أعلن ممثل "تجمع ثوابت الأمة" (السلفي)، في مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، النائب محمد هايف المطيري، أمس الجمعة، عبر حسابه في "تويتر"، عن حصوله على تواقيع 27 نائباً (من أصل 50)، لتقديم طلب برلماني لتعديل المادة 79 من الدستور الكويتي، وذلك لحماية هوية المجتمع الإسلامية، وفق تعبيره.
وتنص المادة 79 من الدستور الكويتي على أن "لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمة، وصدّق عليه الأمير". وكان هايف قد أعلن في حديث له خلال جلسة مجلس الأمة العادية، يوم الأربعاء الماضي، عن تقديمه طلباً بتعديل المادة 79 من الدستور، وذلك بإضافة عبارة "وكان موافقاً للشريعة الإسلامية" في نهاية نص المادة. كذلك أوضح خلال حديثه عن ضرورة هذا التعديل بأنه يعدّ "موقفاً تاريخياً وشرعياً"، وذلك لحماية مجتمع الكويت مستقبلاً، وفق قوله. وتحدث عما اعتبرها "خطورة انتشار الثقافة الغربية في أوساط المسلمين"، وحتى لا يقع الشباب في الكويت "ضحية عرض قوانين مخالفة للشريعة"، ودعا أعضاء مجلس الأمة إلى المشاركة في التوقيع على طلبه بالتعديل الدستوري.
وتمنح المادة 174 من الدستور الكويتي: "للأمير وثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور، بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو إضافة أحكام جديدة إليه"، ولكن تشترط لإقرار التنقيح "موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذاً بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره".
ولم يعلن هايف المطيري عن أسماء الأعضاء الموقّعين على طلب تعديل المادة 79 من الدستور، كما لم يعلن أي نائب أنه من المشاركين في التوقيع على طلبه.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، تحفّظ النائب هايف المطيري عن إعلان أسماء الأعضاء الموقّعين على طلبه بالتعديل الدستوري، وأوضح أنه سينشر الطلب بالأسماء بعد تقديمه بشكل رسمي الأسبوع المقبل، حيث يُجري تنسيقاً مع عدد منهم، ويتوقع أن ترتفع أعداد تواقيع الأعضاء المؤيدين لطلبه خلال الأيام المقبلة.
وبيّن أنه يتوقع حصوله على أغلبية ثلثين أعضاء مجلس الأمة، عند مناقشة طلب تعديل المادة 79 من الدستور، للموافقة عليه وإقراره، ثم رفعه إلى أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح للبتّ فيه.
وقال إنّ هدف هذا التعديل "حماية المجتمع وحماية الهوية الإسلامية والأجيال المقبلة من الثقافات الدخيلة والظواهر السلبية، التي لم تكن موجودة قبل 20 عاماً، ولا نعلم ماذا سيحدث بعد 20 عاماً أخرى، من تبدّل الثقافات والأفكار وغزوها من الخارج، حتى لا تسنّ قوانين مخالفة للشريعة، مثل السماح بالخمور". وأضاف "كذلك حماية لمجلس الأمة، فنحن لا نعلم من سيأتي إليه في السنوات المقبلة، ولا نضمن من الذين يُرشحون أنفسهم".
وعند سؤاله عن تنوّع الخلفيات المذهبية في البلاد، ومخاوف المنتمين إليها من تعديل المادة 79 من الدستور، أوضح المطيري أن التعديل "لا يُطبّق بأثر رجعي في حال إقراره، بل يشمل القوانين اللاحقة له". كما أوضح أن المقصد من الشريعة الإسلامية "ليس الفرعيات الدقيقة التي فيها خلاف، بل نقصد وهو الأصل ما عُلم من الدين بالضرورة، والأمور الكلية المُجمع عليها وعلى تحريمها، لكن المسائل الخلافية الأمر يسع فيها وتُحسم بالتصويت في مجلس الأمة"، وفق قوله.
وحول المادة الثانية من الدستور، التي تنصّ على أن "دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، وما إذا كانت كافية لتحقيق مراده، قال: "غير كافية، لأننا نتكلم عن إقرار القوانين في مجلس الأمة (المادة 79)، وشرط ذلك نعتبره ناقصاً، لأنه اشترط أمرين فقط، إقرار مجلس الأمة وتصديق الأمير، ولم تُذكر الشريعة الإسلامية، ما قد يفتح المجال للقوانين المخالفة لها".
جدير بالذكر أن النائب المطيري من المرشحين الذين وقّعوا على "وثيقة القيم" الإسلامية، التي أطلقها عدد من رجال الدين أثناء موسم الانتخابات، وأثارت جدلاً واسعاً في البلاد، وطافت على عدد كبير من المرشحين الذين تعهدوا على الالتزام بما جاء فيها، حصل منهم 17 مرشحاً على عضوية البرلمان، في الانتخابات التي أُجريت أخيراً، في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وترتكز الوثيقة المكونة من 12 بنداً، على "تأييد المشاريع والقوانين الإسلامية التي يقدمها النواب في مجلس الأمة".
في المقابل، أصدرت "الحركة التقدمية الكويتية"، بياناً، دعت فيه "الشعب الكويتي والقوى الحيّة في المجتمع الكويتي، وأعضاء مجلس الأمة الحريصين على النظام الدستوري"، إلى "التحرك لاتخاذ مواقف واضحة في رفض العبث بالمادة 79 من الدستور، والتمسك بأسس النظام الديمقراطي وبالطابع المدني للدولة ورفض المساس بهما".
وأوردت في البيان: "إن طلب تنقيح المادة 79 من الدستور لا يستهدف تحقيق المزيد من ضمانات الحرية والمساواة، بل إنه سيغير الطابع المدني للدولة الكويتية، عبر قيام سلطة دينية تشريعية، وهذا على أقل تقدير عبث بالدستور، ومتاجرة سياسية وانتخابية بالشريعة الإسلامية".
وأشارت في بيانها إلى أن "هناك مخاوف جديّة من استغلال هذا التنقيح للمساس بمبادئ الحرية والمساواة، استناداً إلى المواقف المعلنة للعديد من النواب الإسلاميين والقوى المتزمتة، التي تدعو إلى التدخل المباشر في الحرية الشخصية والحياة الخاصة للأفراد، وتحاول فرض الوصاية على حرية الاعتقاد، وتعارض مبدأ المساواة بين الجنسين وتكريس التمييز على أساس المعتقد الديني".
وأضافت: "إن التثبت من توافق القوانين مع أحكام الشريعة الإسلامية في حال تنقيح المادة 79 من الدستور، يفرض أن يتم تحديد جهة ما لتقرر هذا التوافق من عدمه، وبذلك سيتم تنصيب سلطة دينية غير منتخبة فوق مجلس الأمة، لتقرر ما إذا كان هذا المشروع بقانون المقدّم من الحكومة، أو هذا الاقتراح بقانون المقدّم من أحد أعضاء مجلس الأمة، متوافقاً مع أحكام الشريعة أو يتعارض معها". وحذرت من أنّ "تنصيب مثل هذه السلطة الدينية غير المنتخبة سيقوّض الطابع المدني للدولة، ويهدم الأسس الديمقراطية لنظام الحكم، التي تنطلق من أن الأمة هي مصدر السلطات جميعاً".
من جانبه، أصدر "المنبر الديمقراطي الكويتي" بياناً، جاء فيه: "نرفض تقويض ديمقراطيتنا، والتعدي على دستورنا ومواده، سواء كان ذلك عبر تعديل المادة 79 من الدستور، أو أي تعديل آخر لا يكون نحو المزيد من ضمانات الحرية والمساواة".
وطالب المنبر أعضاء مجلس الأمة "بالعمل على ترجمة مشاريعهم الوطنية، وتقييم المشاكل والأزمات التي يعاني منها الإنسان ويعاني منها الوطن، وتطبيق الحلول الجذرية لها". وأضاف: "كما نأمل تحقيق كافة البرامج الإصلاحية، كي تعود الكويت.. كويت الحرية والديمقراطية".
ولفت إلى أن "للمرحلة الحالية أهمية عظمى في تاريخ الكويت السياسي ومستقبلها، للمعطيات التي شهدناها في الآونة الأخيرة، وهذه المرحلة تتطلب العمل الجاد والتشريعات المستحقة، التي تساهم في نقل وطننا الغالي نحو المزيد من التقدم والديمقراطية، وعلى البرلمان متمثلاً بنوابه ترجمة الآمال والتطلعات الشعبية إلى أعمال وتحركات تحقق النتائج المرجوة، ومترجمة للوعود التي قُطعت على الناخبين".
وأعرب عن أسفه لـ"بعض التصرفات والمقترحات التي تُبعدنا عن آمالنا وأحلامنا لوطن ديمقراطي آمن، كما أن جرّ الدين في المعترك السياسي لا يخدم سوى أولئك الذي يستغلونه تكسباً لمصالحهم، ولا يخدمون في ذلك لا الدين ولا الوطن".
يُذكر أنّ مجلس الأمة في فبراير/ شباط 2012، الذي أُطلق عليه "مجلس الأغلبية" من المعارضة، التي شكّلت عدداً بحدود 38 نائباً، تقدموا فيه باقتراح مشابه لتعديل المادة 79 من الدستور، أثار جدلاً ولغطاً في الشارع الكويتي ما بين مؤيد ومعارض، وقُوبل برفض أمير الكويت السابق الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ولم يرَ النور وأُبطل المجلس بحكم من المحكمة الدستورية.
ووجّه حينها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مذكرة نقلها رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح إلى رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون، بأن أخذه بمقترح البرلمان من شأنه إثارة الخلافات السياسية، وإثارة الفتن الطائفية المذهبية، ما يهدد الوحدة الوطنية في البلاد.