المعارضة السورية تلوح بالانسحاب من اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف... والدول الضامنة تتدخل
تشهد مفاوضات اللجنة الدستورية السورية في جنيف ليلة ساخنة، اليوم الخميس، تتخللها اجتماعات ومشاورات كثيرة بين الأطراف المعنية، مع تلميح من وفد المعارضة بتعليق مشاركته في المفاوضات إذا لم تثمر هذه الجهود في التأثير على وفد النظام الذي يواصل سياسته في تضييع الوقت، وتجنب الدخول في مناقشة القضايا الجوهرية.
وقال الناطق الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية، عضو اللجنة الدستورية الموسعة، يحيى العريضي، اليوم الخميس، إنّ جلسات اللجنة في جنيف "تتوجه نحو التعليق، إذا لم تثمر هذه الجهود عن نتيجة، لكن لا شيء رسمياً حتى الآن".
وأضاف العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "إذا استمر وفد النظام بهذا الشكل لا بد من حصر المسؤولية عن التعطيل وتسمية النظام بوصفه الطرف المعطل، من خلال عدم التزامه بجدول الأعمال ومخالفة ما تم الاتفاق عليه".
وشدد المتحدث باسم الهيئة على أنّه "إذا حدث تعليق للمفاوضات، فسيكون ذلك انطلاقاً من أمرين: الأول تحديد المسؤول عن التعطيل، وهو النظام، والثاني أن من سيقوم بإعلان التعليق هو الأمم المتحدة".
وأوضح أنّ "الليلة سوف تشهد اجتماعات ومشاورات كثيرة مع المبعوث الدولي (غير بيدرسون) ووفود أخرى عديدة من روسيا وإيران وتركيا، ونحن بانتظار أن تثمر هذه الجهود عن نتيجة، وبناء على ذلك سيكون موقفنا".
وحول ما إذا كان الروس عاجزين فعلاً عن الضغط على وفد النظام لإلزامه بالتعامل الجدي مع المفاوضات، قال العريضي "لا نستطيع أن نحكم على موقف الروس، قد يكونون جادين ولا يستطيعون التأثير على وفد النظام، أو قد يكون لهم أهداف أخرى، وهم ينسقون مع وفد النظام".
وأضاف أنّ "ما تم الاتفاق عليه قبل بدء الجولة هو جدول أعمال واضح المعالم للحديث في مبادئ دستورية والدخول بكتابة الدستور، لكن أتى النظام ليواصل ما كان يفعله بالجولات السابقة، والحديث عن قضايا لا علاقة بولاية أو مهمة اللجنة أو القواعد الإجرائية المتفق عليها، فهذا كله مدعاة لتخريب وتعطيل وتضييع الوقت".
في غضون ذلك، ذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أنّ مفاوضات جنيف "لم تحقق أي تقدم حتى الآن، وأن الفوضى تسود الاجتماعات، حيث يطرح كل طرف ما يحلو له دون الإصغاء للطرف الآخر".
وكان عضو اللجنة الدستورية السورية، طارق الكردي، قد ذكر أنّ وفد النظام رفض 10 مواد دستورية قدمتها المعارضة، متهماً وفد النظام بالإصرار على البقاء في مربع المناكفات.
ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن الكردي قوله، في وقت سابق، إنّ "النظام لا يزال يرفض الانخراط الحقيقي في أعمال اللجنة المعنية بمناقشة المبادئ الدستورية، ويحاول أن يظل في إطار المماحكات والمناكفات، بعيداً عن العمل التقني لصياغة الدستور".
وأوضح أنّ المعارضة السورية لم تقدم في اجتماعات جنيف مسودة دستور كاملة، وإنما 10 مواد دستورية منضبطة الصياغة، لكن النظام رفض مناقشتها من الأساس، رغم أن جدول أعمال الجولة الخامسة يتركز على إقرار مبادئ الدستور الأساسية.
ووجه الكردي رسالة للسوريين قائلاً "نحن نريد حلاً سياسياً حقيقياً لرفع المعاناة عن الشعب السوري الذي ذاق ويلات الحرب طوال 10 سنوات، من خلال الإفراج عن المعتقلين، وكشف مصير المفقودين، وتحقيق العدالة الانتقالية".
تدخل الدول الضامنة
وفيما يبدو أنه تدخل لإنقاذ مخرجات أستانة، أصدرت الدول الضامنة، وهي تركيا وإيران وروسيا، بياناً مشتركاً بشأن الجولة الخامسة من المفاوضات الجارية، أكدوا خلاله على التزامهم "القوي بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها، وسلامتها الإقليمية"، وشددوا على ضرورة احترام هذه المبادئ من قبل جميع الأطراف.
وعبرت الدول الضامنة عن استعدادها لدعم عمل اللجنة، لـ"ضمان عملها المستدام والفعال"، مؤكدين على "الدور المهم للجنة الدستورية في جنيف".
وأعرب البيان المشترك، في نقطته التي بدت حاسمة عن أن "عمل اللجنة الدستورية ينبغي أن يحكمه شعور بالحل الوسط، والمشاركة البناءة دون تدخل أجنبي وجداول زمنية مفروضة من الخارج، بهدف التوصل إلى اتفاق عام بين أعضائها من شأنه أن يمكّن من الحصول على أكبر دعم ممكن".
وأكدت الدول الضامنة في بندها الأخير عزمها مواصلة مشاوراتها حول القضايا التي ذكرت، في اجتماع أستانة المقبل في سوتشي الروسية في 16 و17 فبراير/ شباط المقبل.
وفي سياق مماثل، صرح السياسي الكردي السوري والناشط الحقوقي المحامي مصطفى أوسو، لموقع " خبر24" الكردي، بأنّ "هناك مخاوف كبيرة لدى كل من روسيا وتركيا وإيران، من إعلان وقف أعمال اللجنة الدستورية السورية، التي هي وليدة تفاهماتها فيما عرف بمؤتمر الحوار السوري في سوتشي، وبالتالي وضعها جانباً على الرف، بعد أن بدأت دول أوربية في الأسابيع الأخيرة، خاصة فرنسا، تحشيد حملة بهذا الاتجاه، بسبب فشل الاجتماعات حتى الآن في إحراز أي تقدم في اتجاه الإصلاح الدستوري، وهو ما يفسر أيضاً وصول وفود هذه الدول الثلاث إلى مدينة جنيف في اليوم الثاني من انطلاق المفاوضات".
وأضاف أوسو أنّ هذا يعتبر "محاولة من قبل الأطراف الثلاثة لإنقاذ مخرجات أستانة لأسباب منها حاجة هذه الدول الثلاث إليها لتمرير مصالحها وأجنداتها في سورية، وإرسال رسائل إلى الولايات المتحدة وأوروبا بأن لها نفوذا في هذا البلد، والحيلولة دون فتح مسارات أخرى لتنفيذ القرار 2254، مثل إجراءات بناء الثقة، البيئة المحايدة، وقف شامل للنار في سورية، إطلاق المعتقلين والسجناء، عودة اللاجئين، تكون بديلاً لمسار أستانة".
وبدأت أعمال اللجنة الدستورية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، باجتماعات في جنيف، دون أن تحقق أي تقدم حتى الآن بسبب مماطلة وفد النظام السوري. وتتألف اللجنة من 150 عضواً، بواقع 50 ممثلاً لكل من المعارضة والنظام والمجتمع المدني، ومن المنتظر أن تقوم بعملية إعادة صياغة الدستور السوري، تحت إشراف أممي.