المساعدات الأميركية لأوكرانيا: هل توقف زخم الهجمات الروسية؟

المساعدات الأميركية لأوكرانيا: هل توقف زخم الهجمات الروسية؟

26 ابريل 2024
الجيش الأوكراني في خاركيف يقصف المواقع الروسية، الأحد الماضي (أناتولي ستيبانوف/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تأخرت حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا في الكونغرس لأشهر، مما منح الروس تفوقاً عسكرياً، لكن تم إقرارها وتوقيعها من قبل الرئيس بايدن، معززة الأمل لدى كييف في استعادة المبادرة.
- قرار مايك جونسون بطرح حزمة المساعدات للتصويت جاء بعد تقييم قاتم من الجنرال كافولي حول تفوق روسيا، مما يعكس الدعم القوي لأوكرانيا بحزمة قيمتها 61 مليار دولار.
- تواجه أوكرانيا تحديات كبيرة أمام القوات الروسية رغم الدعم الغربي، ويعتمد نجاحها على استمرار هذا الدعم وتوفير أسلحة وتدريب وحدات عسكرية جديدة.

منح تأخر حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا في مجلس النواب الأميركي أشهراً القوات الروسية أفضلية على الأرض، بسبب النقص الحاد في المعدات والذخائر لدى الجيش الأوكراني، والآن تنتظر كييف بفارغ الصبر وصول حزمة المساعدات، بعد أن أقرها الكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ، ووقّعها الرئيس جو بايدن مساء أول من أمس الأربعاء، إلا أن هناك شكوكاً كبيرة في إمكانية استعادة القوات الأوكرانية زمام المبادرة، ووقف زخم الهجمات الروسية في الأسابيع المقبلة.

التحول المفاجئ في موقف رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري مايك جونسون، على الرغم من تهديدات الجناح اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري، سبقه تقديم القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي في أوروبا الجنرال الأميركي كريستوفر كافولي تقييماً أمام الكونغرس، في 10 إبريل/نيسان الحالي، لمجريات الحرب الأوكرانية، خلال الأشهر الـ18 الأخيرة، يُظهر أن الأمور تسير على نحو سيئ بالنسبة للجيش الأوكراني، وللغرب مستقبلاً، حددها بمجالات رئيسية، الأفضلية فيها لروسيا. وعدّد كافولي هذه المجالات مشيراً إلى أن روسيا تعمل على إعادة بناء قواتها المسلحة بسرعة أكبر مما كانت تتوقعه الولايات المتحدة، إذ أصبح تعداد الجيش الروسي اليوم أكبر بنسبة 15 في المائة مما كان عليه حين بدأت الحرب في 24 فبراير/ شباط 2022، وزادت القوات الروسية الموجودة على الجبهة من 360 ألف جندي إلى 470 ألفاً.

وكشف أن الروس يتعلمون ويتأقلمون بسرعة، فالقوة الروسية المقاتلة اليوم لا تشبه إلى حدّ كبير القوات الفوضوية التي غزت أوكرانيا قبل عامين. وتطرق إلى امتلاك روسيا إمكانات دولة عظمى، وعلى الرغم من أوجه القصور الواضحة والاختلال الوظيفي للجيش، إلا أن روسيا ما زالت تشكل تهديداً وجودياً لأوكرانيا. وقال إنه بغض النظر عن نتيجة الحرب، ستكون روسيا أشد قوة وأكثر فتكاً وعداءً للغرب مما كانت عليه عندما غزت أوكرانيا.


كافولي: سلاح الجو الروسي يحتفظ بـ90% من قدرات حقبة ما قبل الحرب

وأشار كافولي إلى أن القوات الجوية الروسية ما زالت تحافظ على 90 في المائة من قدراتها في حقبة ما قبل الحرب. ورغم تكبّد القوات البحرية الروسية خسائر فادحة في البحر الأسود، فإنه وفقاً لكافولي، وصل نشاط القوات البحرية الروسية في العالم إلى الذروة في الأشهر الماضية. وأضاف أن القوات الروسية تستطيع بالفعل إطلاق قذائف مدفعية بمقدار خمسة أضعاف ما تستطيعه القوات الأوكرانية، وسيرتفع الفارق خلال الأسابيع المقبلة إلى ما نسبته 10 قذائف روسية مقابل كل قذيفة يطلقها الجيش الأوكراني. والحديث هنا، بحسب كافولي، ليس بشكل افتراضي، ويمكن أن يؤدي إلى هزيمة جزئية أو كلية لأوكرانيا.

وتحدث كافولي عن المجمع الصناعي العسكري الروسي، موضحاً أنه يستطيع إنتاج نحو 1200 دبابة سنوياً، وتصنيع ثلاثة ملايين قذيفة مدفعية وصاروخ سنوياً، وهذا يساوي ثلاثة أضعاف قدرة الولايات المتحدة قبل عامين، وأكثر من كل دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) الـ32 مجتمعة. وأشار إلى أن الاقتصاد الروسي قوي، واستطاع الصمود في مواجهة العقوبات الغربية والالتفاف عليها. وخلص كافولي في نهاية شهادته أمام الكونغرس إلى ضرورة أن تواصل الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها تزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة والعتاد، كي تستطيع الصمود.

سباق أوكرانيا مع الزمن 

من الواضح أن الصورة القاتمة التي رسمها كافولي أمام جلسة للكونغرس ساهمت بشكل كبير في التغيير الجذري والسريع لموقف رئيس مجلس النواب مايك جونسون، بإعلانه في 17 إبريل الحالي عن قراره طرح حزمة المساعدات لأوكرانيا على التصويت في مجلس النواب. وفي تفسيره للتحول في موقفه، حذَّر جونسون من أنه إذا لم يُوقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، فسيسير عبر أوروبا. كما ساهمت أيضاً الصورة القاتمة بموافقة المجلس على حزمة المساعدات، بقيمة 61 مليار دولار، بأغلبية 311 صوتاً مقابل 112 صوتاً. تغطي حزمة المساعدات تكاليف الأسلحة والذخيرة والمعدات التي يمكن للولايات المتحدة أن ترسلها إلى أوكرانيا مباشرة، بالإضافة إلى رصد مبالغ تتيح لأوكرانيا شراء أسلحة وذخائر ومعدات من مصادر أخرى، أو تصنيعها محلياً.

ومما لا شك فيه أن هذه المساعدات ستعزز قدرة القوات الأوكرانية على الصمود، وربما تمنحها فرصة لامتلاك زمام المبادرة على الجبهات، في حال وصلت الأسلحة والمعدات في الوقت المناسب، وشملت أسلحة نوعية وذخائر كافية، ومن دون ذلك، ستتواصل خسائر الجيش الأوكراني وتراجعه أمام القوات الروسية. وعبّر عن ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، الأحد الماضي، بالقول: "نحن بحاجة إلى إنجاز الأمور في أسرع وقت ممكن، حتى نتمكن من تقديم بعض المساعدات الملموسة للجنود على الخطوط الأمامية في أقرب وقت ليحرزوا التقدم، وليس في غضون 6 أشهر أخرى". وأضاف أن "الأمر يعتمد على الوقت الذي سنحصل فيه بالفعل على هذه الأسلحة... إذا حصلنا عليها في غضون نصف عام، فستتعثر العملية وسنتكبد خسائر في عدة اتجاهات؛ خسائر في الرجال وفي المعدات".

في المقابل، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في تصريح لوكالة "تاس" الروسية للأنباء، أن الحزمة الجديدة من المساعدات الأميركية لن تغير شيئاً على أرض الواقع. بدورها، في سياق الرد، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأحد الماضي، أن قواتها حققت تقدّماً على الجبهة الشرقية، بإحكام سيطرتها على بلدة بوغدانوفكا (بوهدانيفكا بالتسمية الأوكرانية)، غرب مدينة باخموت. وأكدت أن القوات الروسية تشن هجمات مركزة على مدينة تشاسيف يار، وهي عقدة مواصلات مهمة، من شأن سيطرة القوات الروسية عليها التأثير على خطوط إمداد القوات الأوكرانية، وفتح ثغرة للتوغل نحو مدينة سلوفيانسك، وكذلك كراماتورسك، المدينة الأكبر في المناطق التي ما زالت تسيطر عليها القوات الأوكرانية من مقاطعة دونيتسك.

وتشير تقديرات غربية إلى أن القوات الروسية استولت مرة أخرى على 500 كيلومتر مربع خلال فصل الشتاء، بالمقارنة مع 300 كيلومتر مربع استعادها الجيش الأوكراني خلال هجومه المضاد في صيف العام الماضي. وأقر القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية أولكسندر سيرسكي بأن "الوضع على الجبهة الشرقية تدهور كثيراً في الأيام الأخيرة"، حسب ما نقله عنه موقع صحيفة بوليتيكو الأميركي الأسبوع الماضي. وفي سياق متصل، يؤكد خبراء ومحللون أن أقصى ما تطمح إليه كييف في ظل ميزان القوى القائم حالياً السعي لاحتواء زخم التقدم الروسي، وتقليص حجم تفوق المدفعية الروسية، بما يمكن أوكرانيا من التقاط الأنفاس لإعادة ترتيب أوضاع قواتها.


خبراء يربطون بين استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا وقدرتها على كسب الحرب

الأسلحة الغربية لأوكرانيا

يقدّم بعض الخبراء الغربيين مقاربة مختلفة، تنطلق من التسليم بحقيقة أن أوكرانيا لا تستطيع تحمّل أعباء الحرب وحدها، وأنها بحاجة ماسة إلى المزيد من الأسلحة الغربية كماً ونوعاً، ومساعدتها على بناء وتدريب وحدات عسكرية جديدة. إلا أنه من وجهة نظر هؤلاء الخبراء، يجب أن تستند أي مقاربة شاملة إلى اعتقاد راسخ بأن أوكرانيا ما زالت قادرة على كسب الحرب في نهاية المطاف، إذا حشد الغرب قواه واستمر في تقديم الدعم اللازم لها. مع الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا تواجه تحديات أيضاً، نتيجة الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، وحالة الإنهاك التي يعاني منها المجتمع الروسي بعد عامين من الحرب، ووجود شكوك موضوعية في الحجم الحقيقي لمخزونات الذخيرة، وفاعلية وجودة منظومات الأسلحة والمركبات القتالية لدى الجيش لروسي، وقدرة الصناعة العسكرية الروسية على تعويض الفاقد من الذخيرة، إذا استمرت القوات الروسية بإطلاق قذائف بالمعدل الحالي. بالإضافة إلى المقاومة الشديدة ووحدة الصف التي يبديها الأوكرانيون، وتخلّف روسيا في مجال تقنيات الحرب الحديثة والقدرات الاستخبارية، بالقياس إلى القدرات الغربية، وحالة العزلة السياسية المتزايدة لروسيا في فضاء بلدان الاتحاد السوفييتي السابق.

لكن هذه المقاربة المختلفة، وبصرف النظر عن الحيثيات التي تطرحها ومدى دقتها، شأنها شأن المقاربات الأخرى الأقل تفاؤلاً، تصطدم بسؤال: إلى متى سيستمر الدعم الأميركي لأوكرانيا، وهل باستطاعة بلدان الاتحاد الأوروبي أن تعوّض عن الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة، في حال تراجع هذا الدور على ضوء ما قد تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل؟ أمر قد يضع حزمة المساعدات الأميركية الجديدة لأوكرانيا في إطار السعي لخلق توازن مرحلي في القوى بين القوات الأوكرانية والروسية، قدر الإمكان، لكسب الوقت حتى تتضح صورة الموقف الأميركي والغربي بعد انتخابات الرئاسة الأميركية. في المقابل، لن تفوّت موسكو فرصة استغلال امتلاك قواتها زمام المبادرة، والاستفادة القصوى من اختلال ميزان القوى لصالحها، في الأسابيع القليلة المقبلة، جنباً إلى جنب مع تعزيز خطوطها الدفاعية، لإفشال أي هجمات أوكرانية معاكسة، في تكرار لسيناريو العام الماضي، وإذا نجحت في ذلك، يمكنها التعويل على خلط الأوراق والحسابات مجدداً.