ارتفع عدد المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب في المغرب المستفيدين من برنامج "مصالحة"، الذي أطلقته السلطات المغربية في عام 2017 من أجل إدماجهم في المجتمع، إلى 272 معتقلاً، بعد استفادة 20 معتقلاً من الدورة الـ12 من البرنامج، التي اختتمت اليوم الجمعة.
وبحسب المعطيات التي كشفت عنها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، اليوم الجمعة، فقد أفرج عن 202 معتقل، توبعوا بموجب قانون الإرهاب، بينهم 150 معتقلاً بموجب عفو ملكي، إضافة إلى تخفيض العقوبة لفائدة 23 نزيلاً آخرين، لتصل نسبة الاستفادة من العفو الملكي 66.79 في المائة.
أخلى "مصالحة" سجون المغرب من النزيلات المعتقلات
في حين استفادت من البرنامج، الهادف إلى "مصالحة المعتقلين مع الذات والنص الديني والمجتمع"، 10 معتقلات، أفرج عنهن جميعاً، 8 منهن جرى الإفراج عنهن بعفو ملكي، واثنتان بعد نهاية مدة عقوبتيهما، بذلك جرى "إخلاء المؤسسات السجنية من معتقلات التطرف والإرهاب".
وقضى المستفيدون من "مصالحة" أكثر من ثلاثة أشهر من التحصيل والتكوين والأنشطة التأهيلية على أيدي خبراء ومختصين، إذ استغرق البرنامج التأهيلي 180 ساعة، وضعفها من الأنشطة الموازية.
وشمل التكوين عدداً من المحاور، منها تفكيك خطاب التطرف، وتصحيح نظرة النزيل المستفيد إلى المجتمع وإلى الآخر، بهدف التخلي عن التصورات الإقصائية، والتحلي بتصورات بديلة تتسم بالانفتاح، و"فهم النص الديني فهماً صحيحاً". كما استفاد المعتقلون من التأهيل القانوني والحقوقي في "مصالحة"، بهدف فهم واستيعاب الإطار القانوني المنظم للمجتمع، إضافة إلى الاستفادة من التأهيل النفسي.
ومنذ التفجيرات التي شهدتها الدار البيضاء في 16 مايو/ أيار 2003، وذهب ضحيتها 45 شخصاً، بينهم 12 انتحارياً، جرى اعتقال أكثر من 8000 مواطن، صدرت أحكام مختلفة بحق أكثر من ألف منهم، بينهم 17 حكم عليهم بالإعدام، في حين أطلق سراح عدد منهم على فترات، لانتهاء المحكومية، أو بموجب عفو ملكي.
وبعد صدمة أحداث الدار البيضاء الإرهابية، التي جاءت في سياق دولي يتسم بارتفاع تحدي الجماعات المتطرفة، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، باشرت الدولة بمحاولات مختلفة لتحييد خطر "المتشددين" داخل السجون وخارجها، ومن ذلك عفو الملك محمد السادس في السنوات الأخيرة عن عدد من المعتقلين على ذمة قضايا إرهاب.
وتوالت المبادرات لإيجاد حل للمعتقلين على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، من قبل جمعيات حقوقية ومؤسسات وشخصيات حقوقية وسياسية. كما دخلت الدولة، بشكل غير رسمي، في حوار داخلي مع بعض رموز السلفيين المعتقلين، الذين تقدموا بمبادرات "حسن نية" تحت مسمى "مراجعات"، أخذت صيغ بيانات ووثائق، ماضية في "المراجعة والمصالحة"، بهدف إطلاق سراح باقي المعتقلين على أساس "التوبة"، والاندماج السليم في المجتمع والاعتراف بالثوابت الوطنية.
وكشفت محاولات الدولة، سواء الرسمية أو غير الرسمية، للدخول في مفاوضات مع معتقلي السلفية الجهادية من داخل السجون، عن إدراكها أن السجن ليس حلاً دائماً لمشكلة التطرف في البلاد. تبعاً لذلك، تحول تركيزها نحو تفكيك الخطاب المتطرف لدى "المتشددين القابلين لإعادة التأهيل".
وكانت المحصلة إطلاق المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بشراكة مع الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، في عام 2017، برنامج "مصالحة"، الذي يعمل على محاربة التطرف بالاعتماد على التربية الدينية، والمواكبة النفسية، وتنظيم ورش عمل تعنى بالقانون، ونشر ثقافة حقوق الإنسان، وتقديم تأطير سياسي اقتصادي.
ويشرف على برنامج "مصالحة" مختصون وكوادر دينيون، ويستهدف سجناء مدانين في قضايا التطرف والإرهاب، من خلال التركيز على ثلاثة محاور: المصالحة مع الذات، ومع النص الديني، ثمّ مع المجتمع، وذلك كله بهدف البحث عن مداخل لمراجعات ذاتية يقوم بها المعتقلون السلفيون، للاندماج في البيئة الاجتماعية بعد الإفراج عنهم.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه المندوبية العامة لإدارة السجون أن برنامج "مصالحة يشكل تجربة فريدة من حيث مضامينه وأهدافه وطريقة تنفيذه"، كان لافتاً كشف تقرير برلماني عن وضعية السجناء، في يوليو/ تموز 2020، عن مطالب لمعتقلي "السلفية الجهادية" بتوسيع مجال الاستفادة من برنامج "مصالحة"، مبدين استغرابهم من بقائهم قيد الاعتقال "في الوقت الذي أطلق فيه سراح قادة التيار السلفي".