دخلت العلاقات بين الرباط ومدريد مرحلة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين الجارين، وينتظر أن تتوج بقمة ثنائية "رفيعة المستوى" قبل نهاية العام الحالي، بعد خمسة أشهر من طي صفحة أزمة ديبلوماسية حادة، وعام من القطيعة بين الطرفين، على خلفية استقبال إسبانيا، في 24 إبريل/ نيسان 2021 زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية إبراهيم غالي.
وبدا المنحى الجديد الذي اتخذته العلاقات بين المغرب وإسبانيا لافتا، بعد تأكيد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في تصريح صحافي، أمس الأربعاء، في نيويورك، أن المغرب يتعامل مع إسبانيا "كشريك وحليف موثوق"، مبرزا أن "البلدين سيشتغلان بروح إيجابية وطموح، حتى تكون هذه العلاقات الثنائية مشهودا لها بالقوة".
واعتبر بوريطة، عقب مباحثات أجراها، الأربعاء، مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن العلاقات بين الرباط ومدريد دخلت في "مرحلة جديدة وغير مسبوقة، قائمة على الاحترام المتبادل والطموح القوي، فضلا عن تنفيذ الالتزامات المشتركة لخدمة مصالح البلدين ولخدمة الأمن والاستقرار الإقليمي"، مضيفا: "سنحقق نتائج جد إيجابية في المستقبل".
من جانبه، أشاد وزير الخارجية الإسباني بالشراكة الاستراتيجية المكثفة التي تربط بين إسبانيا والمغرب والتي تعكس، برأيه، "مرحلة جديدة قوامها برنامج ثنائي مكثف يغطي جميع جوانب علاقتنا الثنائية، قائم على أساس الشفافية والتواصل المستمر والاحترام المتبادل. هي مبادئ التعاون الصادق بين شريكين استراتيجيين مثل إسبانيا والمغرب".
وبعد خمسة أشهر من طي صفحة الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة ببن البلدين، أعلن ألباريس عن إحراز تقدم أكثر من ملحوظ عاد بالنفع على الشعبين المغربي والإسباني، مشيرا في هذا الصدد إلى استئناف الربط الجوي والبحري والبري "الذي مكن أيضا من لم شمل آلاف العائلات خلال فصل الصيف بفضل هذه العملية، بعد السنوات الأخيرة التي اتسمت بالأزمة الوبائية".
وبميزان الربح والخسارة، لفت الوزير الإسباني إلى "أدلة على تعاون ممتاز" بين البلدين، إذ "انخفض عدد المهاجرين غير النظاميين بنسبة 20 في المائة في الأشهر الأربعة الماضية، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وهو ما يعد، بحسب المسؤول الإسباني، "نتيجة، من بين أمور أخرى، للعمل المشترك ضد الشبكات الإجرامية للاتجار بالبشر"، لافتا إلى أنه جرى الاتفاق على مواصلة تعزيز هذا التعاون، لا سيما على ساحل المحيط الأطلسي.
وبينما نما مستوى الصادرات الإسبانية بنسبة 30 في المائة في الأشهر الأخيرة، لتصل إلى 6 آلاف مليون يورو، ما عزز مكانة إسبانيا باعتبارها الشريك التجاري الأول للمملكة، بدا لافتا إعلان ألباريس عن عقد قمة ثنائية "رفيعة المستوى" قبل نهاية العام، موضحا أن الهدف يتمثل في أن يكون الاجتماع ممكنا خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وبالنسبة للوزير الإسباني، فإن هذا الاجتماع سيكون "فرصة جديدة لاستعراض التقدم المحرز والمضي قدما معا وتجديد تأكيد الصداقة الإسبانية المغربية".
ويأتي ذلك في وقت تبدي فيه الرباط رضاها عن سير النقاش بين الجارين لتفعيل "خريطة الطريق"، التي فتحت صفحة جديدة في العلاقات بين الرباط ومدريد. ورغم الأزمات المتتالية التي مرت بها تلك العلاقات خلال السنوات الماضية في سياق ما يسمى بـ"الجوار الصعب"، إلا أنها تتميز بالتطور على أكثر من صعيد، حيث تعتبر إسبانيا الشريك التجاري الأول للمملكة منذ 2012، كما استطاع البلدان على الصعيد الأمني بناء جسور الثقة لمواجهة الإرهاب العابر للحدود جعلت "أمن مدريد يمر عبر الرباط".
وبرأي الباحث في العلاقات الدولية بوبكر أونغير، تتطور العلاقات المغربية الإسبانية باستمرار، والتنسيق يجري بأعلى الدرجات في ملفات كبرى إقليمية تهم البلدين، خصوصا الهجرة والطاقة، معتبرا أن القمة الثنائية رفيعة المستوى المنتظرة بين البلدين ستكون تتويجا منطقيا للتقارب المغربي الإسباني، وتكريسا للتميز الذي طبع العلاقات بين البلدين تاريخيا، رغم بعض فترات الفتور الذي وصل إلى حد التوتر أحيانا.
ويذهب، في حديثه لـ"العربي الجديد "، إلى أن التحديات الإقليمية والتطورات الدولية المتسارعة، خصوصا أزمات الطاقة، والانتكاسة الاقتصادية التي يعرفها العالم بفعل تداعيات كورونا، والحرب الروسية ضد أوكرانيا، وكذلك الضغط الكبير الذي يمارسه المهاجرون الراغبون في الوصول إلى أوروبا، كلها عوامل تضافرت لتفرض علاقات مغربية إسبانية متميزة.
وفي رده على سؤال لـ"العربي الجديد" حول مدى تأثير قضايا مؤجلة في العلاقات المغربية الإسبانية، من أبرزها قضية سبتة ومليلية المحتلتين وترسيم الحدود البحرية، أوضح الباحث المغربي أن إثارة هذه الملفات تتطلب ديبلوماسيا اختيار الوقت المناسب، موضحا أنه "ليس من مصلحة البلدين اليوم إثارة أي قضايا خلافية لأن الظروف الإقليمية والدولية وما يجمع البلدين وما ينتظر منها أكبر من الخلافات والخصومات التي لا تفيد أي طرف من الأطراف".
وبحسب أونغير، فإن "الموقف الواضح للجانب الإسباني بخصوص قضية الصحراء والمبني على دعم الحل السياسي التوافقي، والذي يرى في خطة الحكم الذاتي سبيلا لهذا الحل، يشجع تميز العلاقات المغربية الإسبانية رغم كل محاولات الجزائر ودول أخرى للتأثير على إسبانيا داخليا من أجل لي ذراعها للحيلولة دون تميز العلاقات المغربية الإسبانية وتطورها".
وكانت المباحثات التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس، في الثامن من إبريل/ نيسان الماضي، ورئيس الحكومة الإسبانية، قد رسمت تفاصيل "خريطة الطريق" لإنهاء القطيعة الدبلوماسية، وهي الخريطة التي وصفها البيان المشترك الذي صدر عقب انتهاء المباحثات بـ"الدائمة والطموحة التي تتضمن معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح من الثقة والتشاور، بعيدا عن الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع".
وبحسب مضامين "خريطة الطريق"، تم الاتفاق على الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستويين البري والبحري، وكذلك إعادة الربط البحري للمسافرين بين البلدين حالا وبشكل متدرج إلى حين فتح مجموع الرحلات".
وبموجب "خريطة الطريق" أيضا، تم الاتفاق على تفعيل مجموعة العمل الخاصة بتحديد المجال البحري على الواجهة الأطلسية، بهدف تحقيق تقدم ملموس، وسيتم إطلاق مباحثات حول تدبير المجالات الجوية، بالإضافة إلى إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة.