: فرص نجاح الإصلاح شبه معدومة لأنها تعني خسارة نفوذ للدول الخمس الدائمة العضوية
لكن خبراء اعتبروا أن إصلاحه يبدو مستحيلاً لأنه مصمم لخدمة الدول الخمس دائمة العضوية التي تحتكر القرار بهذا الشأن. وقال دبلوماسي طلب عدم الكشف عن اسمه، لوكالة "فرانس برس" وقتها: "يحق لكل دولة اقتراح مشاريع قرارات، لكن في الواقع تأتي الاقتراحات خصوصاً من الدول الغربية".
فرص نجاح الإصلاح شبه معدومة
ورأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن الأميركية أندرو باشيفيتش، في تصريح لـ"فرانس برس"، وقتها، أن فرص نجاح الإصلاح "شبه معدومة لأنها تعني خسارة نفوذ للدول الخمس الدائمة العضوية". وحذر من أن مجلس الأمن "يخدم راهناً بشكل واسع مصالح الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين لذا لن تقبل هذه الدول بإعادة هيكلته".
كما أن هناك خلافات بين الدول التي تريد الحصول على حق النقض. ففي عام 2005 جاء في "موقف أفريقي مشترك" أن القارة الأفريقية ينبغي أن تحصل "على ما لا يقل عن مقعدين دائمين في المجلس مع كامل الصلاحيات، ومن بينها حق الفيتو". لكن منذ ذلك الحين لم تفض المحادثات إلى أي نتيجة بشأن الدولتين اللتين ستشغلان هذين المقعدين.
وفي حين فشلت كل الجهود لتوسيع مجلس الأمن، فقد كان بارزاً اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 26 إبريل/ نيسان الماضي، بالتوافق دون تصويت، قراراً تحت عنوان "تكليف دائم من أجل عقد نقاش في الجمعية العامة عند استخدام حق النقض في مجلس الأمن".
وينص القرار الذي صاغته ليختنشتاين ورعته أكثر من 90 دولة، على انعقاد الجمعية العامة، وبشكل تلقائي خلال عشرة أيام عمل، بعد كل مرة تستخدم فيها أي من الدول الأعضاء دائمة العضوية حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن، بهدف إجراء مناقشة حول الحالة التي استخدم فيها حق النقض.
وحتى هذا القرار، كان هناك خلافات حوله، إذ رأى محللون أنه لا يقدم الأدوات اللازمة لردع الدول عن استخدام حق النقض. وكانت الجمعية العامة قد وافقت عام 2008 على أنه يجب البت بكل الشواغل المتعلقة بإصلاح مجلس الأمن، بما فيها قضية "الفيتو"، بشكل شامل، بحيث لا يمكن معالجة مسألة واحدة بشكل منعزل.
(العربي الجديد، الأناضول)