الكويت: استقرار سياسي مهدد بعودة خلافات الحكومة والمعارضة

02 يناير 2023
رئيس الحكومة الشيخ أحمد النواف خلال جلسة برلمانية، نوفمبر 2022 (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

تدخل الكويت العام 2023، بحالة من الهدوء والاستقرار السياسي، جرّاء التوافق بين مجلس الأمة (البرلمان) والحكومة، بعد أزمات عاصفة شهدتها العلاقة بينهما طوال العامين الماضيين، أدت إلى الشلل التام وانسداد أفق الحلول السياسية.

خطاب أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، في 22 يونيو/حزيران الماضي، الذي ألقاه نيابةً عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وأعلن عبره عن حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، فتح مساراً جديدا في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

لكن من غير المتوقع أن تستمر فترة "شهر العسل" بين الحكومة والمعارضة طويلاً، إذ قد تشهد بدايات العام 2023 عودة الخلافات بينهما. فلطالما عاشت البلاد أجواء شبيهة بالاستقرار الحالي عند تكليف رئيس جديد للحكومة، مثلما حدث عند تكليف الشيخ جابر المبارك عام 2012، ثم الشيخ صباح الخالد عام 2019، ولاحقاً دبّت خلافات عميقة تسبّبت برحيلهما من الحكم، وذلك بسبب الاختلاف الجذري في الرؤى السياسية عند الطرفين.

يُتوقع أن تؤدي مناقشة البرلمان قوانين لا تلقى القبول الكافي من الحكومة إلى تهديد العلاقة بين السلطتين مجدداً

كما يُتوقع أن تؤدي مناقشة البرلمان قوانين تعهدت المعارضة خلال حملاتها الانتخابية بإقرارها، لكنّها لا تلقى القبول الكافي من الحكومة، مثل بسط سلطة القضاء على مسائل الجنسية، أو تعديل قانون النظام الانتخابي وفق القوائم النسبية، أو إلغاء قانون منع المسيء من الترشح للانتخابات، إلى تهديد العلاقة بين السلطتين مجدداً.

تهدئة قصيرة قبل الأزمة السياسية

وبدأ عام 2022 بهدوء نسبي فرضته أجواء جلسات ما عُرف بـ"الحوار الوطني" بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد دعوة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد له، في سبتمبر/أيلول 2021، تلاه صدور مرسوم أميري في نوفمبر/تشرين الثاني، بالعفو عن مداني قضية دخول مجلس الأمة، في مقدمتهم النواب السابقون مسلّم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش، وتشكيل حكومة جديدة في ديسمبر/كانون الأول 2021، تضمنت دخول ثلاثة نواب من كتلة الـ31 المعارضة آنذاك إلى التشكيل الحكومي. وأدت اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في 4 يناير/كانون الثاني 2022.

مكّن ذلك الحكومة من أن تبدأ العام 2022 وقد فككت كتلة المعارضة الصلبة، بعد أن تشظت إلى ثلاث مجموعات داخل البرلمان. لكن الكتلة، التي تزعمها النائب السابق فيصل المسلم، استمرت بالتصعيد، ورفعت شعار "رحيل الرئيسين"، في إشارة إلى رئيسي مجلس الأمة والحكومة، واعتبرت أن العفو الذي صدر بحق عدد من السياسيين ليس سوى "ابتزاز سياسي لبقائهما".

استطاع أعضاء هذه الكتلة استمالة الأعضاء المترددين، خصوصاً من المجموعة الثانية، التي تزعمها النائب حسن جوهر وأرادت الحصول على مكاسب سياسية في ظل التهدئة. في المقابل بقيت المجموعة الأخيرة متمسكة بدعم الحكومة، بزعامة النائب عبيد الوسمي الذي قاد "الحوار الوطني"، وأصرّ على وصفها بـ"الحكومة الشعبية". وفشلت المعارضة في الإطاحة بالوزراء، لتتجاوز الحكومة بشق الأنفس سحب الثقة.

وُجّه استجوابان بحق وزيرين من أبناء الأسرة الحاكمة، الأول إلى وزير الدفاع الشيخ حمد جابر العلي، والآخر إلى وزير الخارجية الشيخ أحمد ناصر المحمد، بينما كان الاستجواب الثالث من نصيب وزير الأشغال علي الموسى. إثر ذلك، تقدّم كل من وزير الدفاع السابق الشيخ حمد جابر العلي، ووزير الداخلية السابق الشيخ أحمد المنصور، في 16 فبراير/شباط الماضي، باستقالتيهما من منصبيهما احتجاجاً على ما وصفاه بـ"تعسف النواب باستخدام أداة الاستجواب".

المعارضة تُطيح برئيس الحكومة

لكن ما قصم ظهر الحكومة هو تقديم المعارضة استجوابها الرابع إلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد. وأدى استنزافها بالاستجوابات المتتالية، وتراكم السخط من الشارع الكويتي، إلى عدم تحصيلها العدد الكافي لحماية رئيس الحكومة، بعد ارتفاع عدد أعضاء مجلس الأمة المؤيدين لطلب عدم التعاون معه إلى 26 نائباً، ما يعني الإطاحة بالحكومة كاملة. أجبر ذلك رئيس الوزراء على تقديم استقالة الحكومة في 5 إبريل/نيسان الماضي، قبل يوم واحد من موعد التصويت على طلب عدم التعاون.

بعد شهر من تقديم الحكومة استقالتها، أصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، في 10 مايو/أيار الماضي، أمراً أميرياً بقبول الاستقالة وتكليفها تصريف العاجل من الأمور. لكن عدم تسميته رئيساً جديداً للوزراء تسبب بتعطيل البرلمان لعدم انعقاد جلساته، منذ جلسة مناقشة استجواب رئيس الوزراء، ليدعو النائب السابق صالح الملا إلى اعتصام في 25 مايو الماضي، استجاب له مئات المواطنين، الذين تجمعوا في ساحة الإرادة وسط العاصمة الكويت، احتجاجاً على تعطل انعقاد مجلس الأمة.

في الأول من يونيو الماضي، أصدرت سبع قوى سياسية كويتية فاعلة، بياناً حذرت فيه مما وصفته بـ"دعوات للانقلاب على الدستور وتعطيل الحياة النيابية في البلاد، في ظل تفاقم الأزمة السياسية". بعد أسبوعين، وفي 14 يونيو، أعلنت المعارضة في مجلس الأمة عن بدء اعتصام مفتوح في البرلمان، أطلقوا عليه "اعتصام بيت الأمة"، احتجاجاً على ما وصفوه بـ"تعطل الدستور"، من أجل الضغط على القيادة السياسية لتشكيل حكومة جديدة.

استحسنت المعارضة الخطاب الأميري وتكليف الشيخ أحمد النواف تشكيل الحكومة الجديدة

وأصدرت عشرات القوى السياسية والجمعيات والنقابات العمالية والطلابية بيانات، أعلنت عبرها عن دعمها لاعتصام النواب ومطالبهم الدستورية. وتزامن ذلك مع إطلاق 19 نائباً سابقاً دعوة إلى اعتصامات موازية يومية في دواوين (ملاحق متصلة بالبيت يتجمع فيها الرجال) الأعضاء المعتصمين، لاقت حضوراً كبيراً من المواطنين الذين أعلنوا تضامنهم مع اعتصام النوّاب.

أمير الكويت ينهي الأزمة السياسية

في اليوم الثامن للاعتصام، أعلن أمير الكويت إنهاء الأزمة السياسية والاستجابة إلى المطالب النيابية، عبر خطاب تلاه عنه ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات عامة. وأكّد من خلاله على عدم المساس بالدستور، ومنح تعهدات بعدم التدخل في خيارات الشعب لممثليه في مجلس الأمة، أو في اختيار المجلس لرئيسه ولجانه.

قوبل الخطاب الأميري بترحيب المعارضة، واستحسنت الخطوة التي لحقها في 24 يوليو/تموز الماضي، تكليف نجل حاكم البلاد الشيخ أحمد النواف بتشكيل الحكومة الجديدة، ما منح أملاً بخروج البلاد من الأزمات السياسية الحادة التي مرت بها في العامين الماضيين، خصوصاً أن النواف ابتعد طوال حياته عن التجاذبات والصراعات السياسية بين مجلس الأمة والحكومة، ولم يتقلد أي منصب وزاري في مسيرته، ودخل الحكومة لأول مرة في مارس/آذار الماضي، ما جعله يحظى بتأييد كافة أطياف القوى السياسية.

صدر المرسوم الأميري بحلّ البرلمان رسمياً في 2 أغسطس/آب الماضي، وجاءت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، وسط إقبال واسع من الناخبين الكويتيين، أسفر عن اكتساح المعارضة وسيطرتها على تركيبة مجلس الأمة الجديد، وكان لافتا اكتساح رئيس مجلس الأمة لأربع دورات سابقة، وعرّاب العمل البرلماني منذ سبعينيات القرن الماضي، أحمد عبد العزيز السعدون، بحصوله على المركز الأول في الدائرة الثالثة بـ12239 صوتاً، وهو الرقم الأكبر في تاريخ الانتخابات التشريعية منذ تطبيق نظام الصوت الواحد.

وشهدت الانتخابات إلى جانب مشاركة السعدون، تراجعاً رسمياً للمعارضة عن المقاطعة، بعودة آخر التيارات الفاعلة سياسياً إلى خوض الانتخابات، مثل "حركة العمل الشعبي" (حشد)، التي يتزعمها مسلّم البراك، و"المنبر الديمقراطي الكويتي"، من دون أن يظفروا بمقاعد نيابية.

التزمت الحكومة بالتعهدات التي قطعها الخطاب الأميري، بعدما شهدت الجلسة الافتتاحية للبرلمان في 18 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انسحابها عند البدء بالتصويت على اختيار رئيس مجلس الأمة، وبقية مناصب مكتب المجلس. وأعلن الوزير عمّار العجمي، أنه "بناءً على توجيهات القيادة السياسية والنطق السامي، وتفعيلاً لحق الأمة في اختيار رئيس مجلس الأمة بشفافية وعدالة، فإن الحكومة تعلن مغادرة قاعة البرلمان".

وضمن خطوات عدة قامت بها الحكومة الجديدة لتأكيد طيّ صفحة الخلاف مع المعارضة، وضمن التفاهمات التي تجريها مع البرلمان المنتخب أخيراً، أعلنت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن رفعها "القيود الأمنية" على معارضين، وموافقتها في 21 نوفمبر على مرسوم بالعفو الخاص عن "جرائم محددة"، معظمها عن المحكومين على خلفية قضايا رأي خلال السنوات الماضية، خصوصاً في أعقاب الحراك الاحتجاجي المعارض عام 2014.

المساهمون