المعارضة أمام تحدي تجميع التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية

10 يونيو 2024
خلال الدورة الثانية من الانتخابات المحلية، بنزرت، فبراير 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المعارضة في تونس تواجه صعوبات في جمع التزكيات اللازمة للترشح للانتخابات الرئاسية، بموجب شروط تتطلب تزكيات من نواب أو ناخبين موزعين على دوائر انتخابية متعددة.
- الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعمل على ضمان صحة التزكيات من خلال تطبيقات ومواقع إلكترونية، مع تحديد وسائل للتثبت من التزكية لمنع التلاعب.
- المرشحون والمعارضة يعبرون عن قلقهم من ضيق الوقت والشروط الصارمة لجمع التزكيات، مما قد يؤدي إلى مقاطعة الانتخابات أو انخفاض نسبة المشاركة.

تعتبر المعارضة في تونس شروط تجميع التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة إحدى العقبات التي تنتظر المرشحين المحتملين، مع اقتراب المواعيد المفترضة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. يأتي ذلك في ظل انتظار التونسيين إعلان تاريخ الانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة، وتفاصيل عملية الترشح وشروطها، في وقت تفترض فيه هيئة الانتخابات التونسية أنها لن تتعدى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. ويشترط القانون الانتخابي على كل مرشح للرئاسة تجميع تزكية "عشرة نواب من مجلس نواب الشعب (الغرفة الثانية بالبرلمان)، أو عشر تزكيات من نواب المجلس الوطني للجهات والأقاليم (الغرفة العليا في البرلمان) أو من أربعين من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة، أو من عشرة آلاف من الناخبين المرسمين (المسجلين) والموزعين على الأقل على عشر دوائر انتخابية، على ألا يقل عددهم عن 500 ناخب بكل دائرة منها. كما يمنع على أي مزكِّ تزكية أكثر من مرشح، فيما تضبط الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إجراءات التزكية والتثبّت من قائمة المزكّين.

التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية

وحول التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية عقدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جلسة عمل، الخميس الماضي، بإشراف رئيسها فاروق بوعسكر من أجل "ضبط أنموذج التزكيات وتحديد الوسائل الترتيبية والتقنية الكفيلة بضمان صحة التزكيات الشعبية والنيابية، سواء من الناخبين المسجلين أو من أعضاء الغرفتين النيابيتين أو من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة، وذلك بهدف القطع نهائياً مع محاولات التلاعب والتدليس".

وقالت الهيئة على صفحتها في منصة فيسبوك عقب الجلسة، إنه "في هذا الإطار تم التداول حول بعض الحلول العملية، على غرار أن تكون التزكيات في نموذج فردي مُعَـد من الهيئة يقع تحميله من الموقع الرسمي للهيئة على غرار ما تم في التزكيات التشريعية والمحلية السابقة". وأضافت أن ذلك يتضمن "النموذج بالإضافة إلى الهوية الثلاثية للمزكي ورقم بطاقة تعريفه الوطنية، وتاريخ إصدار بطاقة التعريف واسم الأم، مع إمكانية نشر قائمات التزكيات الشعبية والنيابية عند تقديمها من المرشح بالموقع الإلكتروني للهيئة لتمكين عموم الناخبين من الاطلاع عليها وتقديم اعتراضاتهم عند الاقتضاء"، "فضلاً عن الإمكانية المتاحة لكل ناخب للتثبت من قيامه بالتزكية عبر تطبيق الهاتف الجوال الخاص بالهيئة، وإشعار النيابة العمومية فوراً بكل شبهة تدليس لترتيب الأثر القانوني قبل البت" في ملفات المرشحين.

 لطفي الفريضي: هناك تخوّف من أن يصبح المزكون ملاحقين أو مقموعين

ومن المرشحين الذين أعلنوا رسمياً نيتهم الترشح للانتخابات الرئاسية رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي. وفي السياق، يقول عضو المكتب السياسي للحزب لطفي الفريضي، لـ"العربي الجديد"، إن "الهيئة خرقت مبدأ دورية الانتخابات الرئاسية باعتبار أنها ما زالت تنتظر إصدار رئيس الجمهورية (قيس سعيّد) أمر دعوة الناخبين (لبدء الانتخابات) حتى تعلن عن الروزنامة الانتخابية". وبرأيه، فإن الهيئة تعتبر "أن هذا الأمر هو انطلاق المرحلة الانتخابية، وهو أمر خاطئ لأن دعوة الناخبين هي محطة من بين محطات الروزنامة الانتخابية".

ويلفت الفريضي إلى أن الهيئة تتحدّث اليوم عن إضافة شروط في عملية التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية "في حين أن أهم مبدأ في الانتخابات هو السرية"، ويشدّد على أنه "في حال اعتماد الهيئة عملية نشر وتعليق وكشف قوائم المُزكّين، فهذا تعدّ على مبدأ سرية الاقتراع لأنه يفترض أن من يزكي شخصية بعينها سينتخبها يوم الاقتراع، وهناك تخوف من أن يصبحوا (المزكون) ملاحقين أو مهرسلين (مقموعين) من السلطة لتزكيتهم شخصاً آخر". يضيف أن "الهيئة، بإضافتها شروطاً في علاقة بالتزكيات فإنها تنصب نفسها مُشرّعاً، في حين أنها تمتلك ولاية على العملية الانتخابية، وليست هيئة تشريعية"، موضحاً أن "النص المتعلق بالتزكيات (بالقانون) ورد عاماً والمفترض ألا تتوسع الهيئة في إضافة شروط للحد من الحق في الترشح، إذ إن التضييق لا يكون إلا بموجب نص قانوني".

وفي السياق، يعتبر الفريضي أن "الضيق في الآجال وعدم إعلان الروزنامة هو تضييق على المرشحين"، مضيفاً أنه "ليس من الهيّن في واقع سياسي يملأه الخوف أن يقدم مواطن بطاقته ليُزكّي مرشحاً في حين أصبح هناك خوف من مجرد التحدث في الشأن العام". ويوضح أن "هذا سيزيد صعوبة جمع عشرة آلاف تزكية من الشارع في أسبوع أو عشرة أيام، خصوصاً أن فرضية التزكية من المجالس المحلية أو مجلس النواب غير ممكنة، فهي مجالس وضعت من السلطة القائمة ولا أحد يمكنه المجازفة بتزكية مرشح منافس لرئيس الجمهورية أو من يقول للسلطة الحالية لا".

يبيّن أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن شروط جمع التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية "واضحة في النص الدستوري وفي القانون الانتخابي، فهي إما من نواب المؤسسات المنتخبة، مجلس نواب الشعب أو المجلس الوطني للجهات والأقاليم والمجالس المحلية، أو بالتوجه للجمع المباشر للتزكيات من الناخبين، عشرة آلاف ناخب من عشر دوائر انتخابية ولا يقل عن 500 مزكٍّ عن الدائرة" الانتخابية.

رابح الخرايفي: هناك صعوبة أمام المرشحين ممن لا ينتمون لأحزاب كبيرة في جمع التزكيات

ويشير إلى أن "أمر دعوة الناخبين يجب أن يصدر قبل 23 يوليو/ تموز المقبل، بينما يجب أن تصدر هيئة الانتخابات القرار الترتيبي المتضمن شروط الترشح الدستورية قبل ذلك"، موضحاً أن "الروزنامة ستتضمن تاريخ بداية قبول الترشحات رسمياً وفترة جمع التزكيات". ويقول الخرايفي إن "هناك صعوبة أمام المرشحين والمرشحات لجمع التزكيات، خصوصاً ممن ليسوا منتمين لأحزاب كبيرة قادرة على النزول إلى الشارع لجمع التزكيات".

تزكية منافس للرئيس

ويلفت الخرايفي إلى أن "هناك إمكانية لتزكية مرشحين للرئاسية من بين النواب أو المجالس المحلية"، مشيراً إلى أن "البرلمان ليس منسجماً ومتناسقاً، وتركيبته ومداولاته لا تعكس مناصرته الكاملة لرئيس الجمهورية بالعودة إلى المشاريع التي صوِّت عليها". ويعتبر الخرايفي أنه "يمكن أن يحل رئيس الجمهورية البرلمان بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة لاعتبار توفر أسباب ذلك"، من بينها، وفق قوله، "إذا قام النواب بتزكية مرشح آخر معارض، وهو من بين السيناريوهات المطروحة".

من جهته، لا يرجح القيادي في جبهة الخلاص المعارضة، عضو شورى حزب النهضة محسن السوداني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "يلجأ مرشح معارض إلى نواب غير شرعيين وصلوا إلى البرلمان عبر الانقلاب على الديمقراطية ويطلب منهم التزكية، والأمر نفسه ينسحب على الهياكل الأخرى (مجلس الجهات والأقاليم، المجالس المحلية)". ويضيف: "كما أنني أستبعد أن تزكّي هذه الهياكل منافساً للرئيس، فذلك يمثّل موقفاً يناقض مبررات وجود أولئك النواب أصلاً ووصولهم إلى تلك المؤسسات، كما أنه يمثل معارضة صريحة تستهدف الرئيس، ولا أتصور أن عضواً في البرلمان أو في مجلس الجهات والأقاليم أو غيرها مستعد لذلك".

ويتطرّق السوداني إلى الصعوبات التي تعترض المنافسين المعارضين من "ضيق الوقت الذي يمثل عاملاً ضاغطاً على استعداد المرشحين للانتخابات الرئاسية"، موضحاً أنه "من الناحية الدستورية القانونية ما زالت تفصلنا أسابيع قليلة عن الاستحقاق الانتخابي، وإلى حد الآن لم يُعلَن عن الموعد". يضيف أن "أغلب الذين أعلنوا اعتزامهم الترشح تعترضهم صعوبات قانونية وواقعية، مثل الملاحقة القضائية وغيرها من الإكراهات المرتبطة بالمناخ العام الذي يسوده الخوف والشك وعدم الاطمئنان".

محسن السوداني: أغلب الذين أعلنوا اعتزامهم الترشح تعترضهم  الإكراهات المرتبطة بالمناخ العام

وبينما يعتبر تجميع التزكيات للانتخابات الرئاسية التونسية تحدياً للمعارضة، يرى السوداني أن "المناخات لا تساعد على إجراء انتخابات سليمة، فالانتخابات ليست أوراقاً توضع يوم الاقتراع في الصندوق، وإنما هي ديناميكة عامة وأجواء تنافسية تتخللها نقاشات ومناظرات ومظاهر احتفالية جاذبة". ويضيف أن الانتخابات "تتويج احتفالي يعكس الرقي المدني والأناقة السياسية للجميع في الخطاب والأداء، وهذا غير متوفر الآن، بل العكس هو السائد، إذ تسود أجواء من الشك والخوف والريبة والتوجس والغموض". 

ويخلص إلى أنه "من الصعب جداً بالنسبة إلى المرشح للانتخابات الرئاسية (المعارض) أن يجمع كل هذا العدد (عشرة آلاف تزكية) من الشارع، فالوقت يضغط، وجمع هذا العدد يتطلب تنظيماً قوياً وشبكة علاقات ممتدة". يضيف أن "عموم التونسيين غير متحمسين، وهناك إحساس بالخوف وعدم الاطمئنان وخشية من عودة التصنيف والفرز القديم الذي عانته المعارضة زمن الاستبداد". ويقول إنه "قد يقاطع التونسيون هذا الاستحقاق الانتخابي الرئاسي على غرار المحطات الانتخابية السابقة، فتكون نسبة المشاركة متدنية ولا تعبر عن الإرادة العامة، وهناك مؤشرات إلى هذا الاحتمال".