استمع إلى الملخص
- استراتيجية المقاومة تتضمن تقليل العناصر في المناطق المستهدفة، تفخيخ المنازل، واستخدام الصواريخ وقذائف الهاون لإيقاع خسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين وطردهم من المناطق المحتلة.
- المقاومة تظهر مرونة وقدرة على التكيف مع الضغوط، محافظة على معنويات عالية وتركز على الكمائن والعمليات الهجومية السريعة لاستنزاف قوات الاحتلال، مما يعكس تطوراً في إدارتها العسكرية.
المقاومة تعتمد تكتيكات مختلفة في مواجهة التوغل البري والقصف
استراتيجية المقاومة تُركز على إيقاع خسائر بصفوف جنود الاحتلال
المدهون: تعتمد المقاومة حالياً على الكمائن والكمائن المركبة
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتوسع العدوان البري في مدينة رفح الحدودية مع مصر، تصعّد المقاومة الفلسطينية من استهدافها لجنود الاحتلال وآلياته المتوغلة، في مشهد يعيد الزخم لعملياتها العسكرية، إذ إن المقاومة تعمّق خسائر إسرائيل بعد أشهر من القتال، واستخدام إسرائيل القوة النارية المفرطة ضد الفلسطينيين. يأتي ذلك مع إعلان الاحتلال الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، مقتل أربعة جنود من لواء جفعاتي بانهيار منزل مفخخ في مدينة رفح جنوبي القطاع، عقب تفجير عبوات ناسفة فيه، إلى جانب إصابة ستة آخرين، أحدهم بجراح متوسطة، فيما جراح الخمسة الآخرين، وبينهم ضابط، خطيرة.
المقاومة تعمّق خسائر إسرائيل
وبهذه العملية التي أعلنت كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس مسؤوليتها عنها، فإن المقاومة تعمّق خسائر إسرائيل إذ يرتفع عدد قتلاه منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 650 جندياً، منهم 298 منذ بدء العملية البرية داخل القطاع، في 27 أكتوبر، وفق آخر إحصائية للجيش على موقعه الرسمي. ووفقاً لـ"القسام" التي تحدّثت عن تفاصيل العملية "المركّبة" في بيانها أمس، فجّر عناصرها منزلاً مفخخاً في قوة صهيونية تحصنت داخله في مخيم الشابورة بمدينة رفح، وأوقعوا أفراد القوة بين قتيل وجريح. وتضيف أنه فور وصول قوة الإنقاذ، استهدف عناصرها محيط المنزل الذي تم تفجيره بقذائف الهاون.
ووسط مواجهتها تحديات كثيرة في الأشهر الأخيرة، فإن المقاومة تعمّق خسائر إسرائيل معتمدة تكتيكات مختلفة في مواجهة التوغل البري والقصف المركز والمكثف الذي يستهدف بنيتها التحتية. ويأتي ذلك سواء من خلال تقليل عدد عناصرها في المناطق المستهدفة تأميناً لهم، أو من خلال تفخيخ المنازل الذي بات السمة الرئيسية للتصدي للعدوان البري، أو من خلال تكثيف استخدام الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون في استهداف جنود الاحتلال الموجودين على الأرض، وفق مصادر في المقاومة.
وتشير المصادر نفسها، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "استراتيجية المقاومة الحالية تُركز على أهداف أبرزها إيقاع الخسائر في صفوف الجنود الإسرائيليين وآلياتهم بدلاً من المواجهة بالاشتباك المباشر في حالة رفح كنموذج". وتضيف أن "هذا التكتيك ناتج عن سياسة الأرض المحروقة التي يستخدمها الاحتلال ضد المناطق والمقاومة". وتؤتي هذه الاستراتيجية ثمارها مع ارتفاع أعداد القتلى من الجنود الإسرائيليين في الأشهر الأخيرة، لتكون السمة الرئيسية في عمليات استهداف الجنود والآليات، إضافة لتفخيخ وتفجير الأنفاق أو ما تبقى منها في ظل سياسة الاستهداف المُركز عبر "الأحزمة النارية"، والتي تشنها إسرائيل قبيل أي عملية توغل بري مستهدفة بالأساس بنية المقاومة تحت الأرضية.
وبعكس معنويات الجنود الإسرائيليين التي تقلّ مقارنة ببداية الحرب، تُكسِب هذه العمليات عناصر المقاومة الفلسطينية مزيداً من الثقة وتعزز من معنوياتهم لاستمرار المواجهة لأطول وقت، رغم صعوبة الميدان والظروف القاسية التي يعيشها الجميع تحت الحرب والعدوان والقوة النارية المفرطة. وبينما يعتمد الإسرائيليون على التكنولوجيا والآليات العسكرية في المداهمة والتفتيش، كانت المقاومة تعمّق خسائر إسرائيل إذ يعرف المقاومون الفلسطينيون الأرض جيداً ما يسهل عليهم التعامل مع معطيات الميدان. ويعمل المقاومون وفق مجموعات صغيرة نسبياً لتفادي الاستهداف والملاحقة وللبقاء أطول فترة ممكنة في خطوط المواجهة سواء في الخطوط الأمامية أو البقاء في حالة انتظار للوصول لمرحلة الاشتباك.
تكتيكات الحرب الطويلة
ويقول المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد تسعة أشهر من الحرب، يأتي اتباع المقاومة بقيادة كتائب القسام لاستراتيجية عسكرية جديدة في إطار مواجهة قد تطول مع جيش الاحتلال". وتقوم هذه الاستراتيجية "على الاقتصاد في استخدام القوة بأنواعها، والحفاظ على الأصول البشرية والمادية للمقاومة".
أسامة خالد: تبني المقاومة تكتيكات قتالية تستنزف القوات الإسرائيلية
ويلفت إلى تبني المقاومة "تكتيكات قتالية لها علاقة باستنزاف قوات جيش الاحتلال وإرهاقه عبر أعمال هجومية كالإغارات السريعة والتركيز على الكمائن المركبة، فضلاً عن استهداف نقاط تمركز قوات جيش الاحتلال في أماكن وجوده والعمل على طرده منها". وهذه التكتيكات الجديدة، وفق خالد، وهي ضمن استراتيجية المقاومة الحالية، تأتي "بعد تقديرات موقف مختلفة ودراسة لمسرح العمليات وفهم لوضعية الصديق والعدو"، آخذة بالاعتبار المرحلة المهمة والحساسة في تاريخ الحرب والتي "تلقي بظلالها على الوضع السياسي والتفاوضي المتعلق بالقضية وما يجري من حراك هنا وهناك".
ويبيّن أن "المقاومة حالة عسكرية فريدة ونموذج متقدم في العمل العسكري، وبالطبع ما نراه من أعمال كهذه هي أعمال تراكمية وجهود تتكامل وتتظافر بعضها مع بعض، ضمن مبادئ حرب منهجية كمبدأ التعرض ومبدأ المفاجأة وغيرهما". ويضيف أنه "من الطبيعي أن يوجّه القائمون على إدارة العمليات ومراكز القيادة والسيطرة، القوات نحو نوع معين من التكتيكات في هذا الوقت بحسب طبيعة التهديد الحاصل، وشكل الهجوم المعادي وطبيعته". ويعتبر أن "هذا التركيز على هكذا أنواع ربما من الصعب فهمه من كثير من المتابعين"، لكن "بالتأكيد هناك إدارة عسكرية فذة وتقود الأعمال العسكرية بكل اقتدار".
ويوضح خالد أن جيش الاحتلال "يتعامل مع قطاع غزة كمسرح عمليات مستباح يقوم بإسقاط مئات الأطنان من المتفجرات عليه، ويستخدم أسلوب الإغراق الناري عبر الجو والبر والبحر، في محاولة زيادة الضغط على المقاومة وحاضنتها الشعبية على أساس قاعدة أن ما لا يأتي بالقوة يأتي بمزيد من القوة". ويتبع جيش الاحتلال هذا النهم العسكري، والذي يوحي بضرورة تدمير معالم الحياة والبنية التحتية في قطاع غزة، كعقاب جماعي للحاضنة الشعبية للمقاومة، والتي لا تزال صامدة وتقف مع المقاومة رغم آلة البطش والإبادة منذ بداية الحرب.
من جهته، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المقاومة الفلسطينية "تعمل على تحمّل إطالة أمد الحرب وعدم الانكسار أمام قوة النيران الهائلة والمدى الزمني الطويل الذي يكسر ويستنزف أي قوة"، خصوصاً مواجهة "هذا الكم الهائل من الضغط الميداني والناري والتضييق والحصار المشدد".
إبراهيم المدهون: تعتمد المقاومة حالياً على الكمائن والكمائن المركبة
ويشير المدهون إلى أنّ المقاومة "تتبع مجموعة سياسات لمواجهة هذا العدوان، على رأسها البقاء والاستمرارية في المقاومة والعمل لأمد طويل، وادخار القوة ومحاولة تجزئتها وعدم استخدامها دفعة واحدة لبقائها أطول مدى ممكن، والاعتماد على الكمائن والكمائن المركبة". وتؤمن المقاومة، وفق المدهون، "بأن الأكثر جدوى يتمثل في استهداف جنود الاحتلال داخل البيوت وتفجيرها، وفي الأنفاق وعبر القنص، وملاحقة فرق الإنقاذ الإسرائيلية"، لافتاً إلى أن "كل عملية ناجحة يقتل فيها جنود ويتم تصويرها تُعطي نتائج إيجابية على الروح المعنوية للفلسطينيين وتمنحهم نشوة انتصار في ظل الضغط الكبير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني". ويعتبر أن "هذه التوثيقات وهذه الصور تمنح المقاومة ثقة أكبر في قدرة تنفيذ عمليات، وإجبار الاحتلال على التراجع عن عدوانه".