المسألة المغاربية... محاولة أخرى

المسألة المغاربية... محاولة أخرى

24 ابريل 2024
من القمة الثلاثية في تونس، أول من أمس (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- قمة تونس الثانية تجمع قادة الجزائر، تونس، وليبيا، مؤكدة على أهمية اللقاءات الدورية كل ثلاثة أشهر لتعزيز الثقة والتعاون السياسي، الاقتصادي، والأمني بين الدول الثلاث.
- الإطار التنسيقي الجديد بين الدول الثلاث لا يهدف لاستبدال اتحاد المغرب العربي المعطل منذ 1994، بل يسعى لملء الفراغ الإقليمي ومعالجة المشكلات المشتركة مثل التجارة والهجرة غير النظامية.
- يركز الإطار التنسيقي على تطوير أفكار ومشاريع سياسية واقتصادية براغماتية، مع تشجيع الانخراط الاقتصادي وتنسيق الجهود القطاعية بين الدول الثلاث لتحقيق تنمية مشتركة ومواجهة التحديات الإقليمية.

قمّة تونس الثانية في غضون أقلّ من شهرين، بين قادة الجزائر وتونس وليبيا، الرئيسين، الجزائري عبد المجيد تبّون والتونسي قيس سعيّد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمّد المنفي، وتأكيد ديمومة اللقاء كل ثلاثة أشهر مؤشّر بالغ على أن منسوب الثقة السياسية والايجابية بين القادة في الدول الثلاث وصل إلى مرحلة عميقة. السؤال الأساسي حالياً مرتبط بكيفية تحويل هذه الثقة السياسية وإضافتها إلى الرصيد الاقتصادي والاجتماعي والأمني لدول المنطقة وشعوبها، لإعادة إنتاج حلول محلية مشتركة للمشكلات القائمة.

قطعاً، ليس لإطار التشاور الجديد بين الدول الثلاث علاقة باتحاد المغرب العربي المجمّدة مؤسّساته منذ 1994، ولا أحد سيزعم أنه بديل لهذا الاتحاد المعطّل أو قفز عليه، بقدر ما هي محاولة مختلفة في سياقها وغاياتها وأدواتها، لسد فراغ إقليمي نتجت عنه مخلّفاتٌ أضرّت بمصالح دول المنطقة وشعوبها، وفتحت الباب لاستفراد أطراف وتكتلات إقليمية بكل دولة على حدة، في قضايا متعدّدة، كالتجارة والهجرة غير النظامية وغيرهما، كما أنه إطار منفتح لا يقصي المغرب، برغم أنه اختار تحالفات أخرى، ولا موريتانيا التي اختارت المعالجات الثنائية.

تدرك الجزائر، وهي الطرف الأساس والمبادرة لهذا الإطار التنسيقي الجديد، أن الظروف القائمة على صعيد الحالة الليبية الهشّة مؤسّسياً، والوضع الملتبس في تونس في أفق انتخابات رئاسية مقبلة، لا يتيحان الانحياز إلى إنشاء كيان مؤسّسي جديد. لذلك استقرّت الفكرة ربطا بما تتيحه الظروف، على إطار تنسيق يتشكّل من ثلاثة أبعاد، مجموعة أفكار سياسية واقتصادية براغماتية قابلة للقياس والتنفيذ. ويمكن أن تشجّع وتفتح الباب واسعاً أمام المجتمع الاقتصادي، خصوصاً في الدول الثلاث، للانخراط في التصور الجديد، وقاعدة تنسيق قطاعية بين الوزارات والمؤسّسات الحكومية حول الأفكار المتفق عليها، وهرم قيادي يجتمع كل ثلاثة أشهر لمتابعة التنفيذ وتذليل العراقيل.

على هذا النحو، يصبح المعنى السياسي لهذه المبادرة، مرتبطاً قياساً بما يتحقّق عملياً من حزمة الأفكار والمشاريع التي تطرح للتنفيذ أو جزء منها على الأقل، وبما تتلمّسه شعوب الدول الثلاث في المدى المنظور، من قيمة مضافة على صعيد المسائل التجارة البينية وانسابية تنقل الأشخاص والسلع، وتنمية المناطق الحدودية، وتحرير خطوط النقل البرّي وبعث القطار المغاربي، وإشراك المجتمع الاقتصادي للاستفادة من سوق إقليمي للتجارة والعمل، والتحدّث بصوت واحد إزاء تكتّلات أخرى تخص قضايا الهجرة والإرهاب والتدخلات الأجنبية وغيرها.

وبالتأكيد، هناك أطراف لا تسرّها هذه الخطوة، وتحقيق هذه الأفكار ووضعها قيد التنفيذ ليس بالسهولة التي يتصورها بعضهم، كونها لا تحتاج إلى مجرّد قرار. بين الرغبة السياسية والإنجاز مسافة من المصاعب والظروف الداخلية المحيطة بكل بلد وبالمنطقة ككل، لكن ثمّة أكثر من سبب ضاغط على القيادات والنخب السياسية، للبدء بإنجاز الأفكار البسيطة والمشاريع البينية الممكنة، بما يفتح الشهية التي تأتي عادة مع الوقت... الزمن السياسي والإقليمي يجعل هذه المحاولة الإقليمية فرصة ثمينة يجب ألا تُهدر.