أعلن مجلس الوزراء الكويتي، اليوم الثلاثاء، عن إصدار مرسوم بالعفو عن "العقوبة المقيدة للحرية المحكوم بها على بعض الأشخاص" ممن هم داخل السجون وخارج البلاد، ما من شأنه "تهيئة الأجواء نحو التعاون المثمر" مع مجلس الأمة (البرلمان).
وافُتتح بيان الحكومة، الذي بُثّ عبر تلفزيون الدولة الرسمي: "لقد حملت الكويت خلال تاريخها الطويل الممتد، بل وفي أيامها الحوالك، راية الحق والنور والعفو والتسامح والخير، وإن الشواهد على ذلك متواترة ومتكاثرة وحية ونضرة، حتى أن عطرها يتفوح جمالاً وطيبها يتعبق جرياناً عبر القرون، بأيدي حكّامها البررة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه".
وأضاف أنه "إيماناً من القيادة السياسية بأن عهود الازدهار والاستقرار والنتائج المليء بالبناء والعطاء والإعلاء لا تتم وتكتمل وتزهو وتسمو إلا بمصالحة وطنية تعود بالخير على أبناء هذا الوطن، وفتح صفحة جديدة مضيئة مشرقة يكون عنوانها تصحيح المسار من أجل الاستقرار، والتأكيد على أن الكويت أولى بأبنائها، وأن مكانة الشعب لدى قيادته محفوظة ومذكورة ومذخورة".
وأوضح البيان أنه من أجل ذلك، كشفت رغبة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، عن استعمال حقه "الأصيل الجليل دستوراً وقانوناً، في العفو عن شريحة واسعة من أبناء الوطن ممن هم على أرضه داخل المؤسسات الإصلاحية، بعد أن قضوا مدة في تنفيذ العقوبات المحكوم بها عليهم".
وبيّن أن الرغبة الأميرية شملت "شريحة من أبناء الوطن ممن طال عليهم العمر وهم يتلحفون ثياب الغربة، لا يشعرون بصدق الملاذ وحقيقة المأوى حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وظنّوا أن أيام العودة إلى الديار وأحلام الاجتماع واللقاء قد أفلت دون رجعة".
وأكّدت الحكومة، في بيانها، أنها على ثقة بأن هذه الخطوة من شأنها "تهيئة الأجواء نحو تعاون مثمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفق الأسس الدستورية، تزيل كل العوائق التي من شأنها تعطيل التنمية والإنجاز، وتهيئ أجواء العمل كفريق واحد للارتقاء بكل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن".
وأعرب البيان عن أمل الحكومة "أبناء الوطن من المشمولين بهذا العفو الكريم، أن يقابلوا الإحسان بالإحسان، وأن يكونوا قدوة حسنة لإخوانهم المواطنين، من خلال الحفاظ على هذا البلد المعطاء، والالتزام والاحتكام إلى قوانينه".
وشدد على أن هذا العفو "قد صدر عن إرادة خالصة وعزم أكيد ورغبة صادقة من حضرة صاحب السمو أمير البلاد، إيماناً بقوله تعالى "وأن تعفوا أقرب للتقوى"، وتحقيقاً لمصلحة البلاد العليا حالاً ومآلاً، تحت ظل القيادة الحكيمة"، بحسب بيان الحكومة.
وكانت الحكومة الكويتية أعلنت، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عبر المتحدث الرسمي باسمها طارق المزرم، عن موافقتها على مشروع بالعفو عن "جرائم محددة"، ورفعه إلى أمير البلاد.
معظم الذين شملهم العفو الصادر اليوم من المُدانين على خلفية قضايا رأي خلال السنوات الماضية، خصوصاً في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض عام 2014. وكشفت صحيفة "الراي"، واسعة الانتشار في البلاد، أن عدد المشمولين الإجمالي 37 شخصاً.
وكشفت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، أن "العفو شمل الجرائم المرتكبة من تاريخ 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2021"، وأوضح أن "الجرائم" التي شملها العفو هي "عمل عدائي ضد دولة أجنبية"، و"إذاعة أخبار كاذبة"، و"الطعن بحقوق الأمير"، و"الإساءة إلى القضاء"، و"إساءة استخدام الهاتف"، كما أكّد أن هناك "دفعات أخرى من العفو في الفترة المُقبلة".
يُذكر أنه بدت ملامح خلاف بين البرلمان والحكومة، عقب انسحاب الأخيرة من جلسة مجلس الأمة، يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن اقتصر تمثيلها على وزيرين فقط، احتجاجاً على إصرار النواب على مناقشة قانون إسقاط القروض، وسط اعتراض نيابي على انسحابهما، واعتذار الحكومة عن حضور الجلسة التكميلية في اليوم الذي تلاه.
وكان الوزير عمّار العجمي الذي حضر إلى الجلسة، قد طلب من مجلس الأمة، عند البدء في مناقشة قانون إسقاط القروض، بعدما تلا بياناً يُعبّر عن وجهة نظر مجلس الوزراء، إعادة القانون إلى اللجان البرلمانية، وذلك لمناقشته مع الحكومة والتوافق بشأنه، خصوصاً أنه يتعلق بـ"أعباء مالية"، ما يمكّنها، ممثلةً بالوزراء المختصين، من تدارس الاقتراحات النيابية، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، ما أدى إلى انسحابه والوزير بدر الملا من قاعة البرلمان، ورفع الجلسة.
لاحقاً، أصدر 44 نائباً، يتصدرهم رئيس البرلمان أحمد السعدون، بياناً أعلنوا فيه رفضهم "انسحاب الحكومة غير المبرّر" من جلسة الأمس، وتعاملهم "مع هذا السلوك غير الدستوري" وفقاً لصلاحياتهم الدستورية.
كما أعلن النائب مبارك هيف الحجرف، على خلفية الجلسة، تقديمه استجواباً من 7 محاور إلى وزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار عبد الوهاب الرشيد.
من جانبها، أعلنت عضوة مجلس الأمة، جنان بوشهري، أمس، عن توجيهها استجواباً من 3 محاور، إلى نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، براك الشيتان، في خطوة تصعيدية إضافية مع الحكومة.
ومن المُتوقع أن تساهم خطوة الحكومة بالعفو عن استعادة حالة الوئام التي عاشتها مع البرلمان في الفترة السابقة، تحديداً منذ الانتخابات التي جرت 29 سبتمبر/أيلول الماضي، ولكنّها لا تُعدّ سوى تأجيل إلى موعد تفجّر الأزمة، حيث لا محالة أن تؤدي مناقشة البرلمان إلى قوانين تعهدت المعارضة خلال حملاتها الانتخابية بإقرارها، لكنّها لا تلقى القبول الكافي من طرفها، مثل بسط سلطة القضاء على مسائل الجنسية، أو تعديل قانون النظام الانتخابي وفق القوائم النسبية، أو إلغاء قانون منع المسيء من الترشح للانتخابات، إلى تهديد العلاقة بينهما.