لا يبدو الطريق نحو عقد جولة جديدة من اللجنة الدستورية السورية ممهداً بالإيجابية، على الرغم من التفاؤل الذي أبداه المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن خلال زيارته دمشق، أول من أمس السبت، وتحديداً بعد لقائه وزير خارجية النظام فيصل المقداد، بوصف المحادثات معه بأنها "ناجحة جداً". في المقابل، لم تخرج نتائج محادثات بيدرسن مع الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد النظام أحمد الكزبري للعلن، إذ لم يحمل بيدرسن في جعبته مطالب أو شروط المعارضة لاستئناف عمل اللجنة، والتي من المرجح أن النظام لن يوافق عليها بالمطلق. وغادر بيدرسن دمشق متوجهاً إلى بيروت ثم الرياض.
اعتبر بيدرسن أن محادثاته في دمشق كانت ناجحة
وخلال مؤتمر صحافي عقده ألمح بيدرسن إلى توصله مع المقداد إلى اتفاق على البنود الأساسية للجولة المقبلة من اللجنة الدستورية. وقال: "كانت لدي محادثات ناجحة جداً تجاه كل ما يتعلق بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وأعتقد أنه من المنصف أن أقول إنه خلال هذه المحادثات تطرقنا إلى كل التحديات التي تواجه سورية، وأمضينا بعض الوقت للحديث عن الوضع الميداني في مختلف المناطق السورية". وأشار بيدرسن إلى أنه انطلاقاً من المحادثات يمكن القول "إننا متفقون على البنود الأساسية للجولة المقبلة للجنة الدستورية"، وفق ما نقلت الإعلام التابع للنظام. وتابع: "بحثنا التحديات الاقتصادية والإنسانية المتعلقة بمعيشة السوريين وكيف يمكن لنا تحسين الوضع العام. وبكل تأكيد بحثنا مسألة اللجنة الدستورية وكيف يمكن أن نحرز تقدماً".
وكان المقداد قد شدّد خلال لقائه مع بيدرسن على أهمية ضمان عدم التدخل الخارجي في عمل هذه اللجنة وأن يتم ذلك بقيادة وملكية سورية. وركز المقداد على أن "اللجنة منذ أن تشكلت وانطلقت أعمالها باتت سيدة نفسها، وهي التي تناقش وتعالج التوصيات التي يمكن أن تخرج بها وكيفية سير أعمالها"، مع التأكيد أن "الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده". وذكرت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام أن "المبعوث الدولي تقدم باقتراح بأن يكون 9 أكتوبر/تشرين الأول المقبل موعداً لعقد الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة".
ويصرّ النظام على إبعاد أي تأثير غربي في عمل اللجنة، لجهة الإشراف أو الاطلاع على علمها، ليصار له التوغل أكثر في المماطلة من دون الغوص في أعمال اللجنة بشكل حقيقي، فيما يقبل تدخل حليفيه الروسي والإيراني، على اعتبار أن تدخّلهما في المحادثات المتعلقة باللجنة، دائماً ما يكون لصالحه، ودعماً لخياراته، لا سيما باللعب على عامل الوقت.
ولا يتوقع أن يعلن بيدرسن عن موعد لعقد الجولة السادسة من أعمال الدستورية، كونه ذهب إلى دمشق بشروط المعارضة لبحثها مع الرئيس المشترك للجنة عن وفد النظام أحمد الكزبري. وكشفت مصادر من داخل وفد المعارضة لـ"العربي الجديد" أن المبعوث الأممي تواصل مع الرئيس المشترك للجنة عن وفد "هيئة التفاوض" هادي البحرة، الذي حمّله عدداً من المطالب التي جاءت بمثابة شروط للذهاب إلى جولة أعمال جديدة. وأشارت المصادر إلى أن البحرة أخبر أعضاء وفد المعارضة بتمسكه بالمطالب التي حددتها المعارضة في إبريل/نيسان الماضي، كمنهجية عمل للجولة المقبلة، من دون أي تعديل عليها. والمطالب تتمحور حول زيادة ساعة إضافية للمدة الزمنية لكل اجتماع صباحاً ومساءً، وأن يتم تمديد وقت كل جولة إلى ثلاثة أسابيع بدلاً من أسبوع واحد، وأن يفصل بين كل جولة وجولة أسبوع واحد فقط، وأن يتم التفاوض على تحديد جدول زمني واضح لإنجاز عمل اللجنة.
البحرة سلم بيدرسن احتجاجاً رسمياً على ما جاء في خطاب الأسد ومقابلة الشبل
ولفتت المصادر المعارضة إلى أن البحرة سلم بيدرسن احتجاجاً رسمياً على ما جاء في خطاب رئيس النظام السوري بشار الأسد الأخير (خطاب القسم في يوليو/تموز الماضي) في ما يتعلق باللجنة الدستورية، وكذلك ما ورد في مقابلة مستشارته الإعلامية لونا الشبل بعد الخطاب حول ذات الموضوع. وكانت الشبل قد أشارت في مقابلة لها مع التلفزيون الرسمي للنظام إلى أن الأسد كان صادقاً وشفافاً في حديثه مع الشعب في ما يخص اللجنة الدستورية، حين قال إنه لا يمكن أن يكون هناك حوار في لجنة مناقشة الدستور من دون أن يكون سورياً - سورياً وبرعاية سورية. وأضافت أنه عندما يعود الأشخاص الممثلون من الطرف الآخر في هذه اللجنة من الخارج وتحديداً من تركيا، عندها يمكن أن نصل إلى حل في اللجنة.
وأشارت المصادر المعارضة إلى أنها ليست متفائلة بقبول النظام بهذه المطالب، على الرغم من أنها جاءت بصيغة مختلفة عما تم التمسك به عند تقديمها في إبريل الماضي. وقالت المصادر: "كنا سابقاً مصرين على تحديد جدول واضح للأعمال قبل الذهاب للجولة، وعلى أن يتم تحديد سقف أو جدول زمني لعمل اللجنة كاملاً وأن يكون هذا الأمر خارج التفاوض، بالإضافة للمطالبة بأن يكون عمل اللجنة مفتوحاً حتى إنجاز صياغة الدستور، وليس من خلال جولات تجري على فترات متباعدة". ولفتت إلى أن طرح وفد المعارضة الجديد لا يعد تراجعاً، إنما يعد بمثابة ترك مساحة للمبعوث الأممي لإقناع دمشق بإرسال وفدها إلى الجولة السادسة، من دون شروط، مبدياً عدم تفاؤله بحصول ذلك.
وبعد تمكن النظام من إنجاز الانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي، وتمرير فوز الأسد فيها، ضمن استحقاق لاقى اعتراضاً غربياً وأممياً لجهة عدم الاعتراف بشرعية الانتخابات، زاد النظام من مماطلته وتسويفه بخصوص حضور جولة جديدة من المفاوضات، وذهب نحو مزيد من اللامبالاة بالتواصل مع المبعوث الأممي المشرف على عمل اللجنة وتسيير أمورها. وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن إحدى أعضاء قائمة المجتمع المدني (الطرف الثالث في اللجنة، بعد النظام والمعارضة) للجنة الدستورية، أشارت في محاضرة لها أول من أمس السبت، إلى أن دمشق امتنعت عن إعطاء بيدرسن تأشيرة دخول إلى دمشق لأسابيع من حين طلبها. وأشارت إلى أن النظام يشدد على بيدرسن بأنه مسهّل وليس وسيطا في عمل اللجنة، بمعنى أن النظام لا يقبل منه أي تدخّل جوهري في عمل اللجنة، التي بات النظام يتعامل معها على أنها إجراء شكلي، ولا سيما بعد شعوره بتحقيق "الانتصار" بإنجاز الانتخابات.
النظام لا يتعامل مع بيدرسن كوسيط بل مسهّل لعمل اللجنة الدستورية
واختتمت الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، والتي وصفها بيدرسن بالمخيبة للآمال، وأشار في ختامها إلى تعطيل وفد النظام لأعمالها وما سبقها من جولات بشكل غير مباشر، إذ كان أحمد الكزبري، أعلن صراحة على هامش الجولة السابقة، أنهم قدموا إلى جنيف لمناقشة المواضيع الدستورية، من دون الدخول في وضع صياغات دستورية، معتبراً أنّ هذا الأمر "يحتاج وقتاً طويلاً ومساحة من النقاش". واستمرار هذا الموقف من قبل وفد النظام، قد يفضي إلى إعلان فشل المسار بالمطلق خلال الجولة المقبلة.
وماطل وفد النظام وعطّل أعمال اللجنة بفرض أجندات ومواضيع غير دستورية، تتعلق بمناقشة الثوابت والركائز الوطنية، ومن ثم الهوية الوطنية، وبعدها جاء الدور على الجانب الثقافي والاجتماعي بطرح "العروبية" كسمة للدولة المستقبلية. في المقابل، برز أخيراً تكتيك وضع المسار الأممي في سياق المساومة الدولية، بطرح رفع العقوبات الغربية عن النظام مقابل الانخراط جدياً في نقاشات وأعمال اللجنة الدستورية.
في سياق متصل، أعربت وزارة الخارجية الروسية عن أملها في استئناف عمل اللجنة الدستورية السورية في أقرب وقت ممكن. وقال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، خلال لقاء جمعه مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في العاصمة الروسية موسكو، أول من أمس السبت: "أبلغنا الشركاء بعملنا، سواء على المستوى الثنائي مع دمشق أو في إطار صيغة أستانة بمشاركة تركيا وإيران، وكذلك على منصة جنيف"، معرباً عن أمله بأن يستأنف عمل اللجنة الدستورية في أقرب وقت بمشاركة وفدي النظام والمعارضة، وفق ما ذكر موقع "روسيا اليوم".