المعارضة تشتدّ في وجه ماكرون بعد تمرير قانون إصلاح التقاعد بالقوة

المعارضة تشتدّ في وجه ماكرون بعد تمرير قانون إصلاح التقاعد بالقوة

17 مارس 2023
تشهد باريس ومدن أخرى تظاهرات حاشدة رفضاً للقانون (فراس عبد الله/الأناضول)
+ الخط -

تشتدّ المعارضة في وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته، الذي يواجه أخطر تحدٍّ لسلطته منذ ما يُعرف باحتجاجات السترات الصفراء، وذلك غداة تمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد بالقوة، مع استعداد أحزاب المعارضة لتقديم مذكرات بحجب الثقة، في وقت يتصاعد فيه الغضب في الشارع.

ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور لتبنّي مشروع القانون، من دون تصويت في الجمعية الوطنية، نكسة بالنسبة إلى ماكرون، الذي رَهَن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح، جاعلاً منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.

وبعد إجراء الحكومة لتبني الإصلاح بالقوة، سيسعى المعارضون إلى دفع السلطة التنفيذية إلى أزمة سياسية. ومن المرجّح أن تقدم ثلاث تشكيلات مذكرات بحجب الثقة، قبل انتهاء المهلة في منتصف بعد الظهر، هي "التجمّع الوطني" اليميني المتطرف، وائتلاف الأحزاب اليسارية "نوبيس"، ومجموعة وسطية صغيرة منشقّة.

وسيتمّ التصويت عليها بعد 48 ساعة على الأقل، وعلى الأرجح الإثنين. ومن أجل إسقاط الحكومة، ينبغي أن تجمع غالبية مطلقة من النواب على ذلك. ويبدو ذلك صعب التحقيق، في ظل الغالبية النسبية التي يملكها الائتلاف الحكومي، بينما أكد حزب "الجمهوريين" اليميني الذي يلعب دوراً محورياً، أنه لن يصوّت لصالح أي منها. ولكن بعض نواب "الجمهوريين" المتمرّدين قد يخرجون عن خط الإجماع الرسمي على مستوى حزبهم.

وقال النائب عن "الجمهوريين" أوريليان برادييه لقناة "بي اف ام تي في": "نواجه مشكلة ديمقراطية، لأنّ هذا النص الذي سيغيّر حياة الفرنسيين، سيتمّ تبنّيه من دون أن يجري أدنى تصويت في الجمعية الوطنية"، وأضاف "على الكل أن يقدّر خطورة الوضع، وخطر القطيعة الديمقراطية الذي تواجهه بلادنا".

بدورها، ستسعى النقابات إلى بثّ روح جديدة في التظاهرات والإضرابات التي تؤثر على حياة الفرنسيين منذ منتصف يناير/كانون الثاني، والتي بدأ زخمها يتراجع.

تظاهرات متوقعة

ودعت النقابات إلى تجمّعات اليوم الجمعة وخلال نهاية الأسبوع، إضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس في 23 مارس/آذار، وندّدت بتمرير مشروع القانون بـ"القوة"، مشيرة إلى "المسؤولية التي تتحمّلها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار، وهو إنكار حقيقي للديمقراطية".

في هذه الأثناء، قامت قوّات إنفاذ القانون، مساء الخميس، بتفريق متظاهرين في ساحة الكونكورد حيث تجمّع آلاف المحتجّين. وتم اعتقال 310 أشخاص، الخميس، بينهم 258 في باريس وحدها، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان مساء لشبكة "إر تي إل".

كما وقعت حوادث في مدن كبرى أخرى، مثل رين، ونانت، وأميان، وليل، وغرونوبل. وفي مارسيليا (جنوب)، حطّم شبّان ملثّمون واجهة أحد المصارف ولوحة إعلانية، بينما أضرم آخرون النار في حاويات قمامة هاتفين "تسقط الدولة والشرطة وأرباب العمل"، حسبما أفاد مراسل وكالة "فرانس برس".

وقالت كارين مانتوفاني، وهي متظاهرة في غرونوبل: "كنت أقول لنفسي إنهم سيحترمون الديمقراطية قليلاً. من الواضح أنّني ساذجة للغاية، لذلك فوجئت، كنت أعتقد أنهم لن يجرؤوا على استخدام المادة 49.3"، وأضافت "الكل يتذمّر، ولكن بدون أن يحصل تحرك"، مبدية "غضبها".

من جهتها، دعت رئيسة كتلة "النهضة" (الحزب الرئاسي)، في الجمعية الوطنية أورور بيرجي، الخميس، وزير الداخلية إلى "تعبئة أجهزة الدولة... لحماية نواب" الأغلبية.

بدوره، قال زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون "حدث شيء مهم وهو أن حشوداً تلقائية تجمعت في مختلف أنحاء البلاد"، وأضاف "بكل وضوح أشجعهم".

قمامة

تتبادل الحكومة والمعارضة الاتهامات بشأن دفع البلاد إلى العنف. واتهم النائب عن "حزب الخضر" الذي ينتمي إلى ائتلاف الأحزاب اليسارية (نوبيس) جوليان بايو، الحكومة، الخميس، بأنّها "مستعد لإثارة الخراب في البلاد".

من جهتها، أعربت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن عن "صدمتها الكبيرة" حيال سلوك بعض نواب المعارضة، وحذّرت من أنهم "يريدون الفوضى في الجمعية الوطنية وفي الشارع".

وتسبّبت الإضرابات المستمرّة منذ عدّة أيام في قطاعات الطاقة، والموانئ، وجمع النفايات، في إحداث اضطرابات، فيما قد تحدث المزيد من الاضطرابات اليوم. وفي باريس، حيث تغطّي أطنان النفايات عدداً من الشوارع، ستقوم السلطات باستدعاء موظفين لإزالة القمامة.

الصورة
النفايات تغطّي شوارع باريس (برتران غواي/فرانس برس)
تغطّي أطنان النفايات عدداً من الشوارع في باريس بسبب الإضرابات (برتران غواي/فرانس برس)

ووفقاً لبورن، فإن قرار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور اتخذ "جماعياً" بين الحكومة ورئيس الدولة. غير أنّه يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه انتكاسة لماكرون، بعد عدّة أسابيع من المحادثات مع الأحزاب السياسية والنقابات.

واعتبرت صحيفة "لوموند" أن تمرير المشروع بالقوة "كاشفٌ لعزلة إيمانويل ماكرون". وقالت صحيفة "ليبراسيون" اليسارية من جهتها، إنّ "بقية فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات ستواجه عقبات بصورة دائمة".

من جهته، تحدث الأمين العام لـ"الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل" لوران برجيه عن "غرق"، في إشارة إلى الإصلاح. حتّى أنّ مسؤولاً في المجموعة الرئاسية في الجمعية الوطنية اعتبر أنّ "هذا تحطّم"، وأضاف مشترطاً عدم الكشف عن هويته: "يجب حلّ" الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة.

ويمدّ تعديل المعاشات سنّ التقاعد عامين، ليكون عند 64 عاماً، وهو ما تقول الحكومة إنه ضروري لضمان ألا تفلس المنظومة. ولا تتفق النقابات وأغلب الفرنسيين مع الحكومة.

والفرنسيون مرتبطون بشدة بإبقاء سن التقاعد الرسمي عند 62 عاماً، وهو من بين الأقل بين نظرائه في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

(فرانس برس، رويترز)