خرج مئات الأطباء التونسيين، الجمعة، غاضبين وحزانى، بسبب وفاة طبيب شاب في حادث سقوط مصعد في المستشفى الذي يعمل فيه في جندوبة شمال غربي تونس، ما أعاد إثارة الجدل حول أزمة القطاع الصحي في البلاد. وتوفي الطبيب المقيم بدر الدين العلوي (27 عاما)، الخميس، إثر سقوطه داخل مصعد في مستشفى بولاية جندوبة، وفق وزارة الصحة التونسية، ما أثار موجة من الغضب.
والسبت، أقال الوزير عددا من المسؤولين الآخرين، من دون أن يستقيل هو. وتلخص الحادثة الوضع التونسي الصعب في هذه الفترة، فقد تم الإبلاغ عن مشكلة في مصاعد هذا المستشفى خلال زيارتين رسميتين لوزيرين منذ أشهر، ولكن شيئاً لم يتغير، ما يعكس ضعف الإدارة والتسيير، ويصور أيضاً حال المستشفيات التونسية، التي كانت تعتبر مفخرة دولة الاستقلال الناشئة، وملجأ الطبقات الفقيرة والوسطى إلى حد اليوم.
ولكن الحادثة خلفت جرحاً أعمق لدى التونسيين، لأن الطبيب المتوفى يقطن مدينة القصرين المتعبة ويعمل في جندوبة الفقيرة، أي أنه يلخّص حال المنطقتين اللتين تحتفلان بعد أيام بذكرى الثورة العاشرة، وهي التي ثارت قبل غيرها لتغير من واقعها المعيشي وواقع التونسيين، ولكن الصراع السياسي انحرف بالثورة من صراع برامج إلى صراع تموقع وحكم، ما دفع التونسيين إلى معاقبة الجميع في الانتخابات الماضية بحثا عن بديل، ولكن النخبة السياسية لا تسمع ولا تتعلم.
مع استقلال تونس في نهاية خمسينيات القرن الماضي، برز مصطلح قوي هو "المصعد الاجتماعي" الذي يعني قدرة أي تونسي مهما كان مستواه وجهته على الوصول إلى أعلى المراتب في المجتمع والدولة، ضد الجهويّات والنسب والأصل العائلي، إذا اجتهد وتعلم وركب هذا المصعد. بقيت هذه الحقيقة صامدة إلى اليوم بدليل هذا المزيج من المسؤولين الذين يمسكون بالسلطة اليوم وينحدرون من مناطق وعائلات متواضعة، ولعل الثورة زادت في تكريس هذا المنطق بعد علو صوت مناطق الداخل وأهميتها في تحديد نتائج الانتخابات وتشكيلها للمشهد السياسي. إلا أن هذا المصعد التونسي معطّل اليوم، عطّلته الصراعات الجانبية حول السلطة والطموحات المنحرفة التي لا تهدف لخدمة الناس بقدر خدمة مستقبل أصحابها، وبقيت مناطق الداخل بالخصوص محرومة من حقوقها اليومية البسيطة. لا تعي هذه النخبة السياسية أن تعطيل هذا المصعد بالذات هو الذي قاد إلى ثورة، وأن البديل عنه سيكون وبالاً عليهم جميعاً، يخسر فيه الجميع كل شيء.