- النداء يأتي في ظل فشل تطبيق نتائج الحوارات السابقة بين الفصائل، مما يضع القضية الفلسطينية أمام تحديات مصيرية تتطلب توحيد الصف وتجاوز الانقسامات.
- المبادرة الشعبية لتوحيد القيادة تسعى لإعادة تأكيد دور منظمة التحرير كوعاء جامع للكل الفلسطيني، مؤكدة على ضرورة تجاوز الانقسامات والتركيز على المصلحة الوطنية العليا.
تتصاعد، منذ بدء الحرب على غزة، نداءات تطالب بتحقيق وحدة فلسطينية حقيقية. ولمواجهة تحدّيات الواقع الدامي ومستقبل القضية الوطنية، جاء إطلاق مبادرة "نداء من أجل قيادة فلسطينية موحدة"، من أجل مؤتمر وطني عام لصياغة الأولويات.
ولأنه في السابق لم تطبّق على الأرض نتائج الحوارات الكثيرة، على الرغم من توقيع معظم الفصائل عليها، فإن الحالة الفلسطينية اليوم تواجه تحدّياتٍ مصيرية، هي أكبر من كل المسمّيات والتركيبات السياسية - الفصائلية.
لا يخفي الاحتلال الإسرائيلي خوضه حرب إبادة وتصفية للقضية. وفي المقابل، نشأت حالة تضامن وتفهم دولي للحقوق الفلسطينية، بالتوازي مع كل التضحيات والمعاناة على أرض غزة، ولهاث الاحتلال وداعميه نحو ما يسمّى "اليوم التالي"، ما يتطلب، مع غير هذه من أحوال فلسطينية عامة، وقفة جادّة وصادقة من مكوّنات حركة التحرّر الوطني الفلسطيني. ويتطلّب الأمر إيماناً بقدرات شعبهم وتضحياته، وليس التعويل على متاهات ووعود فارغة، مثل "العملية السياسية" التي رسخت الاستيطان الاستعماري.
قد لا تثمر حركة التضامن الدولية، وعودة قضية الاحتلال الاستعماري إلى الواجهة بقوة، عن شيء إذا لم يكن أصحاب القضية بمستوى التحدّيات. بل حتى التعويل على صمود غزة والمقاومة الباسلة فيها وحدها، لا يمكن أن يعيد لمنظمة التحرير الفلسطينية حيويتها ودورها.
يعرف الموقّعون على "النداء" أن منظمة التحرير تعيش منذ اتفاقية أوسلو (1993) حالة غير صحية، في الدور والوظيفة والمكانة وتمثيل طموحات شعبها، خصوصاً بعد عملية أشبه بدمجها في السلطة الفلسطينية برام الله.
مع ذلك، المعوّلون على أن الأمر بيد الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، بما في ذلك قوى المقاومة التي تشمل الجميع في قطاع غزة والضفة الغربية، يرون أن منظمة التحرير يجب أن تبقى الوعاء الجامع للكل الفلسطيني.
بالطبع، تظل الآمال معقودة على مستوى أمانة المسؤولية أمام معاناة غزة والمقاومة فيها لأجل التقاط المعنيين المبادرة الشعبية وتحويلها إلى ممارسة، وضرورة ملزمة لكل من يتصدّى للعمل الوطني الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني ليس قاصراً ولا عاجزاً عن تحمّل التضحيات، ولكن أي هدر للوقت (وقد هُدر كثير منه سنوات) يعني هدراً لتلك التضحيات، وبصورة لا تليق بحركة تحرّر وطني مكبلة تحت مظلة "أوسلو" ومتفرّعاته، فالحاضنة الوطنية، منظمة التحرير، تضم فصائل لا تقبل بـ"أوسلو"، وبالتالي، وضع العصي في دواليب الوحدة، كما جرى لسنوات، بحجة اشتراطات غربية وإقليمية، ومن بوابة الاتفاق نفسه الذي أنهاه أصلاً الاحتلال، هو بمثابة مزيد من الدماء والمعاناة والتلاعب بالقضية الوطنية. وبالتأكيد، لا التاريخ ولا الشعب سيرحمان من يتخاذل عن دوره.
وإطلاق مبادرة شعبية مؤشّر يجب أن يتوقف عنده الممسكون بالقرار الفلسطيني. إذ من الواجب على الجميع الترفع عن ضيق المصالح، والاستعداد لتقديم التضحيات في سبيل حرية الشعب الذي يمثلونه وكرامته.
فمنذ أن نهشت آفة الانقسام بالجسد الرسمي الفلسطيني، وشبه تجميد لدور منظمة التحرير، على الأقل منذ عام 1996، دفع الشعب والقضية أثمان متاهات التفكير الضيق لمصالح الأطراف، وتغييب القاسم المشترك على البرامج الوطنية الفلسطينية، بما فيها ذلك الذي توافقت عليه المنظمة تحت مسمى "البرنامج المرحلي" عام 1974، لتحقيق تقرير المصير والاستقلال.
على الأقل ثمّة، مثلاً، أسئلة جدية تدور بين الشتات، وفي صفوف حركة التضامن الدولية بشأن الحل في فلسطين، بما في ذلك الكثير من الشكوك عن "حلّ الدولتين" وطرح أفكار أخرى، مثل "الدولة الواحدة". الأمر ليس ترفاً، فالجواب يجب أن يأتي من ممثلي الشعب الفلسطيني لتحديد ما يفترض عمله لمواجهة دولة الأبارتهايد الصهيوني.