الكاظمي يغلق "التشريفات"... معابر "بلا دولة" بمطار بغداد لنفاذ شخصيات إيرانية وسورية ولبنانية
أصدر رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قرارا بإغلاق جميع مكاتب التشريفات الخاصة في مطار بغداد الدولي، التابعة لجهات وهيئات مختلفة تورطت بالسنوات الماضية في تهريب مطلوبين وأموال، وسهلت وصول شخصيات من لبنان وإيران وسورية بدون علم الحكومة العراقية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "انقلاب أبيض"، سيعيد سيطرة الدولة على جميع أجزاء ومفاصل مطار بغداد، على غرار خطوة تسليم الجيش مسؤولية المنافذ البرية والموانئ في البصرة قبل نحو شهرين.
ومكاتب التشريفات الموجودة في مطار بغداد برزت بشكل لافت بعد عام 2014 كمحاولة لتسهيل إجراءات الوزارات والهيئات العاملة بالدولة، لكن وبسبب المحاصصة الطائفية والحزبية في مؤسسات الحكومة تحولت تلك المكاتب إلى واجهة لأحزاب سياسية. كما أصبحت تلك المكاتب تستخدم لأنشطة ذات طابع خاص، منها ما يتعلق بالنشاط الخاص بفصائل عراقية مسلحة تنتشر في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وأخرى لتسهيل زيارة شخصيات لبنانية وإيرانية وسورية العراق دون علم الحكومة. وفي كثير من الأحيان تصل تلك الشخصيات إلى العراق ويتم استقبالها بمكتب التشريفات وتغادر بسيارات خاصة مرخصة دون تأشير دخولها البلاد.
ووفقا لوثائق مسربة صادرة من قبل سلطة الطيران المدني، فإنه "تنفيذا لتوجيهات مكتب رئيس الوزراء، فقد تقرر إغلاق مكاتب تشريفات كل من، الحشد الشعبي، والنزاهة، وجهاز الأمن الوطني، ووكالة استخبارات الداخلية إضافة الى جهات أخرى مثل نقابة الصحافيين وأمن الأفراد التابع لوزارة الداخلية وهيئة المساءلة والعدالة".
ويشمل القرار 9 جهات تمتلك مكاتب تشريفات تستقبل وتودع من خلالها الشخصيات المختلفة، ومنح أمر رئيس الحكومة 3 أيام لتنفيذ القرار، وأبقى على مكتب التشريفات الرئيس في المطار والذي يشمل رئاسة الجمهورية والبرلمان والوزراء فقط.
كما قرر الكاظمي منع تواجد أية سيارة في ساحة وقوف الطائرات عدا السيارات الخاصة بسلطة الطيران المدني ومنع عبور أي شخص من الحرم الجمركي وكابينة الجوازات عدا المسافرين، مخولا وزير الداخلية عثمان الغانمي بالإشراف على تنفيذ القرارات.
مسؤول عراقي بارز في بغداد، تحدث لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم كشف اسمه، عن أبعاد وأهمية القرار المتخذ، مبينا أن الخطوة ستعيد السيطرة على مطار بغداد وتجعله تحت أعين الدولة.
وأوضح أن "هناك جهات استغلت مكاتب التشريفات في أعمال خاصة تدخل في الفساد المالي والأعمال ذات الطابع الخاص وأخرى تهدد أمن الدولة واستقرارها"، مؤكداً أنه "جرى استقبال شخصيات لا يملكون إذن دخول العراق من دول عدة وجرت مغادرة أشخاص بالطائرات أيضا بشكل غير سليم إذ إن عليهم مؤشرات وقضايا يجب حسمها قبل سفرهم وكلها تمت من خلال مكاتب التشريفات تلك، لذا وبهدف إنهاء هذه الفوضى في المطار اتخذ هذا القرار".
ولفت إلى أن "الخطوة تشبه فرض السيطرة على المنافذ البرية والموانئ لكن بشكل أكثر دقة وتفصيلا لأن المطار أكثر أهمية وحساسية"، مقرا بأن بعض مكاتب التشريفات التابعة لجهات عدة استخدمت الصلاحيات الممنوحة لها بشكل مخالف للقانون.
وقال أيضا إن "هناك ضيوفا على العراق يترددون بين وقت وآخر صاروا يتواصلون مع مسؤولي تلك المكاتب مباشرة للتنسيق قبل المجيء للعراق حيث يتم استقبالهم من باب الطائرة دون المرور بالإجراءات السيادية المتبعة في أي دولة، ومنها ما يتعلق بالنشاط الخاص لبعض الجهات في العراق مع إيران وسورية ولبنان، إذ يمرون دون تدقيق أو تفتيش بسبب مكاتب التشريفات".
وسيخضع المطار حصرا إلى سلطة الطيران المدني العراقي بعد القرار الصادر بإغلاق كل مكاتب التشريفات، ما يعني تطبيق البروتوكول الأمني المتبع في المطار على جميع الداخلين والخارجين منه، حتى بالنسبة للرحلات الداخلية في العراق بين بغداد ومطارات أخرى في البصرة وأربيل والسليمانية والنجف مثلا.
الخبير بالشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، وصف الخطوة بأنها "انقلاب أمني أبيض داخل المطار لتقليم أذرع جهات سياسية ومسلحة تستولي عليه".
وأضاف الحمداني أن "القرار يجعلنا نستذكر أن وصول قاسم سليماني (قائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري الإيراني) ليلة اغتياله مطلع العام الحالي كان من خلال مكتب تشريفات الحشد الشعبي ودون علم الحكومة بوصوله، لذلك استمر التخبط الرسمي العراقي عدة ساعات لمعرفة هوية القتيل المستهدف".
وأضاف الحمداني لـ"العربي الجديد"، أن "هناك شخصيات مطلوبة بقضايا فساد غادرت العراق من خلال تلك المكاتب وأخرى وصلت إلى العراق أيضا دون علم الحكومة رغم كونها مطلوبة". وتابع قائلا "فضلا عن استخدامها لأغراض شخصية وسياسية فإنها باب تهريب معروف أيضا"، معتبرا الخطوة بأنها تندرج ضمن خطوات تعزيز سلطة الدولة العراقية أمام قوى اللا دولة.
ويأتي ذلك في وقت أقدم فيه الكاظمي على إجراء تغييرات طاولت مناصب حساسة في الدولة، وقد لاقت تلك الخطوات انتقادات وتحذيرات من أطراف سياسية. لجنة النزاهة البرلمانية أثنت على خطوات الكاظمي بمحاربة الفساد، مؤكدة أن هناك خطوات لاحقة وعد بالمضي بها، وقالت عضو اللجنة، النائبة عالية نصيف، إن "الكاظمي تجاوز الخطوط الحمراء للفساد في البلاد، حيث كان سابقا أصحاب المناصب من مدراء عامين وغيرهم، محصنين من المحاسبة والمساءلة لكن نجد اليوم أن المساءلة طاولت عددا كبيرا من ذوي المناصب العليا".
وأكدت، في تصريح صحافي، أنه "الكاظمي أكد وجود قائمة جديدة بأسماء الفاسدين، تضم رؤوسا كبيرة من أصحاب المناصب العليا سوف تصدر قريبا، وأن جهود مكافحة الفساد ستستمر". وأكدت أن "أعمدة الفساد قد تعرضوا لهزة كبيرة، ما ينذر بسقوط حيتان الفساد الذين كانوا يعتمدون على تلك الأعمدة في دعم عمليات الفساد التي يديرونها".
يشار الى أن الكاظمي، كان قد شكل نهاية الشهر الماضي، "لجنة التحقيق في قضايا الفساد الكبرى والجرائم الاستثنائية"، وهي لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم الهمة، وارتبطت بمكتب رئيس الوزراء، على أن تعرض تقاريرها عليه بشكل مباشر.