القضاء الفرنسي يصدّق على مذكرة توقيف بحق بشار الأسد للتواطؤ بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

26 يونيو 2024
ناجون من هجوم بالغاز الكيميائي يحتجون على نظام الأسد في إدلب، 7 إبريل 2017 (الأناضول)
+ الخط -

صدّقت محكمة الاستئناف في باريس، اليوم الأربعاء، على مذكرة التوقيف التي أصدرها قضاة تحقيق بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الهجمات الكيميائية التي وقعت في أغسطس/ آب من عام 2013، وفق محامي الضحايا ومنظمات غير حكومية.

وصدّق القضاء الفرنسي على المذكرة بحق الأسد بشأن هجمات كيميائية في سورية إثر جلسة عقدتها اليوم محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس، لتحديد قرارها بالتصديق أو إلغاء مذكرة التوقيف بحق رئيس النظام السوري، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. وكانت غرفة التحقيق قد نظرت، في 15 مايو/ أيار الماضي، بطلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، حول إلغاء هذه المذكرة بحجة "الحصانة الشخصية" التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية.

ويحقق قضاة فرنسيون من "وحدة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس القضائية" منذ عام 2021 في التسلسل القيادي الذي أدى إلى الهجمات الكيميائية في 4 و5 أغسطس/ آب عام 2013، في عدرا ودوما قرب دمشق، وهجمات 21 من الشهر نفسه في الغوطة الشرقية، التي أدت إلى مقتل أكثر من 1200 شخص.

وأدت تلك التحقيقات إلى إصدار عدة مذكرات توقيف في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية والتواطؤ في جرائم حرب، طاولت إلى جانب بشار الأسد، شقيقه ماهر، والعميد غسان عباس، مدير الفرع 450 التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار بشار الأسد للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية.

وأكد مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب أنه "بالإجماع يعتبر حتى الآن" أن الاستثناءات للحصانة الشخصية لرؤساء الدول في مناصبهم "مخصصة للهيئات القضائية الدولية فقط" مثل المحكمة الجنائية الدولية وليس محاكم الدول الأجنبية.

و"من دون التشكيك في وجود عناصر تثبت تورط بشار الأسد في الهجمات الكيميائية التي ارتكبت في أغسطس/ آب 2013" أراد مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب "أن تبتّ في هذه المسألة محكمة أعلى". وفي الأيام المقبلة قد تتقدم نيابة مكافحة الإرهاب باستئناف أمام محكمة النقض، أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أدت هجمات النظام السوري بالأسلحة الكيميائية عام 2013 إلى مقتل 1144 شخصاً خنقاً، بينهم 99 طفلاً و194 سيدة، بينما أصيب 5935 شخصاً بحالات اختناق. وفُتح التحقيق في هذه المجزرة من قبل القضاء الفرنسي بناءً على شكوى جنائية قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير وضحايا سوريون في مارس/ آذار 2021، بالاستناد إلى شهادات من ناجين من هجمات أغسطس/ آب 2013.

وأدت التحقيقات إلى إصدار أربع مذكرات توقيف منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت بتهمة التخطيط المزعوم لشن هذه الهجمات. وتستهدف المذكرات بشار الأسد وشقيقه ماهر القائد الفعلي للفرقة الرابعة، وهي وحدة النخبة في جيش النظام السوري، بالإضافة إلى ضابطين هما غسان عباس وبسام الحسن.

وطعنت النيابة العامة لمكافحة الإرهاب بمذكرة التوقيف بحق بشار الأسد، ولكن ليس بتلك الصادرة بحق الثلاثة الآخرين. وتستند التحقيقات الموكلة إلى المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الكراهية، بين أمور أخرى، إلى الصور ومقاطع الفيديو والخرائط المقدمة من الأطراف المدنية وشهادات ناجين ومنشقين عن الوحدات الأمنية والعسكرية.

ووصف المحامي السوري أنور البني، الذي يتابع محاكمة مسؤولي النظام السوري أمام المحاكم الأوروبية، قرار محكمة الاستئناف الفرنسية بأنه "قرار هائل جداً ويؤسس لشيء جديد على صعيد العدالة الدولية". وأضاف البني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "كان من المتعارف عليه، وهذا ليس قانوناً، بل مجرد عرف، بمنح حصانة لرؤساء الجمهورية من الملاحقة القضائية، لكن هذا كان ينسحب على الجرائم العادية التي يرتكبونها، وليس هذا النوع من الجرائم". وقال: "لا يمكن أن تكون هناك حصانة لأي إنسان، خصوصاً أن مثل هذه الجرائم لا ترتكب إلا بقرار من رئيس الجمهورية، ولا يمكن بالتالي أن يحظى بالحصانة في مثل هذه الحالة".

ورأى البني أن قرار محكمة الاستئناف "يؤسس لخطوة تاريخية على مستوى العدالة في العالم، وليس في سورية فقط، بحجب الحصانة عمن يرتكب جرائم ضد الإنسانية أو يستخدم أسلحة كيمائية". وقال إن "القرار يؤسس لمرحلة جديدة على صعيد العدالة الدولية، وعلى صعيد الوضع السوري أيضاً، ذلك أن إصدار مذكرة توقيف بحق المجرم بشار الأسد يجعله خارج مستقبل سورية، وخارج الحل السياسي، باعتباره ملاحقاً دولياً".

ورأى المحامي ذاته أن هذه النقطة "ينبغي أن يتأسس عليها من الآن فصاعداً التعامل مع مجمل الوضع السوري". وحثّ المعارضة السورية على التعامل مع بشار الأسد "كطريد للعدالة الدولية، وليس شريكاً في أية مفاوضات حول مستقبل سورية".

من جانبه، وصف المحامي المختص بالقانون الدولي المعتصم كيلاني القرار بـ"التاريخي"، وأنه يأتي "خارج سياق المجريات السياسية التي تتجه لإعادة تعويم نظام الأسد". ورأى الكيلاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القرار يشير إلى عزم فرنسا على مكافحة الإفلات من العقاب في سورية، ومعاقبة مجرمي الحرب، تأكيداً لمبدأ أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. واعتبر أن القرار "يشير إلى قوة الحجة التي استند إليها القضاة الفرنسيون الذي أصدروه". واعتبر الكيلاني أن القرار الفرنسي يشكل سابقة قضائية هي الأولى من نوعها، وسيكون لها أثر كبير على مفهوم "الحصانة الرئاسية"، بما ينسحب على دول وملفات أخرى. 

وحول المنعكسات العملية للقرار على صعيد حركة رئيس النظام السوري خارج سورية، أوضح الكيلاني أنّ من المفترض أن يتسلم الإنتربول الدولي القرار اليوم ليُعمَّم على جميع الدول الموقعة على اتفاقية الإنتربول، ومن المتوقع من هذه الدول بالتالي احترام قرار القضاء الفرنسي. لكن كيلاني لفت إلى أن "بعض الدول التي تتحالف مع الأسد، مثل روسيا وايران، من غير المتوقع منها احترام القرار، ويبقى الانتظار لمعرفة تأثير القرار في بعض الدول العربية التي يزورها بشار الأسد بين الفينة والأخرى". وأضاف أنه "في كل الحالات، سيشكل القرار ضغطاً على رئيس النظام، وإحراجاً للدول التي يزورها، حتى لو لم تتقيد بمضمون القرار".

المساهمون