المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت يقرر استئناف التحقيقات

23 يناير 2023
من وقفة سابقة لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

قرّر المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، اليوم الإثنين، استئناف التحقيقات المتوقفة منذ أكثر من سنة، وإصدار قرارات جديدة بالموافقة على إخلاء سبيل عددٍ من الموقوفين، والادعاء على أشخاص بالقضية، بينهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.

وقال المحامي صخر الهاشم، وهو وكيلٌ قانونيٌّ لعددٍ من الموقوفين في ملف انفجار مرفأ بيروت، لـ"العربي الجديد"، إنّ القاضي البيطار "قرّر العودة إلى التحقيق من تلقاء نفسه، بناءً على مواد قانونية ودراسة قانونية معللة استند إليها، وقد بُلِّغنا اليوم بأن المحقق العدلي والكاتبة المساعدة له نزلا إلى المكتب صباحاً، وأن هناك تطورات في القضية".

وأشار الهاشم إلى أنّ القاضي البيطار أصدر قرارات جديدة بالموافقة على إخلاء سبيل عددٍ من الموقوفين، هم: المدير السابق للجمارك شفيق مرعي، ومدير العمليات في مرفأ بيروت سامي حسين، ومتعهّد أعمال الصيانة في المرفأ سليم شبلي، ومدير المشاريع في إدارة المرفأ المهندس ميشال نحول، إضافة إلى العامل السوري أحمد رجب، وهو يعمل مع شبلي.

ولفت الهاشم إلى أنّ القاضي البيطار يتجه للادعاء على عدد من الأشخاص، أبرزهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا.

وقال الهاشم "منذ البداية طالبنا بعودة القاضي البيطار إلى التحقيق لا سيما للبت بملف الموقوفين، ومن المهم جداً أنه عاد ووضع يده على القضية، وبدورنا سنقرأ الدراسة المعللة التي استند إليها، من دون أن نستبعد طبعاً أن يصار إلى مواجهته لإيقاف الملف من جديد".

تجدر الإشارة إلى أنّ خطوة البيطار قد استند فيها إلى اجتهاد قانوني يجيز له استئناف التحقيقات ويمنحه سلطات واسعة في الملاحقة، دون الوقوف أمام أي قيد، كما تأتي بعد لقاءين عقدهما مع وفد قضائي فرنسي يتابع ملف انفجار مرفأ بيروت، أكد له المحقق العدلي أنه لن يتخلّى عن القضية أو يتنحى عنها.

أبرز النقاط التي استند إليها القاضي البيطار في عودته

بدوره، أوضح المحامي فاروق المغربي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "أبرز النقاط التي استند اليها القاضي البيطار لاستئناف مهامه، هي أنّ مرسوم تعيين المحقق العدلي لم يتضمن تعيين محقق رديف له، بمعنى أنّ التعديل التشريعي الذي طاول قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد، أجاز ردّ أعضاء المجلس العدلي وتنحيتهم، وقد اقترن بوجوب تعيين عضو إضافي أو أكثر ليحلّ محلّ الأصيل، وذلك بموجب مرسوم التعيين عينه، رامياً من خلال ذلك إلى الحؤول دون عرقلة سير المحاكمات، وهذا ما يؤكد على عدم جواز ردّ أو تنحية المحقق العدلي وإلا لكان المشرّع قد أوجب تعيين محقق عدلي إضافي في قرار التعيين أسوة بما فعل بالنسبة إلى أعضاء المجلس العدلي".

كما أشار المغربي إلى أنّ "نقل الدعوى من قاضي التحقيق العدلي تعدٍّ على السلطات، باعتبار أنه تم تعيينه بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى، وهو ما ارتكز أيضاً عليه القاضي البيطار، إضافة إلى كون المشرّع جعل من المحقق العدلي محققاً خاصاً لا تنطبق عليه أحكام الرد والتنحية، وتنتهي مهامه بإصداره قراره الاتهامي".

وانتشرت معلومات صحافية تفيد بتوجّه النيابة العامة التمييزية لرفض البتّ بقرارات إخلاء السبيل، وكذلك الادعاءات الصادرة عن القاضي البيطار، واعتبارها كأنها لم تكن، مع العلم أنّ اتهامات كثيرة ألقيت عليها بعرقلة تنفيذ القرارات والمذكرات والطلبات السابقة التي صدرت عن المحقق العدلي وسط تشكيك بحياديتها، ولا سيما من جانب أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت ووكلاء قانونيين متابعين للقضية.

في السياق، قال المغربي إنّ "النيابة العامة التمييزية لا يحق لها أن ترفض تنفيذ القرارات الصادرة عن القاضي البيطار، باعتبار أنه في ملف التحقيق العدلي وبعكس الدعاوى العادية، لم يُعطَ لها الحق باستئناف أو قبول أو رفض القرارات الصادرة عن المحقق العدلي، وإلا تصبح بدائرة المعرقل"، موضحاً أنّ "الموضوع إداري ومرتبط بمخاطبة الضابطة العدلية وقوى إنفاذ القانون وبالتالي تبليغ القرار للمراجع المعنية المختصة، وهو ما يتم بواسطة النيابة العامة التي تعد رئيسة الضابطة العدلية والأخيرة تأتمر بأمرها".

وهنا لفت المغربي إلى أنّ "المحقق العدلي تطرّق في هذا المجال إلى النصوص المتعلقة بالمجلس العدلي، والتي تعطي المحقق العدلي سلطة موازية لسلطة الملاحقة المناطة حصراً أمام المجلس العدلي بمدعي عام التمييز، فتكون له صلاحية الملاحقة العائدة لهذا الأخير متى أصبحت الدعوى العامة أمامه، ويصبح بغنى عن الحصول على أي إذن بالملاحقة".

وأضاف المغربي: "كون النيابة العامة ادعت على من يظهره التحقيق في هذه القضية، فإنّ ذلك يشكّل بالنسبة إلى البيطار سبباً إضافياً للاستغناء عن الاستحصال على أذونات بالملاحقة أو حتى ادعاء لاحق من قبل النيابة العامة المذكورة، بمعنى أنّ القانون أعطاه سلطة الادعاء والملاحقة تماماً كالنائب العام التمييزي".

تبعاً لكل الوقائع القانونية التي استند إليها البيطار، فإنّ المحامي المغربي يعتبر ردّ البيطار "واضحاً بأنّ جميع الدعاوى التي رفعت ضده من قبل المدعى عليهم، والتي قد ترفع لاحقاً رداً على استئناف مهامه، هي لزوم ما لا يلزم، وهو مستمرّ بمهامه".

وفي وقتٍ لاحق، أعلن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، في بيان، أنه "أحال نسخة من مقتطفات القرار الصادر عن المحقق العدلي إلى مجلس القضاء الأعلى للاطلاع، ولما يمكن ممّا تقدم التأثير على مجريات هذا الملف وحسن سير العدالة، وبخاصة لناحية وجوب المحافظة على سرية التحقيق".

في سياق متصل بإجراءات القاضي طارق البيطار، فقد أشار مصدر قضائي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "المحقق العدلي ماضٍ في تحقيقاته والقرارات الصادرة عنه، وهو كان واضحاً في دراسته القانونية أنه لا يحتاج إلى أي إذن للملاحقة، كما أنه يواصل بكثافة متابعة القضية، والقرار الاتهامي لن يطول للانتهاء منه وصدوره".

وقال المصدر إنّ "القاضي البيطار لم يبت بكل طلبات إخلاء السبيل المقدّمة اليه، إذ رفض بعضها وقبل تلك التي رأى موجباً بها".

تجدر الإشارة إلى أنّ لقاضي البيطار سبق وأخلى سبيل عددٍ من الموقوفين في القضية قبل كف يده مؤقتاً، وبقي 17 موقوفاً، لينخفض العدد إلى 12 في حال تنفيذ إخلاءات سبيل الموقوفين الخمسة.

وكان وزير العدل قد تحرّك بدفعٍ من "التيار الوطني الحر" (يرأسه النائب جبران باسيل) للبتِّ بقضية الموقوفين من خلال تعيين قاض رديف، أي بديل عن البيطار، بيد أنّ أهالي الضحايا انتفضوا بوجه هذا القرار الذي كان يهدف بالدرجة الأولى إلى إخلاء سبيل المدير العام للجمارك بدري ضاهر المحسوب على التيار، وحال ضغطهم دون تنفيذه.

وكان عدد من الموقوفين قد نفذوا أكثر من وقفة احتجاجية كل في مكان توقيفه (المحكمة العسكرية، أمن الدولة، الأمن الداخلي)، ووصلوا إلى حدّ الإضراب المفتوح عن الطعام للدفع باتجاه إخلاء سبيلهم، ودعوا إلى تسريع طلباتهم باعتبار أنهم يعانون من أمراض مزمنة، ومن بين الذين نفذوا هذه الوقفات: شفيق مرعي، وسامي حسين، وميشال نحول، وآخرون.

ويعدّ انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في 4 أغسطس/ آب 2020، أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، وقد أودى بحياة ما لا يقل عن 215 شخصاً، وسقط بنتيجته آلاف الجرحى، عدا عن إلحاقه أضراراً مادية كبيرة في العاصمة اللبنانية. ويُتهم المسؤولون السياسيون من قبل منظمات محلية مدنية ودولية بعرقلة التحقيقات ومحاولة طمس الحقيقة، رغم اعترافات كبار القادة من سياسيين وأمنيين بعلمهم بوجود نيترات الأمونيوم، التي نجم عنها الانفجار، بحسب السلطات، في المرفأ من دون أن يتحركوا لإخراجها.

ليست المرة الأولى

وتوقفت التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت منذ 23 ديسمبر/ كانون الأول 2021، مع كف يد القاضي البيطار مؤقتاً بفعل الدعاوى التي رفعت عليه لردّه عن القضية وعلى القضاة المتابعين لهذه الملفات، وفاقت العشرين من قبل المدعى عليهم، لا سيما المدعى عليهما الوزيرين السابقين النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، وهما ينتميان إلى "حركة أمل" التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يرد فيها اسم اللواء عباس إبراهيم وهو من المقرّبين جداً للرئيس بري، واللواء طوني صليبا المحسوب سياسياً على رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في لائحة الادعاءات، بيد أنّ الأذونات لم تمنح للقاضي البيطار من الجهات المعنية المختصة لملاحقتهما.

المساهمون