استمع إلى الملخص
- محكمة العدل الأوروبية تلزم بتعديل ملصقات المنتجات من الصحراء الغربية، مما قد يؤثر على العلاقات التجارية، بينما تعتبر البوليساريو القرار نصراً تاريخياً للشعب الصحراوي.
- الصراع بين المغرب والبوليساريو ينتقل إلى الساحة القانونية والاقتصادية، مع التركيز على إدارة الموارد الطبيعية في الصحراء وتأثير الأحكام القضائية الأوروبية.
أعلن المغرب اليوم الجمعة، أنه "غير معني بتاتاً" بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري بين الرباط وبروكسل، مطالباً المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة من أجل احترام التزاماتها الدولية والحفاظ على مكتسبات الشراكة بين الجانبين.
وكانت محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت قراراً، صباح اليوم الجمعة، يقضي بإلغاء اتفاقية الصيد البحري والزراعة التي تم توقيعهما بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية في عام 2019. واعتبرت المحكمة في قرارها أنّ "شعب الصحراء الغربية" لم يستشر بشأن هذه الاتفاقيات، التي شملت موارد الصيد البحري والمنتجات الزراعية،إذ اعتبرت أنهما يشكلان خرقاً لقراراتها، خاصة قرار 2016 و2018، والذي يعتبر أنً "ضم إقليم الصحراء إلى اتفاقية الصيد يخالف بعض البنود في القانون الدولي"، باعتباره إقليماً متنازعاً عليه. ووفقاً للحكم يعد إبرام هذه الاتفاقيات مع المغرب خرقاً لمبدأ "الأثر النسبي للمعاهدات"، إذ "لا يمكن لاتفاقية دولية أن تؤثر على حقوق وموارد شعب لم يشارك أو يوافق عليها"، بحسب تعبير القرار.
وفي أول تعليق رسمي، أكدت الخارجية المغربية، في بيان لها، أنّ المملكة تعتبر نفسها "غير معنية بتاتاً" بقرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري، وأنها لم تشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة. وقالت الوزارة، في بيان لها، إنّ "المغرب ليس طرفاً في هذه القضية، التي تهم الاتحاد الأوروبي من جهة، والبوليساريو المدعومة من قبل الجزائر من جهة أخرى"، مشيرة إلى أن المغرب لم يشارك في أي مرحلة من مراحل هذه المسطرة، و"بالتالي يعتبر نفسه غير معني بتاتاً بهذا القرار".
وتابعت الوزارة أنّ "مضمون القرار تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع محل شبهات"، وهو ما يؤشر في أحسن الأحوال على "جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازاً سياسياً صارخاً". وقالت إنه "في إطار هذا الزخم، سمحت المحكمة لنفسها بتجاوز الهيئات الأممية المختصة ومعارضة مواقفها ومقارباتها الثابتة"، لافتة، في المقابل، إلى أنّ المحكمة العليا البريطانية كانت "قد أبانت بخصوص حالة مشابهة تماماً عن قدر أكبر من التبصر والحياد والإلمام القانوني".
إلى ذلك، طالب المغرب المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة من أجل احترام التزاماتها الدولية والحفاظ على مكتسبات الشراكة وتمكين المملكة من الضمان القانوني الذي يحق لها التمتع به بكيفية شرعية، وذلك بصفتها شريكاً للاتحاد الأوروبي بشأن العديد من الرهانات الاستراتيجية. وجدد المغرب تأكيد "موقفه الثابت إزاء عدم الالتزام بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية والوطنية".
وإلى جانب إلغاء الاتفاقية، ألزمت محكمة العدل الأوروبية بضرورة تعديل ملصقات المنتجات الزراعية التي يتم حصادها في الصحراء مثل الطماطم والبطيخ، مؤكدة وجوب الإشارة إلى هذه المنطقة بوصفها بلد منشأ وليس المغرب. ويتوقع مراقبون أن تكون لقرار المحكمة الأوروبية تداعيات واسعة على العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، خصوصاً في ما يتعلق بالصادرات من المنتجات الزراعية والأسماك التي تشكل جزءاً مهماً من التعاون الاقتصادي بين الجانبين. كما من شأنه أن يفتح الباب أمام إعادة التفاوض حول شروط الاتفاقيات.
وفي تعليقها على القرار، سارعت المفوضية الأوروبية إلى تأكيد أنها تعمل على مواصلة تعزيز العلاقة المميزة التي تحافظ عليها مع المغرب. وقالت متحدثة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، نبيلة مصرالي، إنّ المفوضية تقوم حالياً بدراسة محتوى الحكم، مؤكدة أنّ بروكسل "عازمة على الحفاظ على العلاقة المميزة مع الرباط ومواصلة تعزيزها في جميع جوانب الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب".
من جهتها، وصفت جبهة البوليساريو قرار محكمة العدل الأوروبية، بأنه "نصر تاريخي"، بعدما رفضت المحكمة الطعون التي تقدم بها مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي، ضد قرار أصدرته المحكمة الأوروبية العامة في سبتمبر/ أيلول الفائت كان يقضي بإلغاء هاتين الاتفاقيتين.
وجاء قرار البطلان هذا في أعقاب طعن تقدم مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2021 أمام محكمة العدل الأوروبية، ضد قرار محكمة الاتحاد الأوروبي الذي صدر في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، القاضي بإلغاء الاتفاقيتين، ويعد هذا القرار نهائياً، وغير قابل للطعن. ووصفت جبهة البوليساريو على لسان المكلف بملف التقاضي أمام المحكمة الأوروبية أبي بشراي البشير، قرار محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، في بيان، بأنه "انتصار عظيم للقضية الصحراوية، ونصر تاريخي للشعب الصحراوي".
وذكر بيان الجبهة أنّ قرار محكمة العدل الأوروبية "يؤكد عدم شرعية اتفاقيات الاتحاد الأوروبي والمغرب التي تم إبرامها في انتهاك لحق الشعب الصحراوي في الموافقة وفي سيادته الدائمة على موارده الطبيعية، وبكون الصحراء الغربية تتمتع بوضع منفصل ومستقل عن الأراضي المغربية، وأن الشعب الصحراوي يشكل طرفًا ثالثًا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، ولا بد من موافقته"، وفق البيان. واعتبر أنّ الخطوة الأخيرة تعني أنّ "جبهة البوليساريو تمتلك الأهلية القانونية للتقاضي أمام محاكم الاتحاد الأوروبي، في أي قضية تتعلق بالسلامة الترابية للصحراء الغربية واستغلال مواردها الطبيعية. هذا الإنجاز الحاسم سيمنع أي تحايل مستقبلي على أحكام القضاء"، وفق البيان.
وخلال السنوات الماضية، كان لافتاً انتقال الصراع بين المغرب و"البوليساريو" على الصعيد الدولي، من النطاق السياسي، ليشمل البعدين القانوني والاقتصادي، وذلك بعد أن عمدت الجبهة الانفصالية ابتداء من عام 2008، إلى انتهاج استراتيجية جديدة تقوم على توظيف ورقة الثروات في الصحراء. وأقامت عدداً من الدعاوى أمام المحاكم الدولية، واستفادت من بعض المتضامنين الأجانب معها، لأجل منع استيراد دول أوروبية لمنتجات الصحراء البحرية والزراعية، كما أسست هيئات سياسية وقانونية لمتابعة الملف في تندوف (جنوب غربي الجزائر) وفي الخارج.
وبينما تعد مسألة إدارة الموارد الطبيعية في الصحراء إحدى أبرز المعارك التي يخوضها المغرب و"البوليساريو"، والتي اتضحت كثيراً مع قضية اتفاق الصيد البحري مع المغرب والاتحاد الأوروبي، وأيضاً على مستوى إنتاج الفوسفات، تطرح أكثر من علامة استفهام حول دلالات الأحكام القضائية الأوروبية الصادرة، أخيراً، ومدى تأثيرها على الصراع القانوني والاقتصادي القائم بين المغرب و"البوليساريو".