قال وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أمس الإثنين، إنه من الممكن عودة المشاورات السياسية قريباً على مستوى نواب الوزراء بين بلاده ومصر، مضيفاً أنه قد يتمّ تعيين سفيرين بين القاهرة وأنقرة خلال الأشهر المقبلة.
وتشير تصريحات جاووش أوغلو، إلى أن وتيرة تحسّن العلاقات بين مصر وتركيا، ماضية، بعد المصافحة التي حصلت على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بين الرئيسين التركي والمصري، رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي.
ويأتي ذلك فيما كان مسؤولون استخباريون من كلا البلدين، قد عقدوا مباحثات ثنائية، أكدت مصادر "العربي الجديد" أنها حصلت قبل مصافحة السيسي – أردوغان، فيما قالت مصادر لوكالة "رويترز"، أمس، إنها حصلت بعدها.
لقاء استخباري مصري - تركي
وعقد لقاء مصري تركي على مستوى أمني (استخباري)، الأسبوع قبل الماضي، تطرّق إلى عدد من الملفات التي تحظى باهتمام مشترك لدى البلدين. وهذه النوعية من الاجتماعات واللقاءات تسير بوتيرة شبه منتظمة، حتى قبل الإعلان الرسمي عن مشاورات لتطبيع العلاقات بين تركيا ومصر.
قال أردوغان إنه تحدث مع السيسي لنحو 30 إلى 45 دقيقة في اللقاء على هامش بطولة كأس العالم الكروية
وحصلت "العربي الجديد" على معلومات تفيد بأن اللقاء تطرّق إلى الموقف الراهن لمسار استعادة العلاقات بين البلدين، والتنسيق في ما يخص بعض القضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك، وأنه جرى خلال اللقاء التأكيد على قاعدة عدم اتخاذ مواقف مضادة من جانب البلدين تجاه الآخر في المنصات الدولية.
من جهتها، ذكرت وكالة "رويترز"، أمس الإثنين، أن وفدين استخباريين من كلا البلدين التقيا في القاهرة في نهاية الأسبوع الماضي، بحسب مصدر إقليمي مطّلع على المسألة. وقال مصدر ثانٍ، وهو مسؤول تركي رفيع، إن مباحثات "مهمة" بدأت بين الطرفين، وإن البلدين يتحضران لبدء محادثات حول المسائل العسكرية والسياسية والتجارية بما فيها مشاريع الطاقة.
وقال مصدر إقليمي مطلع طلب عدم ذكر اسمه، للوكالة، إن وفدين استخباريين من البلدين التقيا في مصر نهاية الأسبوع الماضي. وقال المسؤول التركي الرفيع، إن مناقشات "مهمة" بدأت بينهما، وإن من المقرر أن تبدأ تركيا ومصر محادثات حول القضايا العسكرية والسياسية والتجارية بما في ذلك مشاريع الطاقة.
وقال مصدر في المخابرات المصرية لـ"رويترز" إن الوفدين في القاهرة ناقشا كيفية تقريب وجهات النظر بشأن الملفات الأمنية المشتركة، مضيفاً أن تلك الملفات شملت وسائل إعلام مقرها تركيا مرتبطة بجماعة "الإخوان المسلمين" تعارض الحكومة المصرية. من جهته، قال المسؤول التركي إن الدولتين "قد تدخلان في تعاون جدي بشأن قضايا إقليمية خصوصاً في أفريقيا". وأضاف أن الوفود ستبدأ في مناقشة قضايا تجارية وعسكرية وسياسية "خلال فترة قصيرة"، مشيراً إلى ملفات منها اتفاق تركيا لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا ومشاريع الطاقة واستكشاف الموارد الهيدروكربونية وخطوط الأنابيب في البحر المتوسط. ولفت المصدر إلى أن تعيين السفيرين والتواصل لترتيب لقاء آخر بين أردوغان والسيسي سيتم في "المستقبل القريب".
أردوغان يشجع تبادل زيارات الوزراء
وفي تصريحات أُذيعت أول من أمس الأحد، أكد الرئيس التركي، أن عملية بناء العلاقات مع مصر ستبدأ باجتماع وزراء من البلدين، وأن المحادثات ستتطور انطلاقاً من ذلك. وقال أردوغان في برنامج حواري تلفزيوني تمّ تسجيله في محافظة قونية التركية السبت الماضي، إنه تحدث مع السيسي لنحو 30 إلى 45 دقيقة في اللقاء على هامش بطولة كأس العالم الكروية في قطر. وأضاف: "لقد ركّزنا المحادثات مع السيّد السيسي هناك وقلنا لنتبادل الآن زيارات الوزراء على مستوى منخفض. بعد ذلك، دعونا نوسع نطاق هذه المحادثات".
وعلّق الرئيس التركي على اللقاء الذي جمعه بنظيره المصري في قطر، بقوله إن السيسي كان "سعيداً للغاية" بعد لقائهما الأول، مضيفاً أن "الأمور يمكن أن تعود إلى نصابها مع سورية في المرحلة المقبلة مثلما جرى مع مصر"، مؤكداً أنه "ليست هناك خصومة دائمة في السياسة".
وحرص الرئيس التركي في تصريحاته على توجيه رسالة مباشرة إلى الجارة اليونان، بقوله إن "علاقات شعبي تركيا ومصر قوية جداً. وعلينا ألا نخسرها لصالح الآخرين... فتسلل اليونان للمنطقة لن يكون جيداً".
وفي هذا الإطار، علمت "العربي الجديد" أن وزير الخارجية المصري سامح شكري يستعد لزيارة أنقرة لعقد لقاء ثنائي مع نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، في النصف الأول من ديسمبر/كانون الأول المقبل، في حين لم يتطرق جاووش أوغلو إلى هذه النقطة خلال حديثه أمس مكتفياً بالإشارة إلى أنه من الممكن عودة المشاورات السياسية قريباً على مستوى نواب الوزراء بين بلاده ومصر
تركيا – مصر والملف الليبي
وتكشفت تصريحات أردوغان وجاووش أوغلو عن تقدم واضح في العلاقات مع مصر، وهو ما يجعل الملف الليبي على موعد مع حراك داخلي وإقليمي خلال الأيام المقبلة، خصوصاً على وقع تداعيات التقارب المصري - التركي، على بعض الأطراف ذات التأثير على المشهد الليبي، وفي مقدمتها اليونان. وكان وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس قد أثار أزمة أخيراً، عندما رفض النزول من الطائرة التي كانت تقله في مطار طرابلس، اعتراضاً على وجود وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش بانتظاره.
ووصفت مصادر ليبية مقربة من معسكر غرب ليبيا المدعوم من تركيا، المرحلة الحالية في مسار تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، بأنها "المرحلة التي يسعى فيها كل طرف إلى تعظيم قيمة وزيادة ثمن الأوراق التي بين يديه، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة قبل بدء المسؤولين في البلدين المباحثات الخاصة بالملفات المشتركة محل الخلاف بينهما".
ولفتت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" في أحاديث منفصلة، إلى أنه "في الوقت الذي وقّعت فيه مصر عدداً من الاتفاقيات المشتركة مع اليونان عقب لقاء الرئيسين المصري والتركي رجب طيب أردوغان، حرصت أنقرة على إيصال رسائل تفيد بتعزيز تواجدها العسكري في ليبيا". وجاء ذلك بحسب المصادر، عبر "نشاط لم يكن معهوداً خلال الفترة الماضية، بنقل معدات عسكرية إضافية إلى قواتها النظامية المتواجدة في قاعدة الوطية، بخلاف الحرص على بث لقطات لتدريب ضباط أتراك لعناصر عسكرية ليبية تابعة لقوات غرب ليبيا في مجالات متعددة".
وقالت مصادر مطلعة على العلاقات بين تركيا وحكومة الدبيبة في طرابلس، إن المسؤولين في تركيا يدركون المطالب المصرية الحقيقية، والتي يأتي في صدارتها الشروع العاجل في تنفيذ خط للغاز من ليبيا إلى محطة الإسالة في دمياط، وهو الأمر الذي قد يمثل أول شراكة مصرية تركية في هذا الإطار، ما سيصاحبه بالتبعية خطوة إيجابية تجاه المصالح التركية في شرق المتوسط.
وكان الرئيس التركي كشف في تصريحات للصحافيين على متن الطائرة خلال عودته من قطر، أن "طلب بلاده الوحيد من مصر هو تغيير أسلوبها تجاه الوضع التركي في البحر المتوسط".
عتب يوناني – مصري
في مقابل ذلك، علمت "العربي الجديد"، من مصادر دبلوماسية غربية في القاهرة، أن كلا من وزيري الخارجية اليوناني ونظيره المصري، تبادلا رسائل العتاب أثناء زيارة الأول إلى القاهرة قبل أيام. ففيما أبدى المسؤول اليوناني دهشة بلاده من عدم إخطار القاهرة أثينا بالترتيبات التي تجري على صعيد العلاقات مع أنقرة، والتي توّجت بلقاء السيسي وأردوغان، على غرار ما تقوم اليونان من إطلاع مصر على كافة تفاصيل تحركاتها بشأن ليبيا، أبدى شكري انزعاج بلاده من تحركات يونانية مشتركة مع كل من إسرائيل والإمارات بشأن صراع الطاقة في المتوسط دون مشاركة مصر.
وكانت إحدى النقاط في رسائل العتب اليونانية لمصر، وفقاً للمصادر ذاتها، زيارة قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل إلى تركيا، قبيل اللقاء الذي جمع السيسي وأردوغان في الدوحة، التقى خلالها رئيس المخابرات التركي هاكان فيدان، لترتيب اللقاء المشترك، والتباحث في أمور مرتبطة بالأوضاع في شرق المتوسط، وهو ما اعتبره المسؤولون في اليونان "تحركات مصرية منفردة تتعارض مع نهج الشراكة بين القاهرة وأثينا".
أبدت اليونان دهشتها من عدم إخطار القاهرة أثينا بالترتيبات التي تجري على صعيد العلاقات مع أنقرة
وفي السياق، حصلت "العربي الجديد" على معلومات بشأن التطورات الجديدة الخاصة بمفاوضات استعادة العلاقات بين البلدين، حيث أبدت مصر، بحسب المعلومات، توافقاً مبدئياً بشأن فتح مباحثات حول الوضع في شرق المتوسط، وإمكانية لعب دور من شأنه أن يساهم في خفض التوتر في تلك المنطقة.
وأشارت المعلومات، إلى "الدور الكبير الذي لعبته قطر في ملف تقريب وجهات النظر بين أنقرة والقاهرة": ففيما طالبت تركيا بموقف مصري إيجابي بشأن ملف شرق المتوسط، طالبت القاهرة بإعادة أنقرة صياغة مواقفها في الملف الليبي بما يراعي الملاحظات والمخاوف المصرية، بالشكل الذي يحفظ الأمن المصري للحدود الغربية.
وأشارت المعلومات أيضاً إلى تشكيل لجنة مصغرة من الجانبين، تعكف على النظر في ملفي ليبيا وشرق المتوسط بشكل خاص، مع استمرار متابعة المسؤولين الاستخباريين لمسار الإجراءات المرتبطة بتسهيل التعاون الاقتصادي بين البلدين. كما سيكون من بين المهام الموكلة إلى اللجنة المصغرة التي تم التوافق على تشكيلها، الترتيب لعقد قمة ثنائية رسمية بين البلدين، خلال الربع الأول من العام المقبل.
ووفقاً للمعلومات، فإن الجانب التركي، أبدى تفهماً للمخاوف المصرية بشأن الأوضاع في ليبيا، وعرض مزيداً من التعاون بين القاهرة وأنقرة ضمن آلية مشتركة تنظم عمل البلدين في هذا الملف.
وفي مقابل ذلك، نقلت القاهرة، رسالة طمأنة إلى الجانب اليوناني بشأن إمكانية تطوير العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وعدم تأثير ذلك على العلاقات مع أثينا، وهو ما جعل مصر توقع على اتفاقية دفاعية مع أثينا في أثناء زيارة وزيري الخارجية والدفاع اليونانيين (وزير الدفاع اليوناني هو نيكولاوس باناجيوتوبولوس)، إلى القاهرة قبل أيام، بحسب المصادر. ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فإن الجانب المصري أبلغ المسؤولين في اليونان أن مسار عودة العلاقات مع تركيا لن يكون في وقت قريب، وأن هناك الكثير من الأمور التي يجب استيفاؤها من الجانب التركي.
كما شملت رسائل الطمأنة المصرية للجانب اليوناني، أنه لن يكون هناك تراجع عن أي اتفاقيات تم توقيعها في وقت سابق مع أثينا، سواء تلك المرتبطة بالتعاون في مجال الطاقة أو اتفاقية تعيين الحدود البحرية، حيث إن أقصى ما يمكن أن تصل إليه العلاقة مع أنقرة هو التنسيق بشأن الأوضاع في شرق المتوسط، ولن تصل إلى مرحلة تعيين الحدود البحرية المشتركة.
وأوضحت مصادر دبلوماسية أن "التقارب المصري التركي حال اكتماله، سينعكس بالطبع على الأوضاع في المتوسط، ولكن عبر وساطة قد تقوم بها القاهرة في تقريب وجهات النظر بين اليونان وتركيا، ولكن هذا ليس في القريب العاجل"، بحسب تعبير المصادر.
في غضون ذلك، استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس الإثنين، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ورئيس البعثة الأممية للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، الذي يزور القاهرة حالياً.
وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير أحمد أبو زيد، عبر "تويتر"، إن شكري "أكد على أهمية دور الأمم المتحدة في دعم العملية السياسية والمسار الدستوري والأطر القانونية وتشجيع الأشقاء الليبيين على الحوار".
وعلمت "العربي الجديد" أن باتيلي سيلتقي في القاهرة برئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، بصفته المشرف الأول على الملف الليبي في مصر، وذلك لبحث آخر المستجدات على أرض الواقع.