المسجد الأقصى: سقوط قرار منع الاعتكاف

المسجد الأقصى: سقوط قرار منع الاعتكاف

15 ابريل 2022
بدأ مئات المصلين والنشطاء الاعتكاف بالمسجد الأقصى (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

يرفض مسؤولو الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة ما يصفوه بالضجة المفتعلة التي أثارها قرار وزارة الأوقاف الأردنية بمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى قبل العشرين من شهر رمضان.

وكان القرار تسبّب بردود فعل غاضبة من قبل المواطنين ومن حراكات شبابية، أكدت أنه قرار خطأ في التوقيت الخطأ، إذ يتزامن مع دعوات لأكثر من جماعة يهودية متطرفة لأتباعها إلى أوسع اقتحامات لباحات المسجد وتقديم الذبائح والقرابين هناك.


نفى عمر الكسواني ما يشاع عن منع الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان

وكان مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني قد طالب، بعد صلاة وتر ليلة التاسع من رمضان، ومن على سماعات المسجد الأقصى، المعتكفين بالخروج منه لإتاحة الفرصة للسدنة لتنظيفه تمهيداً لإغلاقه. وأشار الكسواني، في إعلانه حينها، إلى "أن الاعتكاف في الأقصى يبدأ فقط في العشر الأواخر من رمضان، وليس قبل ذلك"، مُوّجهاً من يرغب في الاعتكاف بالذهاب إلى مساجد البلدة القديمة.

المصلون لم ينتظروا العشرية الأخيرة

لكن المئات من المصلين والنشطاء بدأوا بالفعل الاعتكاف بعد العاشر من رمضان، ولا يريدون أن ينتظروا العشرية الأخيرة لحماية الأقصى في ظل تهديدات المتطرفين اليهود باقتحامه وتقديم القرابين فيه اليوم الجمعة.

وكانت جماعات الهيكل المتطرفة قد نشرت، على مختلف منصاتها أخيراً، إعلاناً يدعو المتطرفين اليهود إلى المبادرة الفردية لتقديم "قربان الفصح" في المسجد الأقصى مساء اليوم الجمعة، واعدة من يتمكن من ذلك بمكافأة مالية مقدارها عشرة آلاف شيكل (نحو 3100 دولار)، ومنح من يدخل السخل دون ذبحه بمكافأة تعويضية قدرها 800 شيكل (250 دولاراً)، ومن يحاول ويفشل مكافأة مقدارها 400 شيكل (125 دولاراً). وذيلت إعلانها بالقول إن تقديم القربان هو الرد الطبيعي على "الإرهاب".

لكن الكسواني أكد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أي تغيير من قبل الأوقاف لم يطرأ على برنامج وتاريخ الاعتكاف في الأقصى كما يجرى في العادة. ونفى ما يشاع عن منع الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، مع ضرورة أن يلتزم المعتكفين بتعليمات دائرة الأوقاف والحراس، ومن لا يتمكن من الوصول إلى الأقصى، فبإمكانه الاعتكاف في مساجد أخرى بالبلدة القديمة، مثل مسجد الشيخ "اللولو" عند مدخل باب العامود، وفي مسجد المئذنة الحمراء في حارة السعدية المتاخمة للأقصى، ومن ثم القدوم عند صلاة الفجر إلى الأقصى والقيام بالاعتكاف.

وأكد الكسواني أن دائرة الأوقاف ليست في معرض الدفاع عن نفسها بهذا الخصوص، مشيراً إلى أن الاحتلال، وعلى مدى سنوات طويلة، استهدف موظفي الأوقاف والحراس بالاعتقال والإبعاد، وحتى الاعتداء على صلاحيات الأوقاف، وبالتالي هي الأكثر حرصاً على الأقصى وعلى مواجهة الأخطار التي تتهدده من المستوطنين.

وكانت أبرز الانتقادات لقرار الأوقاف بمنع الاعتكاف قبل العشر الأواخر من رمضان قد وُجهت من قبل رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس الشيخ عكرمة صبري. واتهم صبري، في تصريحات نادرة له، الأوقاف الإسلامية في القدس بالتجاوب مع رفض الاحتلال إقامة الاعتكاف بالمسجد الأقصى في العشرية الثانية من شهر رمضان.

وقال صبري، لـ"العربي الجديد"، إن "الخطر الذي يواجه الأقصى قائم على مدار الساعة، ومواجهة هذه الأخطار تتأتى بالرباط الدائم، علماً أن رمضان هو أفضل الشهور للتصدي لأخطار المستوطنين من خلال الوجود الكثيف في الأقصى، سواء بصلوات الفجر أو صلاة الجمعة، ومن خلال الاعتكاف أيضاً".

هيمنة الشرطة الإسرائيلية على المسجد الأقصى

وأفاد مصدر خاص "العربي الجديد" بأن هناك تنسيقاً فلسطينياً رسمياً مع الأردن اتُّفق عليه خلال زيارة الملك عبد الله الثاني الأراضي الفلسطينية، نهاية الشهر الماضي، لمنع التصعيد في المسجد الأقصى. ويأتي قرار منع الاعتكاف ضمن هذا التنسيق. يُذكر أن دائرة الأوقاف في القدس تتبع لوزارة الأوقاف الأردنية، وتتلقى تعليماتها منها، ويُعتبر موظفو دائرة الأوقاف في المسجد الأقصى يتبعون إدارياً ومالياً إلى ملاك الأوقاف الأردنية.

ويربط نشطاء مقدسيون بين قرار الأوقاف آنف الذكر، وما يسمونه بالتنسيق غير المعلن بين إدارة الأوقاف والشرطة الإسرائيلية في ما يتعلق بالوضع في المسجد الأقصى، علماً أن الشرطة الإسرائيلية هي المهيمن الفعلي على إدارة شؤون المسجد، فهي التي تمنع الدخول إلى الأقصى، وتعتقل حراسه وتبعدهم، كما أنها هي التي تمنع أعمال الترميم وتعتقل طواقم الإعمار فيه.

وتساءل أحد النشطاء، ويدعى م. أبو رموز، في حديث مع "العربي الجديد"، عن الرابط بين هذا القرار وإعلان الجماعات اليهودية عزمها ذبح القرابين في الأقصى اليوم الجمعة. وقال: "هل الاعتكاف والتعبد بات الخطر الأكبر على الأقصى، بينما لم نسمع صوتاً عالياً بشأن مطامع المستوطنين وإعلاناتهم المستفزة باستهداف المسجد وتدنيسه؟". 

وأضاف الناشط إن "من اتخذ القرار بمنع الاعتكاف يريد أن يسهل الطريق لهؤلاء المتطرفين لتنفيذ مآربهم، الأمر الذي لن نسمح به. كما أننا لم نعترف بقرار منع الاعتكاف في الأقصى الذي هو مسجدنا".

قرار منع الاعتكاف يأتي في إطار التنسيق الفلسطيني الأردني لمنع التصعيد في المسجد الأقصى

وفي تعقيبه على قرار الأوقاف بهذا الشأن، قال الناشط من مؤسسة القدس الدولية زياد ابحيص، لـ"العربي الجديد": "الأصل أن حكم الاعتكاف في المسجد الأقصى: مندوب شرعاً (المندوب في الشرع: اقتضى الشرع فعله من غير إلزام)، لكن القاعدة الشرعيّة تقول إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، خصوصاً مع تصاعد اقتحامات المستوطنين وتهديدهم بإدخال القرابين إلى ساحاته".

انعكاسات سياسية وأمنية للقرار

ولفت ابحيص إلى أن لقرار منع الاعتكاف انعكاسات سياسية وأمنية متعلقة بما أعلنته "جماعات الهيكل" المتطرفة، ونشرها دعوةً مركزية لاقتحام الأقصى في عيد الفصح اليهودي، مزينة بصورة خروفٍ صغير رمزاً للقربان الذي يتوعد حاخاماتها ونشطاؤها بتقديمه في الأقصى.

وقال: "هذا الإعلان يؤكد أن الاقتحام قائم، وأن حكومة الاحتلال وشرطتها قد تعهدتا بتأمينه وحمايته، وقد حُصرت الاقتحامات بالأوقات الصباحية لحشد جهود شرطة الاحتلال وجماعات الهيكل المتطرفة خلالها، وهو ما يجعل التصدي لهذه الاقتحامات أولوية للدفاع عن الأقصى".

وكانت "جماعات الهيكل" قد نفذت قبل أيام محاكاة لتقديم القربان ملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى. وبات معظم حاخاماتها ونشطائها مقتنعين بأن الوقت قد حان لتقديم القربان في الأقصى، بعد المسيرة الطويلة من المحاولة عبر المحكمة منذ 2010، والإحياء العملي لطقوس القربان في عدة أماكن حول الأقصى منذ 2014.

وأكدت "جماعات الهيكل" في تصريحات لقادتها، بعد نشر الإعلان، أن "الوقت قد حان لتغيير قواعد اللعب"، مضيفة أن "لا حماس ولا الأردن يقررون ما يحصل في الأقصى، فنحن من سنقرر مصير قربان الفصح". وأكدت "إننا في هذه الجمعة، في عشية الفصح، سنأتي إلى جبل الهيكل من كل أنحاء البلاد لنقدم قربان الفصح في موعده، ونجدد العبادة اليهودية (في الأقصى) بعد 2000 عام من اندثارها". ويبدأ عيد الفصح اليهودي اليوم الجمعة ويستمر مدة أسبوع.

الاعتكاف مستمر رغم قرار الأوقاف الأردنية

بيد أن قرار الأوقاف بخصوص الاعتكاف لم يلق ترجمة ملموسة له على الأرض، فالمصلون واصلوا اعتكافهم، على الرغم من ملاحقة شرطة الاحتلال لهم، ومحاولاتها من حين لآخر منعهم من الاعتكاف وإخراجهم من داخل مصليات المسجد الأقصى، في ما بدا أنه كسر إرادات بين الاحتلال ومن أصدر القرار بشأن الاعتكاف، وبين المصلين الذين يؤكدون حقهم الذي لا منازع لهم فيه أن يعمروا المسجد طيلة الأوقات، وأن يحموه من الأخطار المحدقة به من قبل المستوطنين المتطرفين.

زياد ابحيص: لقرار منع الاعتكاف انعكاسات سياسية وأمنية

واتخذت إجراءات الاحتلال شكلاً آخر بمواجهة النشطاء المقدسيين الذين يتصدرون المشهد، من خلال حملات الاعتقال الإداري والاحترازي، وإبعاد العشرات منهم عن البلدة القديمة والمسجد الأقصى إلى ما بعد انتهاء شهر رمضان. وسجلت، أول من أمس الأربعاء، أوسع حملة من هذه الاعتقالات والإبعادات، طاولت أكثر من 30 ناشطاً من القدس القديمة والضواحي المتاخمة لها.

ومع تزايد المخاطر من صدام محتمل بين الفلسطينيين والمستوطنين على خلفية التهديد بالاقتحام، وتصاعد الخلافات وتباين المواقف إزاء منع الاعتكاف قبل العشر الأواخر من رمضان، اضطرت الحكومة الإسرائيلية، عبر المتحدث باسم مكتب رئيس الحكومة أوفير جندلمان، إلى نفي نيّة "ذبح القرابين" في الأقصى. ونقل عن جندلمان قوله إن "المزاعم التي ادعت بأن هناك يهوداً ينوون ذبح القرابين في الحرم الشريف كاذبة تماماً". وتابع: "هذه المزاعم روجتها تنظيمات فلسطينية وجهات أخرى بغية التحريض وتأجيج الخواطر وارتكاب عمليات"، وفق زعمه.

المساهمون