اتفق وفدا مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خلال اجتماعهما في القاهرة لبحث المسار الدستوري للمرحلة المقبلة، على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية، والوصول إلى صيغة توافقية حول الدستور، كما جرت مناقشات حول إمكانية الاستفتاء على الدستور الحالي من عدمه، وتم التوافق على ضرورة صياغة اتفاق قانوني يضمن ترتيبات دستورية توافقية تسمح بتفعيل الاتفاق السياسي الشامل.
وذكر بيان صادر عن الاجتماعات التي استمرت لثلاثة أيام برعاية الأمم المتحدة وإشراف من جهاز المخابرات العامة المصري، أن الاجتماعات شهدت مرونة فائقة في الحوار، كما أعرب الوفدان عن رغبتهما في عقد جولة ثانية في مصر لاستكمال المناقشات حول الترتيبات الدستورية، في وقت تدفع فيه الأمم المتحدة باتجاه مصالحة ليبية في الاجتماع.
يأتي ذلك فيما جددت الولايات المتحدة دعمها الكامل لجلسات الحوار السياسي الليبي التي ترعاها الأمم المتحدة، ورحب السفير الأميركي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، خلال اجتماعه مع المبعوثة الأممية في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز، باستئناف المحادثات العسكرية خمسة زائد خمسة (5 + 5)، التي ستُعقد في جنيف في 19 من الشهر الجاري، واجتماع تونس نهاية الشهر، وهي الاجتماعات التي قال السفير إنها تمثل خطوة نحو نزع السلاح في وسط ليبيا، والخروج النهائي للعناصر العسكرية الأجنبية من البلاد.
من جانبها، حثّت البعثة الأممية الحاضرين على ضرورة الخروج باتفاق قانوني يضمن ترتيبات دستورية توافقية، تسمح بتفعيل الاتفاق السياسي الشامل.
وشهدت القاهرة المباحثات حول المسار الدستوري الليبي الذي يتوقع أن يؤدي إلى إجراء انتخابات تشريعية، تعيد تكوين سلطة منتخبة من الشعب، في وقت يشهد فيه الملف الليبي حراكاً دولياً وإقليمياً مكثفاً بغية التوصل إلى حل يُنهي أزمة البلاد الغارقة منذ سنوات في الفوضى.
ولم تفض لقاءات المسار الأمني التي احتضنتها الغردقة المصري، نهاية الشهر الماضي، إلى تفاهمات نهائية، باستثناء توصيات لبناء جسور الثقة بين طرفي الصراع، كاتخاذ تدابير عاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية ونبذ خطاب الكراهية، بينما أوكلت القضايا المتعلقة بإخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح إلى اللجنة العسكرية المشتركة المنتظر اجتماع أعضائها، الأسبوع المقبل في جنيف.
وتضمن بيان المسار الدستوري الإشارة إلى أن أحد أسباب الرغبة في عقد جلسة أخرى هو منح فرصة لمجلس النواب من أجل "إجراء حوار مجتمعي من للوصول إلى توافقات دستورية"، لكن مصدراً برلمانياً من طبرق أكد أن المشاورات لم تنته إلى نتائج ملموسة.
التوافق على الرجوع للقاعدة الشعبية جاء في شكل "حوار مجتمعي"، كصيغة متفق عليها، حتى لا يكون التعبير قريبا من معنى الاستفتاء
وأوضح المصدر المقرب من كواليس اللقاءات في القاهرة، لــ"العربي الجديد"، أن الاختلاف كان واضحاً منذ انطلاق المشاورات وتركز حول إمكانية الاستفتاء على الدستور المطروح من قبل اللجنة التأسيسية منذ منتصف 2017، أو العمل على انتخاب عدة مواد تتعلق بشكل السلطة من دستور البلاد المقر في 1951 ليشكل قاعدة دستورية مؤقتة.
وأكد أن التوافق على الرجوع للقاعدة الشعبية جاء في شكل "حوار مجتمعي"، كصيغة متفق عليها، حتى لا يكون التعبير قريباً من معنى الاستفتاء، ولكي يتمكن مجلس نواب طبرق من الرجوع للأطياف المجتمعية في شرق البلاد المعارضة لمسودة الدستور المنجزة في 2017.
وبحسب بيان البعثة، السبت الماضي، الذي أوضحت فيه خريطة الأمم المتحدة للحل، فإن المسار الدستوري المنعقد في القاهرة سيناقش "الخيارات القانونية والدستورية التي يمكن طرحها على ملتقى الحوار السياسي الليبي لتسهيل المداولات حول المضي قدماً في الترتيبات الدستورية".
ويتساءل الأكاديمي الليبي ياسين عريبي، من جانبه، عن أسباب تقديم المشاورات حول المسار الدستوري قبل المسارات الأخرى، "مع علم البعثة أنه مسار ينطوي على أسئلة متفجرة يمكن أن تنسف الجهود في المسارات الأخرى قبل انطلاقها، سيما المسار العسكري".
ويمضي العريبي، في تعليقه لــ"العربي الجديد"، إلى القول إن "البعثة خانها التوفيق في هذه الخطوة؛ فترتيب هذا المسار يجب أن يكون في آخر الأولويات ما دامت الأطراف ذاهبة إلى مرحلة انتقالية مدتها 18 شهراً"، لكنّه على الرغم من ذلك يرى أن بيان المجتمعين في القاهرة وتمديده اللقاءات إلى ما بعد الحوار المجتمعي الذي سيقوده مجلس النواب "فوّت الفرصة على الساعين لبعثرة الأوراق".
في هذا السياق، كان لافتاً إعلان شركة الخطوط الأفريقية، اليوم، عن استئناف رحلاتها بين طرابلس وبنغازي، بدءاً من يوم الجمعة المقبلة، في مؤشر على نجاح اللجان الأمنية المشتركة في تنفيذ توصياتها المتعلقة ببناء جسور الثقة بين طرفي الصراع، ومنها فتح الطرقات البرية والمطارات وتبادل الأسرى والمحتجزين.
وكان عضو المجلس الأعلى للدولة، ورئيس لجنة الحوار السياسي بالمجلس، موسى فرج، قد أكد في تصريحات صحافية سابقة أن مجلسه "يرحب بأي توصيات ومبادرات، من الأطراف الليبية المشاركة، بخاصة أنها تهدف إلى التوافق"، مضيفاً أن المجلس "سيعمل على تقييم كل مخرجات اللقاءات التي تحدث".
لكنه أوضح أن "مشروع الدستور المنجز عام 2017 يواجه موقفين؛ الأول مؤيد، ويرى أنه يستكمل المسار الديمقراطي، والثاني معارض، لا يستهان به، ويذهب إلى أن فيه الكثير من القضايا التي لم يتم حلها"، واستبق انتهاء مشاورات المسار الدستوري في القاهرة بالقول "لا أعتقد أنه سيتم التوافق على هذا المشروع في القاهرة".
وانتقد عديد من المراقبين الليبيين مسألة تقديم الحوار حول المسار الدستوري قبل الانتهاء من المسارات الأخرى العسكرية والسياسية التي ستفضي إلى ترتيب الأوضاع للتوافق على سلطة جديدة موحدة. وفي هذا الصدد، أشار وزير الإعلام الليبي السابق محمود شمام إلى أن تقديم المسار الدستوري على المسارات الأخرى "قد يكون مقصوداً"، موضحاً، في تصريح لتلفزيون ليبي، أن "الدفع بقضية الاستفتاء على دستور غير توافقي هو محاولة افتعال معركة حوله، ومحاولة واضحة لعرقلة المسار السياسي".
ومن جانبه يوافق الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي، على صعوبة إدارة مرحلة الانتخابات المقبلة بناء على مسودة الدستور، التي طعن حتى في قانون الاستفتاء عليها، لكنه يرى أن توافق لقاء القاهرة على ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية "تقدم مهم".
ويوضح الجواشي موقفه، لــ"العربي الجديد"، بالقول إن "التسريبات التي رشحت من كواليس لقاءات القاهرة تشير إلى أن عرقلة ما لصالح طرف لا يزال يصر على دعم وجود شخصيات من قبيل خليفة حفتر أحبطت توافقاً قريباً حول قاعدة دستورية متفق عليها يتم العمل بها لخمس سنوات؛ فالاعتراض على مسودة الدستور، بل وعرقلة الاستفتاء عليه من أول لحظة، جاءا من جانب مجلس نواب طبرق وحلفاء حفتر".
ويمكن، بحسب الجواشي، "بناء قاعدة دستورية مؤقتة تنحصر موادها في نظام الحكم المؤقت وإدارة الثروة، لتشكل خريطة طريق لفترة انتقالية قصيرة وانتخابات برلمانية ورئاسية يمكن أن تشرف فيما بعد على كتابة دستور جديد أو تعديل المسودة الحالية".
ويرجح الجواشي أن البعثة الأممية ستؤجل اللقاء الثاني بين أطراف المسار الدستوري إلى ما بعد تشكيل مجلس رئاسي جديد وحكومة موحدة، لتجاوز تأثير الساعين لبعثرة الأوراق وخلق عراقيل أمام جهودها.
وكان رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل شدد خلال كلمة ألقاها في مستهل الاجتماعات على أهمية أن يكون الحل في ليبيا بعيداً عن أي تدخلات خارجية، وأكد دعم مصر لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، مشيراً إلى "نوايا مصر الصادقة في الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة الدولة الليبية التي يرتبط استقرارها باستقرار مصر".
وأوضح أن المسار الدستوري يدعو لإيجاد حل سياسي شامل، مشيداً بما تم التوصل إليه في اجتماع الغردقة بين العسكريين. كما رحب بأي تصور مبني على اتفاق الصخيرات ومخرجات برلين ومبادرة القاهرة.
وكان رئيس المجلس الرئاسي، فائز السراج، قد رحّب خلال الاجتماع مع سفير الاتحاد الأوروبي بدور أكثر فعالية للاتحاد الأوروبي في مسارات برلين الثلاثة الأمنية والاقتصادية والسياسية. كما أعلن الجانبان دعمهما لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، يشارك الاتحاد الأوروبي في عملية الإشراف والمراقبة عليها.