أسفرت النتائج النهائية للانتخابات العامة النرويجية التي جرت، أمس الاثنين، عن فوز حاسم لمعسكري اليسار ويسار الوسط، فيما مُني معسكرا اليمين ويمين الوسط بخسارة كارثية.
وبحسب النتائج النهائية التي ظهرت فجر اليوم الثلاثاء، فقد حقق معسكر "أحمر- أخضر" تقدماً كبيراً بحصوله على 100 مقعد من أصل 169 في البرلمان النرويجي، إذ حظي حزب "العمل" بزعامة يوناس غار ستورا (61 عاماً)، على 48 مقعداً بعد فوزه بأكثر من 26% من الأصوات، ليتيح ذلك لستورا إمكانية ترؤس حكومة جديدة.
من جهتها، اعترفت رئيسة حكومة ائتلاف اليمين إرنا سولبيرغ، بهزيمة معسكرها "أزرق"، بعد حصوله على 68 مقعداً، ليجعله بعيداً عن تحقيق تأييد 85 برلمانياً لاستمراره في الحكم.
ويُعَدّ هذا الخروج هزيمة كبيرة لأحزاب اليمين بعد 8 سنوات من الحكم، ونجاحاً كبيراً لأحزاب اليسار، وخصوصاً حزبي "اليسار الاشتراكي" الذي حقق نتيجة 7.5%، وفاز بـ13 مقعداً، و"الأحمر" (أقصى اليسار) الذي حقق فوزاً بنسبة 4.7% بواقع 8 مقاعد، في نتيجة غير مسبوقة لهذا الحزب الذي كرر محاولة اقتحام البرلمان منذ 2005.
واعتبر زعيم الحزب "الأحمر" بيورنار موكسنيس، أنّ نتيجة الانتخابات تعني "نهاية سياسة حكم أصحاب المليارات وبداية مكافحة اختلال المساواة الاجتماعية"، متوعّداً "الليبرالية الجديدة باقتراب نهايتها في البلد".
وبيّنت النتائج أنّ حزب "الوسط" (يسار وسط) حقق أيضاً تقدماً بأكثر من 3% عن انتخابات 2017، ما منحه المرتبة الثانية بعد "الحزب الاجتماعي الديمقراطي" (العمل) بواقع 18 مقعداً، وهو ما يلقي على كاهله الجزء الأكبر لتحقيق توافق مع " اليسار الاشتراكي" لدعم حكومة ائتلافية بزعامة "الديمقراطي".
ولعبت قضايا البيئة والمناخ والضريبة وكورونا دوراً رئيساً في حسم اتجاه الناخبين النرويجيين في 19 دائرة انتخابية نحو التصويت يساراً. ورغم أنّ عتبة الحسم في النظام الانتخابي تتطلب الحصول على 4% من أصوات الناخبين (للتمثيل بأربعة نواب) إلا أنّ النظام يعتمد على تكافؤ الفرص بين الأحزاب، حيث يمنح الأصوات الفائضة للحزب الذي حصل على 3.9% ليتمكّن من التمثيل بمقعدين، وإذا حصل على 4.1% يمنح بين 6 و8 نواب، وهو ما صبّ في مصلحة أحزاب صغيرة، من بينها حزب "الخضر" الذي حقق 3.8%، ورغم ذلك مكنه نظام تكافؤ الفرص من الحصول على تمثيل بـ3 نواب.
وكان زعيم يسار الوسط، ستورا، قد ذهب إلى انتخابات، أمس الاثنين، بسقف منخفض عما حققه حزبه في 2017 (27%)، معتبراً أنه سيكون انتصاراً لو حقق الحزب نتيجة 17%، ورغم ذلك جاءت الأزمات المتعاقبة لحكومة اليمين المحافظ، بما فيها كورونا والاهتمام الشعبي بالتغيرات المناخية والقضايا الضريبية، لتؤثر في شعبية معسكري اليسار ويسار الوسط، فيحقق معسكره نتيجة أفضل من تلك التي توقعتها حتى الاستطلاعات التي منحته ما يقارب 92 مقعداً، بينما حقق 100 مقعد.
وقال ستورا، في أول تعقيب له على نتيجة الانتخابات، إنّ النتائج "تظهر أنّ الشعب النرويجي يريد مجتمعاً أكثر إنصافاً"، متعهداً بفرض سياسة ضريبية "عادلة وفي مصلحة الناس العاديين".
وتُعَدّ هذه النقطة إلى جانب قضايا حيوية، محوراً حاسماً في اختيار تأييد معسكر اليسار لحكومة برئاسة يوناس غار ستورا، وخصوصاً تلك المتعلقة برفع نسبة الضريبة على الطبقات الأكثر ثراءً التي ينتمي إليها بالأصل ستورا، المصنف كواحد من أصحاب الملايين بفضل انتسابه إلى طبقة رجال الأعمال، إذ يطلق عليه محلياً "المليونير الاجتماعي الديمقراطي".
وفي تعقيبها على نتائج الانتخابات، اعتبرت رئيسة الوزراء المحافظة إرنا سولبيرغ، التي تحكم منذ 2013، أنّ الشعب اختار بأغلبية واضحة تغيير شكل الحكم في البلاد، بعد تراجع حزبها "هويرا" (اليمين) من 25% إلى نحو 20%.
وأظهرت النتيجة تراجع الحزب اليميني المتشدد "التقدم" بشكل ملحوظ منذ تحقيقه أكبر نتيجة في 2009 بواقع نحو 23%، إلى حوالى 11% في انتخابات الاثنين.
ستورا: النتائج تظهر أنّ الشعب النرويجي يريد مجتمعاً أكثر إنصافاً
وسبّب هذا الحزب صاحب التوجه القومي المتشدد أزمات متتالية للحكومة بسبب تصلبه في مواقف تتعلق بالمسلمين، وآخرها انسحابه من الائتلاف الحاكم في خريف 2020 على خلفية سماح أوسلو لنساء نرويجيات ملتحقات بتنظيم "داعش"، ومعتقلات في سورية، بالعودة إلى بلادهن برفقة أطفالهن.
تعارض اليسار ويسار الوسط
باستثناء النتيجة التي أظهرتها الانتخابات، جربت النرويج تحالف الحكم بين معسكر "أخضر – أحمر" في الفترة الممتدة بين 2005 و2013 في عهد رئيس الوزراء ينس ستولتنبيرغ الذي يتولى حالياً منصب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث اتسمت تلك الفترة بتعارض أحزاب ذلك المعسكر، ما مكن اليمين من تحقيق فوزه وحكم البلاد 8 سنوات.
لكن يبدو أن المعسكر استخلص من تجاربه السابقة، إذ يرى محللون في الشؤون الانتخابية، أنّ كل التحديات التي عاشتها البلاد وزيادة الوعي وضرورة تطبيق المساواة والعدالة اجتماعية بين الشعب، ستدفع هذا الائتلاف نحو تسويات تطبق وعود "التغيير الجذري"، وهو ائتلاف من المتوقع أن يشكل أضلاعه "الاجتماعي الديمقراطي" (العمل) و"الوسط" و"اليسار الاشتراكي".
ولا يعني هذا الفوز أنّ الاضطراب السياسي لن يحضر في الحياة السياسية في أوسلو، وخاصة في ما يتعلق بتعارض المطالب التي يشدد عليها "الاشتراكيون" و"الخضر" مع "الاجتماعي الديمقراطي"، وتحديداً حول تلك المطالبات بوقف النرويج التنقيب عن مزيد من النفط والغاز بشكل تام، مقابل الالتفاف نحو مصادر الطاقة البديلة، في بلد هو الأكبر في أوروبا الغربية لناحية إنتاج الطاقة.
إضافة إلى ذلك، تبرز قضية فرض المزيد من الضرائب على أصحاب المداخيل المرتفعة التي يصرّ عليها اليسار، إلى جانب مطلبه مع "الخضر" فرض ضريبة بثلاثة أضعاف على ثاني أكسيد الكربون.
أما في السياسة الخارجية، فيبدو التعارض واضحاً لناحية معارضة "اليسار" عضوية بلدهم في "الناتو"، وكذا المطالبات بضرورة التوقف عن التعاون مع الاتحاد الأوروبي (غير عضو فيه)، والاستعاضة عنها باتفاقيات ثنائية بين الدول، وهو ما يعارضه يسار الوسط الذي يرى أنّ تعاون أوسلو مع المعسكر الأوروبي يعود على البلاد بفوائد كثيرة تتعلق بالسوق المفتوحة.