وضعت الانتقادات الحادة التي وجهها الديوان الملكي في المغرب، أمس الأول الاثنين، إلى حزب "العدالة والتنمية" المعارض، بسبب "تجاوزات غير مسؤولة ومغالطات خطيرة" تضمنها بيان للحزب حول العلاقات بين المملكة وإسرائيل، علاقة الحزب الإسلامي بالقصر أمام اختبار جديد.
وبدا لافتاً من خلال مضامين البيان الصادر عن الديوان الملكي حجم غضب القصر، بعد أن صنف بياناً للأمانة العامة لـ"العدالة والتنمية" بشأن العلاقات مع تل أبيب، في خانة "التجاوزات غير المسؤولة والمغالطات الخطيرة والابتزاز"، والسابقة الخطيرة والمرفوضة "لاستغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية".
تنبيه الديوان الملكي من خطوط حمراء
كذلك، بدا لافتاً للانتباه، إعادة تنبيه الديوان الملكي إلى ما يعتبره خطوطاً حمراء، بالتشديد على أن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص العاهل المغربي الملك محمد السادس، ويدبرها بناءً على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.
توجه في "العدالة والتنمية" لعدم الرد على بيان الديوان الملكي
وكانت الأمانة العامة لحزب "العدالة والتنمية" قد عبّرت، في بيان في 4 مارس/ آذار الحالي، عن استهجانها لما سمته "المواقف الأخيرة لوزير الخارجية (ناصر بوريطة)، ويبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الأفريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين، ولا سيما في نابلس الفلسطينية".
وبقدر ما يبدو أن علاقة الحزب بالقصر تمر باختبار صعب، يطرح بيان الديوان الملكي تساؤلات عمّا إن كان غضب أعلى سلطة في البلاد سيدخل علاقة الجانبين مرحلة التوتر وانقطاع الحبل الرابط بينهما.
انتقاد القصر لـ"العدالة" ليس الأول
ليست هذه المرة الأولى التي تجد فيها قيادة "العدالة والتنمية" نفسها في مرمى انتقادات القصر، إذ سبق لعبد الإله بنكيران، كأمين عام للحزب، أن اعتذر علانية للقصر الملكي في 2009، حين أصدر الوزير الأول (رئيس الحكومة) عباس الفاسي آنذاك بياناً يندد فيه بتصريحات منسوبة إلى بنكيران، ادعى فيها أن "العدالة والتنمية" كان بطريقة غير مباشرة وراء إحداث الحساب البنكي، الذي أذن العاهل المغربي الملك محمد السادس بفتحه لجمع التبرعات لفائدة أهالي غزة.
وقبل موعد الانتخابات التشريعية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أدت شكوى بنكيران من وجود حكومة ظل موازية لحكومته، في إشارة مبطنة إلى محيط القصر، إلى توتر جديد بينهما.
وكان العاهل المغربي قد رد، في خطاب العرش في يوليو/ تموز 2016، شخصياً على هذه الشكوى، بالتأكيد أنه لا يشارك في أي عملية انتخاب، ولا ينتمي إلى أي حزب، وأنه ملك لجميع المغاربة، مرشحين وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون، ولكل الهيئات السياسية دون تمييز أو استثناء.
وتتجه الأنظار حالياً إلى الاجتماع المرتقب للأمانة العامة للحزب، هذا الأسبوع، لتدارس الموضوع، بعد أن اكتفى بنكيران في خطوة أولى بامتصاص صدمة بيان الديوان الملكي بتوجيه أعضاء "العدالة والتنمية" ومسؤوليه بعدم التعليق بأي شكل من الأشكال على البيان.
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عما إذا كان البيان إيذاناً بتوتر العلاقات بين "العدالة والتنمية" والقصر، اكتفى مصدر قيادي في الحزب، طلب عدم ذكر اسمه، التزاماً بتوجيه الأمين العام بعدم التعليق، بالقول إن المشاورات الأولية بين قيادة الحزب لم ترجح إلى حد الساعة فكرة الرد على البيان، وإن هناك توجهاً بعدم الرد، كاشفاً أن موعد اجتماع الأمانة العامة لتدارس الموضوع لم يُحدَّد بعد.
"العدالة والتنمية" ليس بمرحلة فتح جبهات
ورأت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير، أن الحزب بوضعه الحالي في غنى عن خلق توتر بينه وبين القصر. ولفتت إلى أن "الحزب اليوم يحاول حشد وتجديد ثقة المواطن به، من خلال مواضيع يعتبرها المغاربة مقدسة لارتباطها بالجانب الديني، وليس في مرحلة فتح جبهات من المؤكد أنها ستكرس ضعفه أكثر مما هو الوضع حالياً".
محمد شقير: بنكيران أمام خيار محاولة الاعتذار أو التنصل مما جاء في بيان الأمانة العامة
واعتبرت لموير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "كان من الضروري أن يصدر بيان الديوان الملكي لإيقاف عبث الحزب، لأننا في دولة مؤسسات. وأيضاً لكي يعرف الحزب حجمه الحقيقي داخل المجتمع"، متوقعة أن يصدر "العدالة والتنمية" رداً يحاول من خلاله تهدئة التوتر الذي برز من خلال بيان الديوان الملكي.
من جانبه، اعتبر الباحث في العلوم السياسية محمد شقير، أن بنكيران أمام خيار محاولة الاعتذار للديوان الملكي على غرار ما سبق أن قام به في ما يتعلق بتصريحاته المتعلقة بمستشار الملك فؤاد عالي الهمة، أو المناورة من خلال التنصل مما جاء في بيان الأمانة العامة، خاصة أنه سيؤثر سلباً في الحزب.
أسلوب الشعبوية سيورط الحزب
ولفت شقير، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "أسلوب الشعبوية المتبع من طرف الأمين العام الحالي الذي يريد أن يعوض النكسة الانتخابية للحزب، وضعف وجوده البرلماني بتوظيف الخطاب الديني في مواجهة مطالب القوى بتعديل مدونة الأسرة، أو نظام الإرث، والتشدد في ما يتعلق بمساندة القضية الفلسطينية، سيورط الحزب في مواجهة مباشرة مع المؤسسة الملكية، التي تحتكر مجال السياسة الخارجية وتُحدد توجهاتها".
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إسماعيل حمودي، رأى أن "ما حدث هو حوار بين مؤسسة دستورية ممثلة في الملكية، وحزب سياسي بشأن قضية خلافية، وهو حوار مطلوب لجهة أنه يعطي معنى للخيار الديمقراطي في المغرب، لأن الديمقراطية ليست هي الإجماع". ولفت إلى أن "البلد في حاجة إلى هذا النوع من الحوارات، وعودة النقاش للساحة السياسية مهم بالنسبة إلى الدولة والمؤسسات والمجتمع".
وأوضح حمودي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العدالة والتنمية" يبحث عن قضايا يعكس من خلالها شرعية وجوده، مشيراً إلى أنه حالياً يبحث عن معنى له ولمناضليه من خلال 3 قضايا، هي التطبيع والأداء الحكومي وسجال الإرث.
إسماعيل حمودي: "العدالة والتنمية" يبحث عن قضايا يعكس من خلالها شرعية وجوده
وأضاف: "تطرح إثارة الحزب لقضية التطبيع أسئلة عن الهدف منها: هل الأمر مرتبط بمحاولة للحصول على البراءة، أم أنه يعيد طرح نقاش الاختصاصات؟ على كل، يمكن القول إنه إذا كان الهدف الأول، فقد حصل عليه من خلال بيان الديوان الملكي، أما إذا كان الهدف فتح النقاش حول الاختصاصات الدستورية، فسيكون أمراً آخر يحتاج إلى المزيد من الوقت للتأكد منه".
ورأى حمودي أن "العدالة والتنمية حزب شرعي وترأس الحكومة لعشر سنوات، وأن الحديث عن التوتر مع المؤسسة الملكية لا معنى له، فهو حزب ملكي وشرعي، وكل من يقول عكس ذلك تحكمه نوازع ذاتية وغير موضوعية".
استبعاد التوتر بين القصر و"العدالة والتنمية"
واستبعد المحلل السياسي بلال التليدي، أن تدخل علاقات القصر بحزب "العدالة والتنمية" في حالة توتر، أو أن يكون بيان الديوان الملكي إيذاناً بمرحلة من القطيعة. ولفت إلى أن البيان لم يتوجه إلى قيادة الحزب أو الأمين العام، بل خص بالمناقشة فقرة وردت في بيان الأمانة العامة، ولم يجعل مضمونه استهداف حزب بعينه.
وقال التليدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن بيان الديوان الملكي يتضمن رسائل سياسية واضحة، أولها تأكيد حصرية السياسة الخارجية وسياديتها، وكونها اختصاصاً حصرياً للملك، حيث إنه، للمرة الأولى، يجري الحديث عن أن هذه الحصرية ليست مجرد تقليد، بل اختصاص دستوري.
وثانية الرسائل، وفق التليدي، ليست مقتصرة على "العدالة والتنمية"، بل على الفرقاء السياسيين كافة، ومضمونها أن المرحلة التي يمر بها المغرب على مستوى العلاقات الدولية معقدة، وأنه يصعب على أي مكون سياسي لا يمتلك المعلومات الكافية، والمعطيات المتغيرة، أن يخوض فيها، أو أن يكون له رأي يدعي فيه أنه يخدم مصلحة الوطن، وأن الملك قائم على هذا الشأن، ويتخذ مواقف بناءً على قراءة لمجمل التطورات ضمن هذه الوضعية المعقدة.
أما الرسالة الثالثة، بحسب التليدي، فهي ترتبط بالتذكير بالموقف المغربي من العلاقات مع إسرائيل، وهذا التذكير موجه للفرقاء السياسيين، ويؤكد أن هذا الموقف ينبغي أن يفهم في سياقه، لافتاً إلى أن "البيان قد يكون كذلك رداً على جهات خارجية".