أنهى البرلمان اللبناني استحقاقه الثالث، بعد انتخاب الرئيس ونائبه وأميني السر، مع انتخاب اللجان النيابية (انتخب أعضاؤها)، اليوم الجمعة، رؤساءها ومقرّريها، في جولةٍ فضَحت سير المنظومة السياسية عكس شعاراتها الانتخابية ومبادئها السياسية المُعلَنة، فكان تبادل الأصوات بين متخاصمين نحّوا خلافاتهم ومعاركهم جانباً ووقفوا معاً بوجه النواب التغييريين الذين عجزوا عن تسجيل حضور مؤثرٍ بعدما تعرّضوا لحملة إقصاءٍ أثبتتها نتائج التصويت.
واستكمل البرلمان اللبناني، اليوم الجمعة، انتخاب أعضاء لجنتي الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية والتربية والثقافة والتعليم العالي، قبل أن يترأس رئيس البرلمان نبيه بري بحضور أعضاء هيئة مكتب المجلس جلسات انتخاب رؤساء ومقرري اللجان النيابية.
وبعدما تمكّنت الأحزاب والكتل السياسية التقليدية من تحقيق شبه اكتساح على مستوى عضوية اللجان باعتماد مبدأ تبادل الأصوات في ما بينها، أكملت بنود الاتفاق على الرؤساء والمقررين سواء انتخاباً أو تزكية، وحازت على جميع المراكز، فكانت العودة الأبرز لأمين سرّ تكتل "لبنان القوي" (بقيادة النائب جبران باسيل، صهر الرئيس ميشال عون) النائب إبراهيم كنعان، الذي انتخب رئيساً للجنة المال والموازنة، وإلى جانبه علي فياض، نائب "حزب الله" كمقرِّرٍ، وكذلك عودة النائب جورج عدوان (ينتمي إلى حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع)، بفوزه برئاسة لجنة الإدارة والعدل بالتزكية مع النائب في تكتل باسيل جورج عطالله كمقرّر للجنة، علماً أنّ علامات استفهام كثيرة وضعت على أداء اللجنتين ورئيسيهما بشكل خاص وطريقة تعاطيهما مع الملفات.
وتعدّ "المال والموازنة" و"الإدارة والعدل" من أهم اللجان في المرحلة الراهنة وتلعبان دوراً أساسياً في مسار استحقاقات اقتصادية مالية نقدية، وتضع المنظومة السياسية يدها عليهما ما يخلق خشية لدى الناس من ضياع حقوقها وخصوصاً ودائعها في ظل غياب العدالة والمحاسبة وانحياز واضح للمصارف، عدا عن أنّ اللجنتين تضمّان مطلوبين للعدالة في ملف انفجار مرفأ بيرزت هما علي حسن خليل وغازي زعيتر (ينتميان لحركة أمل بقيادة نبيه بري)، اللذين حصدا أرقاماً لافتة في التصويت تقف وراءها كتل يفترض أنها معارضة.
وتوزعت رئاسة اللجان النيابية والمقررين بغالبيتها على الأحزاب التقليدية: "حركة أمل"، "حزب الله"، "التقدمي الاشتراكي" (بقيادة وليد جنبلاط)، "الكتائب اللبنانية" (بقيادة النائب سامي الجميل)، "القوات اللبنانية" (بقيادة سمير جعجع)، "تيار المردة" (بقيادة سليمان فرنجية)، إلى جانب مستقلين، لكن ضمن النادي السياسي، بينما عجز النواب التغييريون عن إحداث أي خرقٍ.
وجاءت نتائج انتخابات اللجان لرؤسائها ومقرريها على الشكل الآتي: "النائب فادي علامة رئيساً للجنة الخارجية والمغتربين، والنائب هاغوب بقرادونيان مقرراً لها بالتزكية، النائب سجيع عطية رئيساً للجنة الأشغال العامة والنقل، والنائب محمد خواجة مقرراً لها بالتزكية، النائب حسن مراد رئيساً للجنة التربية، والنائب إدكار طرابلسي مقرّراً لها بالتزكية، النائب بلال عبد الله رئيساً للجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية، والنائب سامر التوم مقرراً لها بالتزكية.
كما انتخب النائب جهاد الصمد رئيساً للجنة الدفاع والداخلية والشؤون البلدية، والنائب أسعد درغام مقرراً للجنة بالتزكية، النائب هاغوب بقرادونيان رئيساً للجنة المهجرين، والنائب حسين جشي بالتزكية، النائب أيوب حميد رئيساً للجنة الزراعة والسياحة بالتزكية، كما مقرّره النائب أديب عبد المسيح، النائب غياث يزبك رئيساً للجنة البيئة، والنائب قاسم هاشم مقرراً لها بالتزكية.
أيضاً، انتخب النائب ميشال ضاهر رئيساً للجنة الاقتصاد والصناعة والتخطيط، وفاز النائب ناصر جابر مقرراً لها بالتزكية، النائب إبراهيم الموسوي رئيساً للجنة الإعلام والاتصالات النيابية، والنائب محمد سليمان مقرراً بالتزكية، النائب سيمون أبي رميا رئيساً للجنة الشباب والرياضة، والنائب رائد برو مقرراً بالتزكية، ميشال موسى رئيساً للجنة حقوق الإنسان، والنائب نزيه متى مقرراً لها بالتزكية، النائبة عناية عز الدين رئيسة للجنة المرأة والطفل، والنائب عدنان طرابلسي مقرراً بالتزكية، النائب طوني فرنجية رئيساً للجنة تكنولوجيا المعلومات بالتزكية، والنائب الياس حنكش مقرراً للجنة.
وتمكّن النواب التغييريون من حجز مقاعد لهم في عضوية بعض اللجان، منها المال والموازنة مع النائب إبراهيم منيمنة الذي انضوى أيضاً في لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه، لجنة الزراعة والسياحة مع النائب إلياس جرادة، لجنة البيئة مع النائبة نجاة عون، الخارجية مع النائب ميشال الدويهي، الإعلام والاتصالات مع النائبين بولا يعقوبيان وياسين ياسين، المرأة والطفل مع النائبة سينتيا زرازير.
النتائج لم تكن مستغرَبة ولكنها فضحت المنظومة السياسية التي كانت تتحاصص بالتزكية وتنال المقاعد الـ128 كلّها بالاتفاق السياسي
كما حجزت كتلة النواب التغييريين مقاعد لها في لجنة حقوق الإنسان مع النائبين ملحم خلف وميشال الدويهي، الشباب والرياضة مع النائب وضاح الصادق، شؤون المهجرين مع النائب مارك ضو، وفي لجنة الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية من خلال النائبين إلياس جرادة ورامي فنج.
ويعوَّل على هؤلاء النواب من قبل ناخبيهم أن يكونوا الشاهد على الجلسات، والعين المراقبة لمحاولات تمرير الملفات والتسويات وناقلي وقائع الاجتماعات للرأي العام، وإن كان ليس بمقدورهم التأثير كثيراً في القرارات والتصويت عليها نسبةً إلى عددهم الخجول في كل لجنة، مع العلم أن النواب التغييريين يؤكدون استفادتهم من حق دستوري قانوني يخولهم حضور كل جلسات اللجان وإن لم يكونوا أعضاءً فيها للاطلاع عليها بتفاصيلها ولو أنه لا يحق لهم التصويت.
يقول المحامي أيمن رعد، لـ"العربي الجديد"، إن اللجان النيابية كلها مؤثرة وتلعب دوراً تبعاً للاختصاص، لكن حتماً في الوضع الراهن هناك لجان أكثر أهمية من غيرها، كلجنتي الإدارة والعدل والمال والموازنة، خصوصاً أن غالبية القوانين حتى المرتبطة بلجان أخرى تمرّ فيهما وتدخل ضمن اختصاصهما.
ويلفت رعد إلى أن "النتائج لم تكن مستغرَبة ولكنها فضحت المنظومة السياسية التي كانت تتحاصص بالتزكية وتنال المقاعد الـ128 كلّها بالاتفاق السياسي بينها، أما الآن، فقد باتت تتحاصص ضمن التصويت وبأعدادٍ أقلّ وذلك بعدما فرضت كتلة التغييريين التصويت في استحقاقات ما كانت تمرّ بجانب اللعبة الديمقراطية".
ويرى رعد أن "الحياة السياسية البرلمانية كانت بمثابة نادٍ مغلق للسياسيين وعامة الشعب لا يدرون ماذا يحصل داخل الجلسات، وهذه الصورة اختلفت اليوم بفضل النواب التغييريين الذين وإن كان دورهم غير مؤثر باعتبارهم أقلية، لكن أهمية وجودهم تكمن في تظهير التحاصص وبالأرقام أمام الرأي العام، والإضاءة على الأخطاء والمسرحيات والتركيبات، وقد نجحوا بذلك في الاستحقاقات التي حصلت منذ انتخابهم".
ويتوقف رعد عند أهمية وجود النائب منيمنة في لجنة المال والموازنة رغم صعوبة موقعه كونه وحيداً على صعيد كتلة التغييريين بين نواب يمثل معظمهم حزب المصارف وحماته في البرلمان، ومن مؤيدي بيع أصول الدولة، إذ يمكنه أن ينقل المناقشات السرية التي تحصل إلى الرأي العام ووضع كل شخص أمام مسؤولياته.
كما يعرّج المحامي والناشط الحقوقي اللبناني على فوز النائبين خليل وزعيتر المطلوبين للقضاء بلجنة الإدارة والعدل وحيازتهما على تصويت لافت فضح المنظومة السياسية التي صوّتت له بكل كتلها، بما فيها "القوات اللبنانية" التي تخوض معركة علنية عليهما والعهد ككل، ويقول رعد "ما حصل ترجمة فعلية ليوم انتخاب رئيس البرلمان، عندما اعتبرت الأوراق التي كتب فيها (العدالة لضحايا مرفأ بيروت) ملغاة".