في بدايات شهر يوليو/تموز الماضي، شن الاحتلال الصهيوني عدوانًا واسعًا على مدينة جنين ومخيمها في الضفة الغربية المحتلة، مستهدفًا مجموعات المقاومة المسلحة الناشئة، وفي مقدمتها كتيبة جنين، التي تأسست في العام 2021. كان هذا العدوان هو الأشرس منذ عدوان ما يسمى بالسور الواقي عام 2002، إذ نقلت شبكة "بي بي سي" عن الهلال الأحمر الفلسطيني قوله إن طواقمه أجلت 3000 شخصٍ؛ من بينهم مرضى وكبارٌ في السن، من المخيم إلى المستشفيات، خلال العدوان الذي استمر يومين.
كما أكدت صحيفة "الغارديان" أن "اسرائيل" كانت قد أبلغت البيت الأبيض بخطتها قبل تنفيذ تلك العملية العسكرية، وأفادت بأن الجيش الاسرائيلي "شن ما لا يقل عن 10 غاراتٍ بطائراتٍ دون طيارٍ على المباني، كما دخل لواءٌ من القوات الإسرائيلية؛ ما بين 1000 و2000 جنديٍ، مدعومًا بالجرافات المدرعة، والقناصة على أسطح منازل المدينة ومخيم اللاجئين فيها'. وأضافت الصحيفة: "كانت شوارع جنين يوم الاثنين مقفرةً، باستثناء وجود بعضهم خارج أقرب مستشفى... ملأ الدخان الأسود الناتج عن الإطارات المحترقة والغاز المسيل للدموع الهواء. وكانت سيارات الإسعاف تكافح لعبور نقاط التفتيش الإسرائيلية المرتجلة".
هذه العملية العسكرية الشرسة، تعكس من جهةٍ حالة الذعر التي تهيمن على دولة الاحتلال، جراء نشوء مجموعات المقاومة الشبابية المسلحة الجديدة، مثل كتيبة جنين وشقيقتها عرين الأسود في نابلس، كما تبين بوضوحٍ إصرار الشعب الفلسطيني على التمسك بخيار المقاومة بكافة أنواعها، وفي مقدمتها الكفاح المسلح، على عكس قيادة السلطة الفلسطينية التي لا تزال تنتظر "الحل" من واشنطن. الدليل على ذلك هو تشكيل هذه المجموعات المقاومة المسلحة خارج الأطر التنظيمية التقليدية، متمسكةً باستراتيجية المواجهة المفتوحة المستمرة، إثر تراجع دور فصائل منظمة التحرير.
التناقض بين الشعب وهذه السلطة ليس مجرد تناقضٍ سياسيٍ بين معارضةٍ شعبيةٍ وقيادةٍ سياسيةٍ، بل بات تناقضًا تناحريًا لا يمكن حله إلا بحل السلطة نفسها
ليلة ذلك العدوان على جنين، انتشرت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في مراكز مدن الضفة الغربية، تحسبًا لاحتجاجاتٍ على اعتقال نشطاء المقاومة، وفقًا لموقع الانتفاضة الإلكترونية، الذي أكد أيضًا أن قوات الأمن التابعة للسلطة اعتقلت فلسطينيين كانا في طريقهما للمساعدة في الدفاع عن المخيم، إضافةً إلى اعتقال مقاومين ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي مع بدء العدوان الصهيوني. كما نقل الموقع عن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قوله: "نأمل أن تؤدي العملية، التي استمرت يومين في وقتٍ سابق من هذا الشهر، إلى تعزيز السلطة الفلسطينية، التي فقدت منذ فترةٍ طويلةٍ قدرتها على اعتقال الفلسطينيين في المدينة نيابةً عن إسرائيل".
عوضًا عن الدفاع عن شعبها، تستمر سلطة رام الله بممارسة القمع، واعتقال النشطاء والمقاومين، مصرةً على مصادرة حق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه، ومتمسكةً بإملاءات العم سام، وبالتنسيق الأمني مع الاحتلال. التناقض بين الشعب وهذه السلطة ليس مجرد تناقضٍ سياسيٍ بين معارضةٍ شعبيةٍ وقيادةٍ سياسيةٍ، بل بات تناقضًا تناحريًا لا يمكن حله إلا بحل السلطة نفسها، وانتخاب قيادةٍ مقاومةٍ بديلةٍ، تعبر حقًا عن إرادة الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة.
قيادة منظمة التحرير لا تزال متمسكةً برهانها على مفاوضاتٍ تمنح الاحتلال مزيدًا من الوقت للتمدد في الأراضي الفلسطينية، وتهجير المزيد من أبناء الشعب الفلسطيني، وفي المقابل، لايزال هذا الشعب متمسكًا بنهج الكفاح المسلح، وقادرًا على خلق قياداتٍ ميدانيةٍ بديلةٍ، ومستمرًا في ثورته التي لا يمكن أن تنتهي؛ بأي حالٍ من الأحوال، إلا بزوال دولة الاحتلال. كتيبة جنين، وغيرها من مجموعاتٍ مقاومةٍ مسلحةٍ ناشئةٍ، ليست سوى بداية العودة إلى المسار الطبيعي الذي يتخذه أي شعبٍ تحت أي احتلالٍ: نهج المقاومة المستمرة!