المغرب العربي الممزّق

19 اغسطس 2024
تظاهرة في تونس احتجاجاً على العدوان على غزة، 17 أغسطس الحالي (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في فصل الصيف، تتزايد لقاءات التونسيين مع الجزائريين والليبيين في المدن الساحلية، مما يعكس عمق العلاقات بين الشعوب رغم الخلافات الحكومية المستمرة.
- الحكومات المغاربية تفشل في تطوير اقتصاد قوي رغم الثروات الطبيعية، مما يؤدي إلى الفقر والتخلف والاحتياج، مع استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية.
- المواطنون يرفضون الانقسامات ويرغبون في فتح الحدود لتعزيز التجارة وتوفير فرص للشباب، بينما تستفيد إسرائيل من هذا الانقسام لتحقيق مصالحها.

في فصل الصيف، يلتقي التونسيون أشقاءهم الجزائريين والليبيين بكثافة كبيرة في المدن الساحلية التي تعوّدت أن تفتح أبوابها لآلاف الوافدين من الجارتين. هو مشهد متواصل على مدار السنة، لكنه يتزايد في فصل الصيف، وكأنه يوجّه رسالة دائمة، إلى التاريخ والجغرافيا، عن عمق العلاقات التي تجمع الشعوب، على الرغم من حلقات مريرة تسبّبت فيها حكومات هذه البلدان، طيلة عقود، ولم تتوقف عن ذلك إلى اليوم.

يقفز المواطنون في البلدان المغاربية فوق خلافات السلطات التي لا تتوقف أبداً، والمثير والمستفز هو أن هذه الحكومات تتوارث خلافاتها وأحقادها منذ عقود، لتحافظ على ذات الانقسام وتدعم القطيعة، كأنها تعيش منها وتحكم بها. جرَّبت فينا كل أنماط الحكم، وكلها فشلت في تطوير اقتصاد لا يحتاج أي عبقرية ليجعل من المنطقة أغنى وأرقى مناطق العالم، ففيها البترول والغاز والمعادن والمناطق الزراعية الشاسعة والبحر، والتموقع الاستراتيجي في قلب العالم، وعلى الرغم من ذلك، انظروا من حولكم، فقر وتخلّف واحتياج.

أزمة اقتصادية وسياسية في كل بلد مغاربي، خلافات داخلية لا تتوقف، لا انتخابات حرة، لا مؤسسات ديمقراطية، لا عدل، لا أمل للشباب، صراعات تشق الجميع. ما يحدث في ليبيا هذه الأيام ينذر بالأسوأ، ويهدد بعودة أصوات السلاح وبنشر الخوف من جديد بعدما هدأت الأمور لفترة، والخلافات في كل من تونس والجزائر لا تؤشر على مستقبل أفضل. القطيعة بين الجزائر والمغرب لحقتها قطيعة بين تونس والمغرب، ماذا جنينا منها؟ لا شيء سوى ما قد يبدو بعض كبرياء الحكام.

هل يعتقد أحد أن المواطنين في هذه البلدان يكترثون حقاً لخلافات الساسة منذ عقود؟ أبداً، على الرغم من كل محاولات التدجين والبروباغندا المتواصلة منذ سنين. لكنهم يذعنون لسطوة السلطة، ولإرادة القوي القاهر. وهم بالتأكيد يرفضون هذا الانقسام ويريدون فتح الحدود بين الأشقاء، لتزدهر التجارة وتتحرر وتفتح آفاقاً أرحب أمام الشباب حتى يتوقفوا عن المجازفة بإلقاء أنفسهم في البحر بحثاً عن فرصة، بينما هي قريبة منهم.

ينبغي ألا نبحث بعيداً عن سر سيطرة إسرائيل وحلفائها علينا، هذا أحد الأمثلة عن أسباب استباحتهم لنا، هذا المغرب العربي الذي فشل، على الرغم من ثرواته وغناه، في توفير عيش كريم لأبنائه. هذا الجسد الممزّق وهذا الانقسام المتواصل هما اللذان يمنحان إسرائيل الفرصة تلو الأخرى للتجاسر على أشقائنا المعزولين هناك في الأرض الفلسطينية المحتلة. هذا ما يريده الأعداء تحديداً، ويبذلون من أجله كل جهد؛ إبقاء القطيعة وتغذية أسبابها باستمرار حتى لا تنطفئ نارها. فرِّق تسُد.