استمع إلى الملخص
- نتنياهو يسعى لإطالة الحرب لأهداف سياسية، مع التركيز على قصف جوي ومدفعي في المرحلة الثالثة لتقليل خسائر إسرائيل، التي بلغت 667 جنديًا، واستهداف الكوادر في غزة.
- المحللون يرون أن الحرب تتبع أسلوبًا متدرجًا لخلق فراغ يسمح ببديل لحماس، مع تقليص الوجود الإسرائيلي استعدادًا لمواجهة مع حزب الله، مؤكدين على استمرار المقاومة ضد الاحتلال.
منذ بداية العملية العسكرية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحدث الاحتلال الإسرائيلي عن تقسيم حرب غزة إلى ثلاث مراحل لاستهداف حركة حماس وقدرتها على إدارة القطاع على وجه الخصوص، وفصائل المقاومة الفلسطينية عموماً. وركزت المراحل على استهدافات جوية ضمن سياسة "الأرض المحروقة"، وتلتها العملية البرية التي ادعى من خلالها جيش الاحتلال نجاحه في تفكيك الكتائب الرئيسية لدى حركة حماس الموجودة في مختلف مناطق القطاع، ثم تفكيك العمل الإداري والحكومي للحركة.
وبدا واضحاً في الخطة التي أقرها مجلس الحرب المنحل، بعد انسحاب الوزيرين المستقيلين بني غانتس وغادي أيزنكوت، مدى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إطالة أمد حرب غزة لأهداف سياسية وشخصية، في ظل خشيته من محاكمته بعد انتهاء الحرب والتوصل إلى اتفاق مع "حماس". ومع التسريبات الإسرائيلية عن قرب انتهاء العملية البرية في رفح، وبالتالي انتهاء المرحلة الثانية من الحرب المتمثلة في الاجتياح البري لمختلف المناطق بما في ذلك رفح، بوشر الحديث عن المرحلة الثالثة من الحرب على غزة.
ووفقاً لما هو معلن إسرائيلياً، فإن المرحلة الثالثة من الحرب متمحورة على تقليل العمل البري وتموضع الجيش في محوري نتساريم وسط القطاع وفيلادلفيا جنوباً، مع عمليات قصف جوي ومدفعي مركزة في مناطق القطاع. وإلى جانب ذلك، استند الاحتلال إلى إمكانية شن عمليات عسكرية مركزة مثل عملية النصيرات (لاستعادة أسراه) ومستشفى الشفاء (لملاحقة جيوب المقاومة)، اعتماداً على أسلوب "طنجرة الضغط" المتبع في عملياته في الضفة الغربية المحتلة. وبدا أن الاحتلال الإسرائيلي من وراء ذلك معني في خفض حجم الخسائر في صفوف قواته، التي فقد منها 667 جندياً وفق حسب آخر الإحصائيات منذ بداية الحرب على القطاع، عدا آلاف المصابين، نتيجة تصدي فصائل المقاومة المختلفة للتوغل البري والعدوان.
وبدت لافتة عمليات القصف الجوي التي طاولت مدينة غزة خلال الأيام الماضية، واستهدفت مراكز إيواء وكوادر صحية، مثل المركز الصحي في حي الدرج شرقي غزة، فضلاً عن استهدافات طاولت تجمعات سكنية في المدينة. وأظهرت هذه العمليات نموذجاً للمرحلة الثالثة للاحتلال، المقررة خلال الأسابيع المقبلة، بعد الانتهاء من العملية البرية في مدينة رفح، القائمة على استخدام كثافة نارية ومحاولة الوصول إلى قيادات عسكرية وسياسية في المقاومة.
ساري عرابي: المرحلة الثالثة حاصلة منذ مدة في شمال القطاع ومدينتي غزة وخانيونس
المرحلة الثالثة من حرب غزة
في السياق، رأى الباحث في الشأن السياسي ساري عرابي أن المرحلة الثالثة ليست شيئاً سرياً، فالاحتلال الإسرائيلي استخدم أسلوب الحرب المتدرجة منذ أن بدأ في عمليته العسكرية شمالي قطاع غزة في 27 أكتوبر الماضي. وأضاف عرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال في بداية الحرب استخدم أسلوب "القصف السجادي"، أي سياسة الأرض المحروقة، ثم بدأ عمليته البرية، في ظل كلام عن الانتقال إلى المرحلة الثانية للحرب إلى خانيونس ورفح. وشدّد على أن العملية الثالثة حاصلة منذ مدة في شمال القطاع ومدينتي غزة وخانيونس، غير أنها ستصبح علنية أكثر بعد الانتهاء من المعركة البرية في رفح. ورأى عرابي أن الاحتلال ساعٍ إلى الحفاظ على "الإنجازات العسكرية" ومنع حركة حماس من ترتيب قدراتها العسكرية والمدنية، إلى جانب خلق فراغ داخل القطاع عبر استهداف الكوادر العسكرية والمدنية.
وبحسب عرابي، فإن الهدف من ذلك تهيئة الظروف لـ"خلق بديل محلي عن حماس"، وفق الاحتلال، بعد القضاء على قدرات الحركة العسكرية والإدارية وخلق فراغ. وأشار إلى أن من أهداف الاحتلال تقليل الخسائر في صفوفه، لأنه معرض للمزيد منها طالما بقي منغمساً داخل مراكز المدن، في ظل عدم امتلاك المقاومة الإمكانات بعيدة المدى لاستهدافه من مناطق بعيدة. ولفت عرابي إلى أن من أهداف الاحتلال القيام ببعض المداهمات الخاطفة والمفاجئة كما حصل في النصيرات والشفاء أو غيرها من المناطق، ووقف سياسة الاستنزاف التي تعرض لها منذ بداية الحرب المتواصلة للشهر التاسع على التوالي. ورأى أنه رغم خطورة هذه المرحلة، فإن سياسة الاستنزاف المتبعة من المقاومة، وتطورات الجبهة الشمالية مع حزب الله، من شأنها التأثير على مجريات هذه المرحلة، خصوصاً لجهة تعليق الصفقة مع حركة حماس. ولفت إلى وجود رغبة إسرائيلية في استمرار حرب غزة على ما هي عليه حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مع استخدام أدوات ضغط على "حماس"، مثل سلاح التجويع، أملاً في ابتزاز فصائل المقاومة.
عبد الجبار العبو: الاحتلال مجبر على تقليص وجوده في المناطق الجنوبية في القطاع
المراحل المقبلة من حرب غزة
من جهته، قال الخبير العسكري عبد الجبار العبو إن المرحلة الثانية من حرب غزة تمثلت في إتمام الدخول إلى مدينة رفح، التي زعم الاحتلال تدمير عشرات الأنفاق فيها مع مصر، على الرغم من تدمير هذه الأنفاق قبل سنوات. وأضاف العبو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الأنفاق التي ادعى الاحتلال وجودها على الحدود مع مصر غير قائمة، في الوقت الذي لم يدخل فيه إلى مناطق العمق في رفح، مركزاً بدرجة أساسية على المحور الحدودي الفاصل بين القطاع ومصر. وأشار العبو إلى أن المرحلة الثالثة من حرب غزة بحسب الاحتلال، مرتبطة بتقسيم القطاع إلى منطقتين. الأولى في الشمال ومدينة غزة، من خلال ممر الشهداء (نتساريم) الخاضع لسيطرة القوات الإسرائيلية. أما المنطقة الثانية ففي وسط القطاع وجنوبه، مع ترك الاحتلال الباب مفتوحاً لتنفيذ عمليات عسكرية برية مركزة مستقبلاً. ولفت إلى أن الاحتلال مع فشله في القضاء على المقاومة الفلسطينية، باشر عملية تحويل قطاع غزة إلى "كانتونات"، لإفساح المجال لعناصره في توجيه ضربات سريعة للأذرع العسكرية.
وأوضح العبو أن الاحتلال لم يتوقع في بداية الحرب استغراقها كل هذا الوقت، بالإضافة إلى رغبته في حسم الحرب للانتقال إلى الجبهة الأخرى في جنوب لبنان، من خلال الإعلان عن عمليات تحشيد هناك. ولفت إلى أن الاحتلال مجبر على تقليص وجوده في المناطق الجنوبية في القطاع استعداداً لفتح جبهة الشمال مع حزب الله بوتيرة متصاعدة، في ظل الإعلان الواضح عن الانتهاء من وضع الخطط العملياتية. ووفق العبو، فإن "كتائب القسام" مستمرة في أسلوبها العسكري عبر استخدام الضربات المركزة، في ظلّ وضوح أماكن انتشار جنود الاحتلال، كما جرى على الحدود مع لبنان، خصوصاً في مستوطنة المطلة. وبحسب العبو، فإن لدى المقاومة نية استخدام الضربات الصاروخية قصيرة المدى والقصف بقذائف الهاون أو ضربات سريعة مباشرة بواسطة الصواريخ الموجهة أو قذائف الياسين، عدا استهداف طرق إمداد القوات الإسرائيلية في ممري نتساريم وفيلادلفيا.