القضية 173 تربك النظام المصري: ضغوط غربية بملف حقوق الإنسان

10 فبراير 2022
تبلغ نجاد البرعي السماح له بالسفر (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر في المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، عن وجود حالة من الارتباك، داخل أروقة السلطة، مع تصاعد حملات الضغط الدولية على مصر، بسبب ملف "أوضاع حقوق الإنسان في البلاد".

وقالت المصادر إن المجلس الآن "بصدد دراسة هذا الأمر، لاقتراح بعض الحلول على السلطات المعنية".

وتشدد السلطات المصرية الحصار المفروض على المجتمع، وتغلّظ العقوبات على المحكومين في قضايا سياسية، من النشطاء والحقوقيين والصحافيين، وتتوسع في الاعتقالات. كما أنها تعمل على تمديد الحبس الاحتياطي، بما يتجاوز العامين بالمخالفة للقانون.

ضغوط أميركية للإفراج عن 16 شخصاً

في هذا الوقت تضغط الإدارة الأميركية من أجل تنفيذ بعض المطالب في ملف حقوق الإنسان، ومنها الإفراج عن قائمة تضم 16 اسماً، ورفع قرارات المنع من السفر المفروضة على المتهمين السابقين بالقضية رقم 173، المعروفة بقضية "التمويل الأجنبي". وقد دفع هذا الأمر بواشنطن إلى حجب جزء من المساعدات العسكرية الممنوحة لمصر، والبالغة نحو 130 مليون دولار.

حقوقي مصري: تخفيف قيود السفر والإفراج عن المعتقلين بعد عقد صفقات

وبينما حثّ برلمانيون أوروبيون حكوماتهم، وكذلك الأمم المتحدة على إخضاع ملف حقوق الإنسان في مصر، الذي وصفوه بـ"المروّع" لمزيد من التدقيق العالمي، يجد النظام نفسه في موقف يتطلب اتخاذ بعض الإجراءات من أجل تحسين صورته الدولية، لا سيما مع ضغوط دولية مفروضة على الرئيس عبد الفتاح السيسي بسبب ملف حقوق الإنسان.

حقوقي مصري مخضرم، تحدث بشرط عدم ذكر اسمه، قال إن "النظام المصري لم يجد في جعبته سوى الوسيلة المكررة، وهي محاولة الإيحاء بوجود انفراجة سياسية في ملف حقوق الإنسان". 

النظام يحاول تصدير صورة بوجود خطوات إيجابية

وأضاف أن "إعلان المحامي نجاد البرعي، مساء الثلاثاء (الماضي)، عن رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر، محاولة من قبل النظام لتصدير صورة للغرب بأن هناك خطوات إيجابية تجاه المجتمع المدني".

وأكد المصدر الحقوقي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "الثابت في مصر، هو أن القمع والحصار والاعتقال والحبس يتم بشكل ممنهج، بينما تخفيف القيود، مثل السفر، والإفراج عن المعتقلين، يتم عبر حالات فردية، وغالباً ما يتم ذلك بعد عقد صفقات".

وقال المحامي نجاد البرعي، في بيان على صفحته في "فيسبوك" مساء الثلاثاء، إنه "تم إبلاغي من أحد الضباط، برتبة عميد، في مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية، أنه قد صدر قرار بالسماح لي بالسفر، منهياً بذلك خمس سنوات من المنع غير المبرر". وأضاف البرعي: "التزمت بكلمتي والحمد لله... لم أطعن في قرار المنع، وقلت إن من وضعوني على القوائم هم وحدهم من سيرفعون اسمي منها".

وكان البرعي ضمن المتهمين في القضية رقم 173. وتم التحقيق معه منذ العام 2015 وحتى قبل أقل من أربعة أشهر، كما ذكر في بيانه. ووجه البرعي الشكر إلى "حركة حقوق الإنسان المصرية خارج الحدود، وكل المنظمات الدولية الحقوقية".

وقال إنه "من داخل الحكومة هناك من ساعد على أن نصل إلى حالة الانفراج "النسبي" التي نعيشها الآن. فلا بد من أن أشكرهم دون الإشارة إلى أسمائهم وصفاتهم، فهم وحدهم من يملكون الإعلان عما قاموا به من جهود".

وأضاف: "أشكر أيضاً ممثلي كل الحكومات الصديقة لمصر، الذين حاولوا بناء أرضية مشتركة بين الحكومة والمنظمات الحقوقية المصرية، وأثمرت جهودهم ثماراً إيجابية حتى اللحظة".

واعتبر البرعي أن "القضية 173 لسنة 2011 كانت القضية الأهم خلال العشر سنوات الماضية، محلياً وإقليمياً ودولياً، ولا تزال. أرجو أن تبدأ الحكومة في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تُلزمها بتعديلات تشريعية، من أهمها ضبط فكرة المنع من السفر والحبس الاحتياطي".

النظام يلجأ لسياسة الإيحاء بوجود انفراجة عبر الإفراج عن شخصيات ذات شهرة على المستوى الدولي
 

وتساءل الحقوقي المصري عن "سر قرار رفع اسم نجاد البرعي وحده من قوائم الممنوعين من السفر، بينما لا يزال الباقون المتهمون في القضية 173 ممنوعين، ومنهم المحامي والحقوقي ناصر أمين، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية الحقوقي خالد علي، والمحاميان مالك عدلي، وعزة سليمان".

وقال المصدر إن "البرعي يتمتع بعلاقات جيدة مع الأجهزة الأمنية، ولذلك وقع الاختيار عليه من أجل رفع اسمه من قوائم الممنوعين من السفر، في محاولة من النظام لإيصال رسالة إلى الغرب بأن هناك انفراجة في ملف حقوق الإنسان، لا سيما مع تزايد الضغوط الدولية عليه في هذه القضية".

وأصدر برلمانيون أوربيون وبريطانيون، أخيراً بياناً، دعوا فيه مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى تدشين آلية للمراقبة وكتابة التقارير حول مصر، وذلك في أول اجتماع مزمع للمجلس في 28 فبراير/شباط الحالي.

ووقّع البيان 175 برلمانياً من الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى بريطانيا. ومن بين الأسماء الموقّعة على البيان، جيريمي كوربن الزعيم السابق لحزب "العمال" وعضو مجلس العموم البريطاني، وريتشارد هاريس عضو مجلس اللوردات البريطاني، وديفيد حبيب عضو الجمعية الوطنية الفرنسية.

ولفت الحقوقي المصري إلى أن "النظام في مصر غالباً ما يلجأ إلى سياسة الإيحاء بوجود انفراجة في ملف حقوق الإنسان، عبر الإفراج عن شخصيات ذات شهرة على المستوى الدولي، وتكون أسماؤهم معروفة في الإعلام الغربي. وعادة ما يكون هؤلاء من العاملين بمجال حقوق الإنسان".

وأشار المصدر إلى أنه في ظل "محاولة النظام المصري الإيحاء للغرب بوجود انفراجة، قضت دائرة الإرهاب في محكمة جنايات القاهرة، بإعدام عشرة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، اتهموا بارتكاب أعمال عنف ضد قوات الشرطة في الفترة بين 2013 و2015، وتمت إحالة أوراقهم لمفتي البلاد".

إحالة المتهمين بقضية "تنظيم الأمل" للمحاكمة خلال أيام

وأشار إلى أن "هناك أخبارا شبه مؤكدة بأن السلطات المصرية تتجه إلى إحالة متهمي القضية رقم 930، المعروفة باسم "تنظيم الأمل"، إلى المحاكمة خلال أيام، وذلك مع انتهاء المدة القصوى المحددة قانوناً بعامين للحبس الاحتياطي".

وكانت مصادر مصرية خاصة أفادت، لـ"العربي الجديد"، بأن الحكومة المصرية لم تنفذ حتى الآن مجموعة طلبات لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ولذلك قررت الأخيرة حرمان القاهرة من مساعدات عسكرية بقيمة 130 مليون دولار.

أخبار عن إحالة متهمي قضية "تنظيم الأمل" إلى المحاكمة خلال أيام
 

ولفتت المصادر إلى أن "موضوع طلب الإفراج عن قائمة تضم 16 معتقلاً في مصر معروف، ونوقش في جلسة بإحدى لجان الكونغرس الأميركي". وأكدت المصادر أن من ضمن الشروط الأميركية للإفراج عن المبلغ المستقطع من المعونة العسكرية المقدمة إلى مصر، إنهاء القضية رقم 173، والمعروفة إعلامياً بقضية "التمويل الأجنبي".

وعلى الرغم من إصدار قاضي التحقيق المنتدب للتحقيق في القضية، في 30 أغسطس/آب الماضي، قراراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد عدد من الجمعيات والكيانات (أربع جمعيات)، لعدم كفاية الأدلة، إلا أن الأشخاص الذين كانوا متهمين بالقضية لا يزالون لا يستطيعون السفر خارج مصر، وعلى رأسهم الناشط الحقوقي جمال عيد.

ووصل إجمالي عدد المنظمات والجمعيات والكيانات التي صدر أمر بأن لا وجه حق لإقامة الدعوى الجنائية بشأنها، في ما تضمنه تقرير لجنة تقصي الحقائق من وقائع، سواء كان الأمر صادراً لعدم الجريمة أو لعدم كفاية الأدلة، إلى 67 كياناً.

وأشار الحقوقي المصري إلى أن "القضية رقم 173، رغم أنها كانت تضم عشرات المتهمين، الذين لا يزالون ممنوعين من السفر، رغم إغلاق القضية، إلا أن السلطات لم ترفع سوى اسمين اثنين من قوائم الممنوعين من السفر حتى الآن، وهم الناشطة السياسية والصحافية إسراء عبد الفتاح، التي استطاعت أخيراً السفر إلى باريس لاستلام المواطنة الشرفية، والمحامي نجاد البرعي".