بعد ساعات من تقديم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، تعهداً إلى 25 سفيراً لدول عربية وأجنبية مختلفة، بحماية البعثات الدبلوماسية ومصالحها في العراق، تعرضت ثاني أكبر قاعدة عسكرية عراقية تشهد تواجدا لقوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، إلى عملية قصف بواسطة ستة صواريخ أرض ـ أرض، دون إلحاق أي أضرار بشرية أو مادية، بعدما سقطت تلك الصواريخ خارج القاعدة.
الهجوم الذي يعتبر الأول من نوعه من ناحية الصواريخ المستخدمة التي يصل مداها إلى أكثر من 50 كم والمنطقة المستهدفة في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، أثار تكهنات حول نوع التصعيد الذي ينتظره العراق بالأيام المقبلة، خاصة في حال نفذت واشنطن خطتها وقررت فعلا إغلاق سفارتها في بغداد، بسبب استمرار الهجمات التي تطاول مبنى السفارة داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، والذي لا ينفي مسؤولون وسياسيون عراقيون علاقته بالانتخابات الأميركية والاجندة الإيرانية التي تراهن على عدم فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولاية ثانية.
وفي جديد المعلومات بشأن الهجوم الصاروخي على مطار أربيل الدولي، حيث تتواجد قوات أجنبية ضمن مهام التحالف الدولي للحرب على تنظيم "داعش"، بقيادة واشنطن، أبلغ مسؤول عراقي في محافظة نينوى، "العربي الجديد"، بأن لجنة عسكرية قادمة من بغداد وصلت إلى سهل نينوى وتوجهت إلى مقر مليشيا "حشد الشبك"، واستدعت قادة الفصيل المسلح وعددا من المسؤولين بالمنطقة، لافتا إلى أن اللجنة لديها أسماء أشخاص بالمليشيا يرجح أنها تقف وراء الهجوم الصاروخي وطالبت بحضورهم، غير أنهم متوارون عن الأنظار منذ مساء أمس.
وأكد أن أفراد المليشيا متورطون بالهجوم، لكن لا يعلم هل كانوا بدور المساعد أو المنفذ المباشر، وأن الصواريخ المستخدمة هناك كانت من ضمن ما أمر إيداعه، منذ عام 2019، ضمن الترسانة العسكرية لقيادة عمليات القوات المشتركة، إلى جانب كل أنواع السلاح الثقيل والنوعي والصواريخ التي يزيد مداها عن 20 كم.
وأكد أن التحقيق متواصل وقد يؤدي الهجوم إلى تسريع عودة البشمركة للمناطق الحدودية مع الإقليم بالتنسيق مع بغداد، وأيضا إعادة النظر بانتشار الفصائل المسلحة المنتشرة ضمن حدود نينوى وكركوك.
من جانبه، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، لـ"العربي الجديد"، إن المعلومات المتوفرة حاليا هي أن المتورطين بقصف السفارة الأميركية ومطار بغداد هم أنفسهم المتورطون بقصف أربيل، يوم أمس، من أجل ايصال رسائل عديدة إلى الجانب العراقي والأميركي.
وبين شنكالي، أن "تلك الجماعات، أرادت إيصال رسائل إلى بغداد وواشنطن بأن لديها القدرة العسكرية في التحرك وتنفيذ العمليات في كافة المدن العراقية، خصوصاً بعد الحديث عن نية الولايات المتحدة الأميركية إغلاق سفارتها في بغداد ونقل بعض أعمالها في إقليم كردستان".
وأضاف أن " قصف أربيل تطور خطير، خصوصاً أنه يأتي ضمن مخطط لنقل مناطق الصراع إلى مناطق بعيدة عن نفوذها، من أجل إبعاد الشبهات عن بعض الفصائل، وكذلك إيصال رسائل بأن قدرتها العسكرية كبيرة جداً، لكن في نفس الوقت هذه الأعمال سوف تعطي حافزا إلى واشنطن لإغلاق سفارتها في بغداد، كما ربما تعطي لها مبرر للقيام ببعض الأعمال العسكرية ضد بعض الأهداف لبعض الفصائل، التي تعتقد أنها تقف خلف تلك العمليات".
واعتبر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي إحسان الشمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قصف أربيل "إحراج جديد لحكومة مصطفى الكاظمي، خصوصاً أن العملية جاءت بعد تعهد رئيس الوزراء العراقي إلى البعثات الدبلوماسية، ورسائل قصف أربيل، تذهب أيضا أبعد من الحكومة العراقية، إلى الولايات المتحدة الأميركية، بأن الجهات التي تقوم بالقصف لديها القدرة على الوصول إلى الأهداف والمصالح الأميركية في إقليم كردستان".
وأكد أن "عملية قصف أربيل، ستكون عاملا ضاغطا بشكل كبير جداً على مستوى اتخاذ قرار الإغلاق المحدود للسفارة الأميركية في العاصمة العراقية بغداد، أو اتخاذ بعض الإجراءات التي يمكن من خلالها الحفاظ على حياة من يتواجد من الأميركيين على الأرض العراقية في بغداد أو حتى في أربيل".
وبيّن الشمري أن "قضية الاحتكاك ورد الاعتداء من قبل الجانب الأميركي هو مرتبط بالخسائر الأميركية؛ فإذا كانت هناك خسائر في الأرواح، فسيكون للولايات المتحدة رد قوي بشكل كبير جداً، خصوصاً في ظل الحديث عن تحديد أهداف من قبل واشنطن، وكل شيء وارد في ظل هذا التصعيد الأخير، ولهذا نحن أمام مرحلة حرجة جداً".
وحذر الخبير في الشأن السياسي والأمني العراقي من أنه "ربما تذهب الولايات المتحدة الأميركية إلى قضية تدويل القضية العراقية، على اعتبار أن الحكومة العراقية لم تعد قادرة على تنفيذ التزاماتها".
في المقابل، قال المتحدث باسم الحشد الشعبي محور الشمال علي الحسيني، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "اتهام الحشد الشعبي وعناصره بعمليات قصف أربيل اتهامات باطلة ولا صحة لها من الأساس، وبعد عمليات فرض القانون، وسيطرة القوات الاتحادية على المناطق التي كانت تحت نفوذ البشمركة، بدأ الإقليم بتوجيه الاتهامات من ذلك الوقت وإلى الساعة".
وأكد أن "الصواريخ لم تنطلق من مناطق تحت سيطرة الحشد الشعبي، وإنما هي مناطق مشتركة فيها حشد وفيها جيش عراقي وقوات للبشمركة، والصواريخ أطلقت من مناطق أقرب للبشمركة".
وبيّن الحسيني أنه "غير مستبعد أن هذا الأمر يهدف إلى إعادة قوات البشمركة إلى المناطق التي أخرجت منها بعد عملية فرض القانون، كما من غير المستبعد تورط كردستان بهذه العملية، والتحقيقات التي تجري حالياً سوف تكشف الحقائق قريباً جداً".
ومنذ 26 فبراير/ شباط الماضي، تشهد الساحة العراقية تصعيداً واضحاً في هجمات "الكاتيوشا" التي طاولت السفارة الأميركية وقاعدة أميركية في مطار بغداد الدولي، وقواعد عسكرية عراقية تستضيف جنوداً وقوات للجيش الأميركي وقوات التحالف الدولي، بالإضافة إلى استهداف أرتال التحالف الدولي بالعبوات الناسفة، في مدن عراقية مختلفة، تتبناها مليشيات عراقية بين وقت وآخر.
إلى ذلك، قال محافظ نينوى الأسبق، القيادي في جبهة الإنقاذ العراقية، أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "إطلاق الصواريخ من منطقة سهل نينوى تجاه أربيل، "هو محاولة لتحويل منطقة الصراع إلى محافظة نينوى، فالفصائل المسلحة وعموم المحور الإيراني، يستفيد كثيرا من تحويل الصراع إلى هذه المنطقة، إذ يهدد إقليم كردستان، وأيضا يبعد مناطق نفوذه وسيطرته عن الصراع العسكري، كما قد يحول ذلك دون انتقال السفارة الأميركية في العراق إلى الإقليم فيما لو أغلق من العاصمة بغداد".