تلقى العاهل المغربي الملك محمد السادس اليوم الأربعاء، دعوة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينمير، للقيام بـ"زيارة دولة" إلى برلين، في مؤشر على الطي النهائي لأزمة استمرت لمدة 9 أشهر بين البلدين.
وكشف الديوان الملكي، مساء الأربعاء، أن الرئيس الألماني وجه دعوة إلى العاهل المغربي للقيام بـ"زيارة دولة" إلى ألمانيا من أجل "عقد شراكة جديدة بين البلدين".
وكان المغرب قد أعلن، في 22 ديسمبر / كانون الأول الماضي، استئناف التعاون الثنائي مع ألمانيا، وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين في الرباط وبرلين إلى شكلها الطبيعي.
ورحبت الخارجية المغربية بما وصفته بـ"الإعلان الإيجابي والمواقف البناءة التي عُبِّر عنها أخيراً من قبل الحكومة الفدرالية الجديدة لألمانيا"، معتبرة في بيانها، أن تعبير برلين "عن هذه المواقف يتيح استئناف التعاون الثنائي وعودة عمل التمثيليات الدبلوماسية للبلدين في الرباط وبرلين إلى شكلها الطبيعي"، لافتة إلى أن المملكة المغربية تأمل أن تقترن هذه التصريحات بالأفعال، بما يعكس روحاً جديدة ويعطي انطلاقة جديدة للعلاقة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل.
وجاء الترحيب المغربي بعد نحو أسبوع من إبداء الحكومة الألمانية الجديدة استعدادها للجلوس مع المغرب من أجل تجاوز تداعيات الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ شهر مارس/آذار الماضي، مؤكدة أن "ألمانيا حريصة على تجاوز سوء التفاهم والتوترات التي حصلت".
جاء الترحيب المغربي بعد نحو أسبوع من إبداء الحكومة الألمانية الجديدة استعدادها للجلوس مع المغرب
فيما اعتبرت السفارة الألمانية في الرباط، بتدوينة لها على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن "المملكة المغربية شريك محوري لألمانيا، من وجهة نظر الحكومة الاتحادية"، موضحة أن "ألمانيا مستعدة لشراكة تتطلع إلى المستقبل على قدم المساواة".
وتؤشر رسالة الرئيس الألماني إلى العاهل المغربي على تجاوز البلدين لخلافاتهما، ونهاية الأزمة التي أرخت بظلالها على علاقاتهما بعد قرار المغرب، في الأول من مارس/آذار الماضي، تعليق جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط، ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها، في خطوة كانت قد أثارت أكثر من علامة استفهام عن توقيتها ودواعيها.
وبحسب وثيقة صدرت عن وزارة الخارجية المغربية، فإن قرار تعليق جميع الاتصالات وعلاقات التعاون مرده إلى "خلافات عميقة" بين المغرب وجمهورية ألمانيا الاتحادية حول عدد من القضايا المصيرية بالنسبة إلى المملكة.
وفي 6 مايو/أيار الماضي، استدعى المغرب سفيرته في برلين زهور العلوي، من أجل التشاور، بعدما كان قد قرر في وقت سابق وقف جميع الاتصالات مع السفارة الألمانية في الرباط، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام تصعيد جديد في التوتر بين البلدين. فيما لم تُخفِ الخارجية الألمانية دهشتها الشديدة من قرار الاستدعاء، لقيامها "بجهود بنّاءة مع الجانب المغربي لحل الأزمة".
ومنذ رحيل المستشارة أنجيلا ميركل، توالت مؤشرات حدوث تغيير في سياسة برلين، بداية من إشادتها بدور المغرب في الأزمة الليبية، إلى موقفها من قضية الصحراء بدعمها جهود المغرب لإيجاد حل عادل ودائم للنزاع.
إلى ذلك، اعتبر الرئيس الألماني أن "مخطط الحكم الذاتي الذي كان قدم في عام 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساس جيد للتوصل إلى اتفاق لهذا النزاع الإقليمي"، مشيرا إلى "دعم بلاده، لسنوات عديدة، لعملية الأمم المتحدة من أجل الوصول إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من جميع الأطراف".
وكان ملف الصحراء على رأس الملفات التي دفعت في اتجاه تأزيم العلاقات بين البلدين. إذ اتهمت الرباط برلين بـ"تسجيل موقف سلبي" بشأن قضية الصحراء، واتخاذ "موقف عدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه"، وذلك بحسب بيان لوزارة الخارجية المغربية، التي اعتبرت أن الموقف الألماني "خطير ولم يُفسَّر لحد الآن".
وعلى الرغم من إشادة ألمانيا بالاتفاق المغربي الإسرائيلي لاستئناف العلاقات بين الطرفين، إلا أنها لم تتردّد من خلال خارجيتها في التشكيك علانية في شرعية اعتراف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بسيادة المغرب على الصحراء في 10 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، معتبرة أن مضمونه "يخالف الشرعية الدولية".
أكثر من ذلك، سارعت برلين في الـ22 من الشهر نفسه، للمطالبة باجتماع مغلق لمجلس الأمن، بهدف مناقشة قضية الصحراء. واستفزّ المندوب الألماني في الأمم المتحدة، كريستوف هيوسغن، المملكة المغربية، حين أبدى تعاطفه مع جبهة "البوليساريو" بحديثه عن "الطرف الضعيف الذي يعيش الإحباط".
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل بعد تلك الجلسة، رفع ممثل ألمانيا في الأمم المتحدة رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن يتبنى فيها رواية "البوليساريو" والجزائر بخصوص انهيار وقف إطلاق النار.
وفي مؤشر آخر على دفن ماضي الخلافات بين الرباط وبرلين، كان لافتا امتنان الرئيس الألماني لـ"الانخراط الفعال للمغرب من أجل مسلسل السلام في ليبيا".
وكانت الأزمة الليبية قد فتحت صفحة إضافية في ملف الأزمة بين البلدين، بعد إقصاء ألمانيا للمغرب من المشاركة في مؤتمر برلين الأول في يناير/كانون الثاني 2020. وقد أعربت المملكة المغربية، حينها، عن استغرابها العميق لإقصائها عن المؤتمر، على الرغم من أنها "كانت دائماً في طليعة الجهود الدولية الرامية إلى تسوية الأزمة الليبية، وقد اضطلعت بدور حاسم في إبرام اتفاق الصخيرات، الذي يشكل حتى الآن الإطار السياسي الوحيد الذي يحظى بدعم مجلس الأمن وقبول جميع الفرقاء الليبيين".