اتفق المغرب وإسبانيا على تفعيل أنشطة ملموسة في إطار خريطة طريق تغطي جميع قطاعات الشراكة، تشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك، في ختام المباحثات التي جمعت، مساء اليوم الخميس، العاهل المغربي، الملك محمد السادس، برئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز.
وجدد العاهل المغربي ورئيس الحكومة الإسبانية، خلال المباحثات التي انطلقت مباشرة بعد وصول رئيس الحكومة الإسبانية إلى العاصمة المغربية الرباط في أول زيارة من نوعها بعد نحو عام من الأزمة غير المسبوقة بين البلدين، تأكيد الإرادة في فتح مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين، قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق، بحسب ما جاء في بيان للديوان الملكي.
وقال الديوان الملكي، في بيان له، إنه خلال هذا الاستقبال، حرص سانشيز على تجديد تأكيد موقف إسبانيا بخصوص ملف الصحراء، معتبراً المبادرة المغربية للحكم الذاتي بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف.
من جهة أخرى، شكل الاستقبال الذي خصص لرئيس الحكومة الإسبانية مناسبة لاستعراض مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك في جوانبها السياسية، الاقتصادية، الأمنية والثقافية. وتطرقت هذه المباحثات أيضاً إلى القضايا الإقليمية والدولية، وفق الديوان الملكي.
وحضر الاستقبال عن الجانب الإسباني، وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون خوصي مانويل ألباريس، وسفير إسبانيا في الرباط، السيد ريكاردو دييز – هوشلايتنر، وعن الجانب المغربي، المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، وسفيرة المغرب في مدريد كريمة بنيعيش.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، قد وصل، اليوم الخميس، إلى العاصمة المغربية الرباط في زيارة رسمية هدفها إنهاء القطيعة وبدء تفعيل "مرحلة جديدة" من العلاقات بين البلدين، وذلك بعد نحو عام على اندلاع أزمة غير مسبوقة جراء استقبال السلطات الإسبانية لزعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية، إبراهيم غالي، للعلاج بعد إصابته بفيروس كورونا.
وقبل توجهه إلى العاصمة المغربية، كان لافتاً إعلان وزير الخارجية الإسباني "إطلاق المغرب وإسبانيا اليوم، مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية بأفضل طريقة ممكنة، بعدما أكد الملك محمد السادس شخصياً انتهاء الأزمة بين البلدين"، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الإسبانية "إيفي".
وأكد ألباريس، خلال لقاء مع الصحافة الإسبانية في مقر حلف شمال الأطلسي"الناتو"، أن هذه الأزمة كانت من أعمق وأطول الأزمات بين البلدين، مشيراً إلى "أهمية أن يكون الملك محمد السادس هو الضامن من الجانب المغربي لبدء خريطة طريق جديدة بين البلدين".
ودفاعاً عن العلاقات الثنائية الجديدة، قال المسؤول الإسباني إن "التعاون بين البلدين أمر أساسي للسيطرة على تدفقات الهجرة غير النظامية، ولأمن واستقرار إسبانيا، وهو الأمر الذي يعود كذلك بالفائدة على أوروبا".
وتأتي زيارة سانشيز للرباط بعد تطور لافت في الموقف الإسباني من قضية الصحراء، حيث أكد في رسالة وجهها إلى العاهل المغربي، في 14 مارس/ آذار الماضي، أنه "يدرك أهمية قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب"، واعتباراً لذلك، فإن بلاده تعتبر أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قُدمت سنة 2007، هي "الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية" لحل ملف الصحراء.
وقال سانشيز في الرسالة، إن "البلدين تجمعهما، بشكل وثيق، أواصر المحبة والتاريخ والجغرافيا والمصالح والصداقة المشتركة"، معرباً عن "يقينه بأن الشعبين يجمعهما ذات المصير أيضاً"، وأن "ازدهار المغرب مرتبط بازدهار إسبانيا، والعكس صحيح".
وأكد أن "هدفنا يتمثل ببناء علاقة جديدة، تقوم على الشفافية والتواصل الدائم، والاحترام المتبادل والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين والامتناع عن كل عمل أحادي الجانب، وفي مستوى أهمية جميع ما نتقاسمه"، وقال إن "إسبانيا ستعمل بكل الشفافية المطلقة الواجبة مع صديق كبير وحليف"، مؤكداً أن "إسبانيا ستحترم على الدوام التزاماتها وكلمتها".
من جهته، قال الديوان الملكي إن "الشراكة بين البلدين أضحت تندرج في إطار مرحلة جديدة، قائمة على الاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، والتشاور الدائم والتعاون الصريح والصادق".
وحسب المصدر ذاته، فإن مختلف الوزراء والمسؤولين في البلدين مدعوون إلى تفعيل أنشطة ملموسة في إطار "خريطة طريق طموحة وتغطي جميع قطاعات الشراكة، تشمل كل القضايا ذات الاهتمام المشترك".
وفي خضمّ هذا التطور في مسار العلاقات بين البلدين، اللذين تربطهما شبكة قوية ومتداخلة ومعقدة من المصالح والعلاقات، تطمح مدريد إلى أن تتوج أول زيارة للرباط، بعد تجاوز الأزمة بين البلدين، بتوقيع اتفاقيات في مجالات محاربة الهجرة غير النظامية، ومكافحة الإرهاب، واحترام الوحدة الترابية لكل بلد، إضافة إلى مجالات أخرى تهمّ تعزيز العلاقات الاقتصادية بمختلف فروعها.
كذلك ستكون الزيارة للعاصمة المغربية الرباط مناسبة لمناقشة قضية إعادة الروابط البحرية بين الرباط ومدريد، والتباحث في فتح معبري بابي سبتة ومليلية المحتلتين، والبحث عن سبل لإعادة الحياة إليهما، بعد سنتين من الإغلاق من قبل الرباط، باعتبارهما طريقين نحو الضفة الأخرى.
كذلك تُرتقَب إثارة ملف استئناف الرحلات البحرية بين المغرب وإسبانيا، التي توقفت منذ اندلاع الأزمة الدبلوماسية بين البلدين في إبريل/ نيسان من العام الماضي، والحسم في ملف استئناف عملية العبور "مرحبا" (عملية عبور المغتربين المغاربة)، التي استثنيت منها الموانئ الإسبانية خلال السنة الماضية، حيث اضطر المغتربون المغاربة إلى استعمال الموانئ الفرنسية والإيطالية، من أجل العودة إلى بلادهم، فضلاً عن تحديد موعد اجتماع اللجنة المشتركة، الذي كان مقرراً في 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، والذي أُجِّل بدعوى أن "الوضع الوبائي الحالي يحول دون عقد اجتماع رفيع المستوى في الموعد المحدد"، حسب ما أُعلن رسمياً، لكن التأجيل وفق مراقبين كان بسبب الأزمة الصامتة بين البلدين.
ولا يُعتبَر المغرب فقط أول شريك تجاري أفريقي لإسبانيا وشريكها الاقتصادي الثالث خارج الاتحاد الأوروبي، ولكنه أيضاً الشريك المميز في العديد من القضايا، مثل مكافحة الإرهاب وإدارة تدفقات الهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة.
وتشمل الشراكة بين الرباط ومدريد 16 مليار يورو في التجارة، وتتعلق بـ17 ألف شركة إسبانية، منها 700 مؤسسة على التراب المغربي. بالإضافة إلى ذلك، زادت الصادرات الإسبانية إلى المغرب بين عامي 2020 و2021 بنسبة 29%، وعلى صعيد آخر، يعيش ما لا يقل عن 800 ألف مغربي في إسبانيا.